لو كان بإمكان ساسة أهل الانبار ونخبها وتجارها ومقاوليها أن يتوحدوا في الرؤية والمنهج والمصلحة الوطنية، ويضعوا خارطة طريق للنهوض بمحافظتهم، وإرتقوا الى مستوى آمال شعب هذه المحافظة العروبية العريقة، لكان بإمكان تلك الواحة الخضراء التي تقع على نهر الفرات، أن تتحول الى "إمارة" على شاكلة إمارات الخليج، من حيث التطور والرفاهية، ولتحولت الى أماكن سياحية وجنات خضراء على شاكلة جنات عدن التي ورد ذكرها في القران الكريم، لما وهبها الله من قدرات ومؤهلات بشرية وكفاءات في مختلف شؤون البناء والاعمار، إضافة الى مياه وفيرة وأرض خصبة وزراعة بآلاف الدونمات،وحباها الله بثروات طبيعية كالغاز والفوسفات وكل المعادن الثمينة التي لم يحسن أهلها إستغلالها لحد الآن.

لكن ساسة المحافظة والقائمين عليها وبعض برلمانييها، ممن لم نعرف حتى أسماءهم، أو نقرأ لهم تصريحا في وسائل الاعلام، والبعض الآخر أخفى نفسه عن قصد، على طريقة "ياكل ويوصوص"، وقد إعتلى بعضهم وزارات مهمة، وهم الآن في البرلمان، لم يرتقوا الى مستوى هذا الحلم، وراحت الصراعات والبحث عن "الزعامات الوهمية" هي الهم الذي يغري الكثيرين، للظهور على ساحة الاحداث، وكأنهم هم وليس غيرهم من المؤهلين، من لهم "الهيمنة" على مقدراتها، وأغرقتهم السياسة وبلاويها في بحور الخصام والنفور والإختلافات، وهو ما حال دون أن يتمكن أهل الانبار من الارتقاء بمحافظتهم الى أن تكون "إمارة" أو "واحة خضراء" ترنو اليها الملايين، على أنها قبلتهم التي يجدون فيها ملاذهم الآمن والعيش الكريم، ولتوفرت إمكانات وقدرات هائلة تحولها الى ما يشبه "دولة" قائمة بذاتها، ولا تحتاج حتى الى معونة الحكومة المركزية لكي تمول مشاريعها، إذ أن لدى مقاولي وساسة تلك المحافظة وأغلبهم خارج العراق قدرات لو سنحت أمامهم الفرصة، أن يحولوا محافظتهم الى جنات غناء تزخر بكل معالم التقدم الحضاري والاعمار الشاهق، كي يكون بإمكانها حقا أن تتحول الى "إمارة" للبناء والاعمار وليس لإعادة الأنبار قرونا الى الوراء، لأن "الإمارة" بمعناها العصري، أن تنهل من معالم التطور والارتقاء، وتبني معالم شاهقة، لا أن يلهث البعض أو يبحث عن "زعامات فارغة " تنصب نفسها على الآخرين، وهي لا تمتلك من مقومات الزعامة، الا عناوين السياسة الفارغة التي ألهتهم عن تقديم الخدمة لأبناء محافظتهم، وما تم إنجازه لأهل الانبار ولمحافظة الانبار، على الرغم مما شهدته من إعمار في السنوات الأخيرة، الا أنها كان بإمكانها، لو إتحدت قدرات أهلها واعادوا لم الشمل وتوحيد الروية، لتحولت محافظتهم الى ناطحات سحاب، وشواهق من العمارات والشوارع الكبرى، ولما بقيت شوارع مدنها ضيقة، وعلى مقربة منها أسواق، ما زالت رائحة التخلف تلف أغلب أسواقها القديمة التي يرفض بعض أهلها أن يشملها التطور والارتقاء، مما أبقاهم في محال تجارية خربة، لا ترتقي الى طموحات أهل الانبار في أن يحولوا مناطق محافظتهم الى كل ما يعز أهل الأنبار ويرفع رؤوسهم الى علياء السماء.

كانت أغلب قيادات الدولة العراقية في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات والثمانيات تنهل من نخب أهل الانبار وكفاءاتها، وكان لها قصب السبق في الإدارة واعمال الاعمار والبناء، والطب والهندسة والتاريخ وعلوم الطبيعة، وارسوا دعائم مؤسسات دولة، كانت محل إشادة كل من عرف أؤلئك الرجال الابرار الميامين الذين كانت شهاداتهم العليا وتوليهم المناصب المهمة عاملا جعل الدولة واركانها تعتلي عروش الاستقرار والعدالة والتنمية والتفوق، وبخاصة من مناطق غرب الانبار، من حديثة وعنه وراوه ومثلها هيت وكبيسة ومن داخل الرمادي، وهم من شكلوا الطبقة الراقية والوسطى التي توفرت قدراتها في كل ميدان من أرض العراق، ويشهد لكفاءاتهم كل العراقيين بأن أهل الانبار بناة الشواهق وكل ما يسر النفس زهوا وعلوا وكبرياء، وهم أهل الكرم والمفاخر، وكل ما يرفع مقامات الرجال، ليس في العراق فحسب، بل في دول متقدمة، يتقدمون صفوفها ومناصبها المهمة. لكن حالهم الآن، ليس بتلك الطريقة التي كان عليها من سبقوهم، وكانت صراعات السياسة وارتمائهم في أحضانها، وبيع البعض ضمائره وولاءه لغير العراق، هو ما شكل علامة غير سارة في تأريخ تلك المحافظة، التي تعرفها كل العراقيين بأنها كانت زعاماتها صاحبة الحكمة والشرف الرفيع والترفع عن الصغائر، وأسهموا في بناء دولة، ترفع الرأس، الى أن جاء الأغراب والمحتلون والطامعون وعبثوا بمقدراتها، حتى هوت تلك المحافظة، ثم أعادت الآن بناء بعض معالمها التي خربها الأشرار، لترتقي من جديد، لكن خذلان بعض ساستها ووجوها لها، هو من يحول دون أن تبلغ الانبار ميادين العلا وترتقي معالم التطور والنهوض، الى حيث يأمل أهل الانبار، بل وكل عراقي وعربي شريف، ما إن تذكر الانبار حتى تحضر أمامهم رايات الرجال الأشاوس الكرام الكبار في منازلهم ومقاماتهم، ويفترض أن يحافظوا على تلك المكانة، لا أن يرهنوا ارادة محافظتهم بولاء خارجية، وراح آخرون من خارج المحافطة يتحكمون بمقدرتها، وهم من يفرضون عليها ظلما سطوتهم، وهو ما لايليق بأهل الانبار ولا بتاريخهم ولا بمكانة كبار قومهم وشيوخهم الأجلاء، ولا بنخبهم وكفاءاتهم، بكل تأكيد.

محافظة الانبار بحاجة الى لململة شتاتها وجمع قدرات كفاءاتها وطاقات شبابها، واعادة النظر باستغلال ثرواتها وامكاناتها الطبيعية، وبخاصة في ميدان الزراعة وحتى الصناعة وميادين الاستثمار الاقتصادي والتجاري، بالاستفادة من الاستثمار الخليجي، لكي تتحول الانبار الى ما يشبه إمارات الخليج علوا في العمارات والتطور التجاري والنهوض التقني، وبإمكان المحافظة التي وهبها الله نهر الفرات الكبير في عطائه ومائه الوفير أن تتحول الى "سلة غذاء" العالم والمنطقة، وتدخل ميادين التبادل التجاري والصناعي والزراعي والثروة الحيوانية واللحوم وتصنيعها، للتحول الى "دولة كبرى" لو سنحت لها القدرات والامكانات والكفاءات الموجودة أن يكون لها دور ومكانة، ولا تبقى "الزعامات المصطنعة" تتحكم بمقدراتها، فـ "الزعامات المصطنعة" لا تشكل رقيا وتطورا، بقدر ما تحافظ على أن تهيمن على المقدرات ويكون لها الكلمة العليا، ولا تترك فرصة لتطور المحافظة الا وامتدت أياديها الخبيثة في غول الفساد وهوله، لتنهش في جسد تلك المحافظة، ولا يكون بمقدور أبنائها وشبابها وكفاءاتها، وما أكثرهم، أن تكون هي من لها الدور والمكانة، وان نبتعد عن "الزعامات الفارغة المنفوخة"، ونبني زعامات لها وزن وقيمة يقدرها أهل الانبار قبل أن تدخل دائرة التقدير من الآخرين، وفيها من الرجال الأكفاء والرموز المشهود لهم بالخبرة والكفاءة والمقدرة ما يوصلها الى حيث يامل أهل الانبار، فهل تترك بعض "الزعامات المصطنعة" نواياها ومطامعها الشخصية، بعد إن طفحت ثروتها وأملاكها وبلغت المليارات، ليتركوا للناس الأمناء والمخلصين ومن كفاءاتها الشابة ونخبها الجامعية وهم أهل شهادات وخبرات، ليرتقوا درب المسيرة، ويعيدوا بناء معالم محافظتهم، لتكون أنموذجا يحتذي به لكل العراقيين في كل محافظاتهم، وقد تسبق الانبار حتى إقليم كردستان لو توفرت لها الفرصة، وتخلى بعض ساسة تلك المحافظة ونوابها عن جشعهم وطمعهم، ولكي لايبقى مكان لمن يريد تغيير ديموغرافية محافظتهم وتهجين أهلها، أن يكون بمقدوره أن يتحكم بمقدرات شعبها، ويكون أهل المحافظة وأهل الدار هم الغرباء، والطارئون عليها ومن يريدون إستباحة تاريخها وبطولات أهلها، هم من يتسيدون المشهد، وأهل الانبار لن يقبلوا بالضيم أن ينام في فراشهم، ولديهم من تاريخهم البعيد والقريب ما يرفع رؤوسهم الى حيث يفخر كل عراقي وعربي،بأن قامات أهل الأنبار وأعلامهم ورايات عروبتهم تبقى هي من ترفرف زاهية في الأعالي.. وللأنبار وأهلها ورموزها وأعلامها ونخبها كل التقدير والإحترام..ونتمنى أن نراها وهي رافعة الرأس، شامخة بالعز والكبرياء، وهي أهل لكل مجد وعز وفضيلة بعون الله، وهمة رجالها الأخيار الطيبين.

حامد شهاب