من المعلوم أن المراهقة مرحلة عمرية تعرف العديد من التغيرات إن على المستوى الفسيولوجي أو السيكولوجي أو السلوكي، لهذا ينبه بضرورة المتابعة والمراقبة والحرص على التفكير النافع في خلق وبناء جسور التواصل والتفاعل المجدي بين الأب والإبن المراهق الذي يعيش هذه المرحلة الطبيعية أولا، وبين الفئة الراشدة الناضجة في المجتمع وهذا المراهق ذاته، استحضارا منا أن المراهقة قد تشكل أزمة، إن لم يستطاع ويقدر على امتصاص كل التواترات والاضطرابات، واللاتوازن النفسي الذي قد يتعرض له المراهق خلال حياته الاجتماعية، والذي ينجلي للعيان عامة وللمعاشرين على وجه الخصوص، عبر سلوكياته غير السوية الصادرة عنه في العديد من وضعيات الحياة اليومية، وأخلاقه الشاردة عن المألوف المترسخ المتعاقد عليه مجتمعيا، وأيضا عبر مردوديته الدراسية، التي قد تكون تراجعية نكوصية، ونوعية علاقاته التي غالبا ما تكون موسومة بالتشنج والتعصب وعدم الرضى مع أفراد أسرته وأترابه وكذا محيطه المركب والمعقد تنشأويا.

فمؤخرا ذاعت بشكل غير مسبوق في وسط الشباب المراهق ظاهرة المقالب " البرانك " أي المقالب التراجيدية المزعجة سواء المعد لها سلفا بحبكة توزيع الأدوار أو على " غفلة " أقصد بطريقة فجائية عبر حيل وخدع من خيال المراهق وابتداعه تحت ذريعة ما يسمى بالمزحة الخالقة للسعادة، التي حضيت في البدء والختام بمباركة الأولياء وجماعة الرفاق على مختلف أعمارهم ومستوياتهم الإدراكية وتمثلاتهم الذهنية، فحسب العديد من الأراء المستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي ( الفايس بوك )، التي ألفيتها تتوزع بين مؤيد للظاهرة ورافض لها وكذلك متفاعل غير آبه البتة بالموضوع وعواقبه الوخيمة.

فالمؤيد يظنها ويخالها معبرا لاكتشاف المواهب، ووسيلة لخلق السعادة الداخلية أي وسط الأسرة النووية، أما الرافض فيلخص ويوجز المشهد التصويري في كلمة واحدة ألا وهي التفاهة، بإقرارهم على أنها تشجيع على التقليد الأعمى، وغزو ثقافي لا خير وراءه، ومنهم من اعتبرها وسيلة للتسول الإلكتروني متحججين في ذلك بالحاجة والعوز، في حين أن غير الآبه يعمل بالمثل المغربي " كلها يلغي ب لغاه وحنا مالنا "، في محاولة منهم إعطاء المسؤولية الاجتماعية صبغة " الفردانية "، وهذا ما لا يجب الانصياع إليه.

فبمتابعة وتتبع لغالبية الفيديوهات المعدة والمخصصة للبعض من المقالب، استحضرتني مجموعة من التساؤلات:

٠ ما جدوانية هذه المغامرة؟

٠ ما الذرائع التي تبناها الآباء لمباركة هذا السلوك؟

٠ هل يحضر وعي مسبق بالجوانب السلبية لهذه المزحات المرعبة؟

٠ هل يمكن اعتبار الظاهرة، بياض تواصلي تعاني منه الأسر؟

٠ هل الآباء بادروا وعجلوا بتقديم استقالتهم مبكرا تحت ضغط الأبناء؟

٠ هل الظاهرة نتاج لفراغ تربوي تنشأوي يمر منه المراهق؟

٠ وكذلك ما الفئة أو الشريحة التي أبناؤها تخوض غمار هذه المغامرة المجهولة النتائج؟ وهل يحضرها وعي قبلي بمخاطر المقالب النفسية والجسدية؟...

فبكل تأكيد نريد من خلال هذه التساؤلات المشروعة فهم السلوك المجسد والمشخص في مشاهد المقلب ( البرانك )، بغية الوصول إلى معانيه، كونه يشكل تشويشا وخلخلة ولربما خوفا من العاقبة والمآل.

فكل الوضعيات الصادمة التي تابعتها، جعلتني أطرح السؤال الآتي الحمال في نفس الآن لمساحة كبيرة من الجواب:

ألا يمكن أن يخلف هذا البرانك المفاجئ صدمات نفسية وحوادث جسمية لا يحمد عقباهما؟.

وحتى في الوضعيات المعلنة مسبقا ، ألا يمكن اعتبارها مضيعة لوقت المراهق وإلهائه عن واجباته، فعوض الذهاب إلى المطالعة الحرة والكتاب والإهتمام بالدروس وممارسة الرياضة والنشاط الموازي المفيد، نجده يذهب لهكذا طريق سهل، ظنا منه ( المراهق ) أنه مجال صالح ومثير أو منبه يمكن من تفجير طاقاته المكنونة، كأنه يقول لنا بلسان آناه المتعالية، أنه القوي والذكي والمبدع، في حين أنه في واقع الأمر يتوهم ذلك، ويعيش فنطازمات لا تؤمن بالواقعية.

والغريب في الأمر كذلك، وجدنا أن هذه الطاقة السلبية التي تنبعث منه ويبعث بها، تقتحم مجال سلطة الأب وتكسر بنيتها، كما تؤثر ضمنيا في الطاقة الإيجابية تجاه فلذة كبده ( هنا نسجل صراع طاقات وصراع قيم )، وبالتالي يحصل انقلابا قيميا، بمعنى تخلق – بضم التاء - قيما مبتدعة من قبل المراهق إن صح التوصيف وتزول معها تلك القيم الاجتماعية التي كانت تؤسس بالدرجة الأولى لمؤسسة الأسرة النووية، من قبيل فقدان قيم الطاعة والحياء والاحترام والصدق والعمل.

فمن حيث وجب الانطلاق لا تفتني الفرصة والصدفة في آن، أن أجعل المهتم والمنهم في التدبر والتمعن في هذه السلوكات الناجمة عن لعبة البرانك، هذا السلوك الوافد الذي تم تخضيعه لإبداعات ذاتية من نوع خاص، جعلنا بالأساس نتعمق في قراءة المتغيرات المعتملة بهذه الظاهرة الاجتماعية التي برزت تحت تأثير التقنية، وفق ما نلامس من معطيات مادية محسوسة، محاولين تصنيفها والحسم في مسألة: القطع/ الاستمرار، أو المعارضة/ المباركة ، أو القمع/ التشجيع.

فالذي يجب الإشارة إليه وبإلحاح، إن اعتبر هذا البرانك كاميرا خفية، أقول أن الكاميرا الخفية " كونسيبت " فني له قواعده وأهله ومتخصصوه مثله مثل باقي المنتوجات الفنية كالسيتكومات والسلسلات...

أما ما نلحظه فهو لا يعدو في غالب الأحيان إلا أن يكون تفاهة، أساسها لعبة تقوم على نظام وقانون، لا تخدم إلا مخترع اللعبة عينها ومبدع قانونها، فهي لا تنطق إلا لغة خشبية، لا تتعدى في غاياتها ومراميها ومقاصدها وأهدافها، مسألة نية تغليف المتابعين والمتتبعين بغلاف سميك، يحجبه عن رؤية العالم بمنظار واقعي، والوصول لقرار المسببات الحقيقية للمشكلات الاجتماعية، والوقوف عند خلفيات هشاشة البنيات وكذا الخلل الذي يعتري الوظيفة، إنها بصريح العبارة إلهاء عن المهم والأهم، باتخاذ الشبكات الاجتماعية أداة للتمويه، باعتبارها قنوات سريعة التوصيل والتواصل تساهم في تعجيل نجاح كل المخططات التضليلية بهذا المعنى.

هنا أستحضر القراءة الجامعة المانعة التي قام بها الدكتور آلان آدورنو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك بكندا في كتابه الشهير " نظام التفاهة " – ميديوكراسي -، الطبعة الأولى 2020، الصادر عن دار سؤال للنشر، بيروت لبنان، والذي قام بترجمته، الدكتور شاعل عبد العزيز الهاجري.

فمن بين مضامين المنجز البحثي وجدنا قراءة في الموضوع، مفاذها أن الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي: تويتر، الفايس بوك، والأنستغرام، انتقلت من مواقع اللقاء الافتراضي وتبادل الأراء فيها، ووسيلة لتكوين عقل جمعي من خلال المنشورات المتابعة والتفاعلات التي تطرأ على إثر المناظرات والخطابات والمراسلات والكتب والنشر والتوزيع والقراءة والنقد ونقد النقد، إلى مواقع تسهم بشكل كبير في ترميز التافهين، أي تحويلهم إلى رموز، هذه الرموز التي كانت وراء تقليص مباشر من صور النجاح الحقيقي بطريقة أو أخرى، والتي عرفتها قبلا وتعرفها راهنا البشرية، ومن أمثلة صور النجاح هاته، هنالك العمل الجاد والخير للأهل والمواطنة الصالحة وحسن الخلق والأكاديميا والأدب والفنون والرياضة ... إلخ، على حد تعبيره، غير أن كل أنواع التفاهات المهيمنة في وقتنا المعاصر هذا، غيرت الوجهة والإتجاه لتختزل النجاح في معيار واحد يتسم بالوهمية آلا وهو الربح السريع للمال، بأية طريقة وعبر أية وسيلة، لهذا بادر هذا الفيلسوف والناقد الاجتماعي " آلان آدورنو " إلى طرح التساؤل الاستنكاري التالي: ألا يمكن اعتبار معيار المال، المعيار الأوحد الذي وضعه مجتمعنا نصب أعين شبابه؟.

فرجاء لا تصنعوا جيلا تافها، بل أجيدوا صنعة شباب يتحلى بالمواطنة والوطنية، وشبابا منتجا لا مستهلكا يعاني الخمول والكسل، عبر التشجيع على المعرفة وطلب العلم ولا شيء أجدى منهما.

فالشباب وحسب التغيرات الاجتماعية المعيشة فهم " دينامو " المجتمعات، وأنهم الشريحة الاجتماعية العريضة المسيطرة على الهرم السكاني، والفئة الحيوية النشيطة التي لها القدرة على الدفع بالبلاد إلى التقدم وتحقيق الجودة على جميع الأصعدة، لكن لن يتأتى هذا التغير

الاجتماعي الإرتقائي إلا بوضع المسألة الشبابية في صلب الاستراتيجيات التنموية، فإدماجهم في المخطط التنموي الجديد، وتيسير عمليات اندماجهم الاجتماعي، والعمل على تعبئتهم وتأطيرهم بشكل فعلي وجاد في جوانب الإنخراط الفعال في تنظيمات المجتمع المدني والمشاركة السياسية المنتجة، والعمل على تسهيل وتيسير ولوجهم لعوالم الثقافة والتكنولوجيا والأنشطة الموازية من فنون ورياضة وأنشطة ترفيهية، بمعنى وضعهم في صلب وضمن أولويات السياسات العمومية المنتهجة، وجعلهم يحصدون في متم المطاف، قيما اجتماعية تستمد روحها من تربة الإنتماء الأصيلة، حتى نظفر بخلف صالح يشيد بالتربية والتعليم والأخلاق، ونشء له من المناعة ما يكفيه لتحصين فكره من المعاناة والملل.



عبدالسلام انهيري