مع النقاش الذي طفا على السطح مؤخرا حول "حرمان مصطفى الرميد كاتبته من بعض حقوقها"، في سياق العطالة التي نتجت عن الجائحة، وفي سياق الحديث الذي واكب المساعدة الاجتماعية التي أعقبت قرار الحجر الصحي، وجملة الملاحظات المسجلة بشأن العملية؛ وبتتبع السجالات التي تلت قضية كاتبة الوزير، يمكن الوقوف على ملاحظات عدة صاحبت تناول الموضوع من قبل المغاربة، سواء تعلق الأمر بطبقة المدونين على منصات التواصل الاجتماعي، أو بنخبة السياسيين من خلال تصريحاتهم ومقالاتهم.

هي ملاحظات لسلوكيات تتكرر في كل مرة، ويتحول بوقودها الحدث السياسي -صغيرا كان أو كبيرا، عظيما أو حقيرا- غالبا إلى حادثة سياسية، تنتهج فيها الأطراف السياسية بامتداداتها المختلفة نمطا من النقد، يراد له أن يستغل كل سانحة لكسب نقط سياسية ضيقة، في حسابات تجاوزتها الممارسة الديمقراطية التي تحترم المؤسسات، وتؤسس لنقد سياسي حقيقي بمعناه العميق، بعيدا عن المزايدات العابرة، في بلاد يكون فيها الحزب فاعلا مرفوعا، لا مفعولا به منصوبا لكل زرية.

أولا..

وكأننا بمفتعلي هذا النقاش -بغض النظر عن ثبوت الفعل بوزير حقوق الإنسان من عدمه- لم يجدوا موضوعا يبينون فيه عن جسارتهم، وحسهم النقدي الفائق غير هذا الحادث، وهو إن شئنا القول -مع التسليم بثبوت الفعل المشين- حادث لا يعدو أن يكون نقطة في بحر الفساد المنظم على عين الدولة ليلا نهارا سرا جهارا. خاصة أنه تزامن مع حديث الساحة والساعة من متفرقات أخبار واردة من مناطق عدة تؤكد على فشل الدولة في احتواء الوباء، رغم التزام المغاربة بالحجر الصحي وصبرهم على إجراءات عدة أضرت بأعمالهم، وخلخلت أوضاعهم الاجتماعية إعلاء للمصلحة العامة.

ألا يمكن فهم إثارة هذا النقاش كوجه من مناورات ترحيل النقاش العام حول جدوى الحجر الصحي في ظل ارتخاء الدولة في محاصرة الوباء بتحاليل مخبرية شاملة.

ومع ذلك، يمكن القول بأن المستعجل في قضية الوزير هو فتح تحقيق مستقل وشفاف (وإن كان مصير لجان التحقيق في بلدان القروسطية معروف سلفا، جريا على مقولة "إذا أردت أن تطوي ملف حادث مأساوي لينساه الناس فاعقد له لجنة تحقيق) وبناء عليه، نأمل أن تخرج الحقيقة للرأي العام، بهدف محاصرة النقاش، لسد الطريق أمام رواد الإلهاء وهواة الخوض في النقاش المحتدم على أساس التقابلات الإديولوجية.

اكتسب الموضوع دسامته، لاعتبار أن الشخص "المتهم" هو مسؤول حكومي يفترض فيه احتراما أدنى للقانون وحقوق الإنسان، ما جعل كثيرا ممن لا يرى في الحكومة إلا وجها للاغتناء والكسب الشخصي فرصة للفضح، ونتساءل: هل هذه هي أول حالة فساد أ تجاوز معيب لمسؤول حكومي؟ ولاعتباره عضو حزب ذي مرجعية إسلامية (كما يحاول الحزب أن يقدم نفسه، أو لنقل كما قدم نفسه قبل الدخول للحكومة) ينظر إليه كمثال لنظافة اليد ومظنة لاستقامة الأخلاق وحسن التعامل، وبهذا المحدد الأخير تكون القضية قد أسالت لعاب من ينتظر عفوات الإسلاميين -عموما: من قبل منهم باللعبة السياسية بشروط النظام أو من آثر السلامة من المستنقع- ويستقبلها بكثير الاغتباط لتقديم دروس هم الأحوج إليها، ويمثلهم اليسار بتلاوينه مع استثناءات حزبية وشخصية قليلة من إتيان هذه المراهقة السياسية الفجة.

لكن، ثم لكن..!!

هل كان سيقدر للقضية الضجة ذاتها، بهذا الصدى والحجم لو كان مصطفى الرميد من حزب غير البيجيدي؟!!! ماذا لو كان من حزب إداري صنع على عين المخزن، وعجنته أيدي مستشاري القصر في دوائر السلطة الحقيقية العليا، بعيدا عن الصراعات الكرتونية بين الدكاكين السياسية التي تؤثث المشهد السياسي، رغبة في صرف الأنظار عن فظائع القمة من فساد ونهب واحتكار وريع يزكم الأنوف؟!!

ماذا لو كان الرميد هو خالد عليوة ذو التوجه الحزبي المحسوب على اليسار الذي أدين بفساد مالي تمتع على إثرها بسراح مطلق بعد نزهة سجنية قصيرة؟! ماذا لو كان المتهم هو زميل عليوة في التوجه محمد بن عبد القادر صاحب فضيحة مشروع قانون تكميم الرأي وحرية التعبير؟!!! ماذا لو كان الرميد هو ياسمين بادو؟!! ماذا لو كان هو علال الفاسي؟!!! ماذا لو؟ وماذا لو...؟!!، و"ماذا لو" لن تنتهي في بلاد نخرته التجاوزات والتملص من المحاسبة وترتيب المسؤوليات، وغض الطرف عن مسؤولين ومقربين من السلطة، من قبل من بيدهم أمر الحل والعقد في أروقة القصر، في ملفات فساد وغيرها، أضحى قانونا سريا يستفيد منه "خدام الدولة". غض طرف أو عفو أو إعفاء من المسؤولية في أفضل حالات العقاب، مع تقاعد مريح، وحالات التجاوزات بهذه الفظاعة متواترة مطردة لا عد لها ولا حصر، وأمثلة ذلك طوع بناننا بنقرة على محرك البحث.

ويمكن الوقوف -في هذا النقاش- على أنه مادامت معاركنا محصورة في النيل من بعضنا البعض، فإنا لما نتخلص بعد من المراهقة السياسية في أقبح مظاهر التصابي، من تراشق وهمز ولمز، بينما لا يتجرأ الكثير بالجراءة نفسها على انتقاد السلطة الحقيقية (بدءا بمستشاري القصر وصولا للرأس)، ولا شك أن رئيس الحكومة كيفما كان لونه السياسي الذي يفترى عليه أنه الرجل الثاني في الدولة بعد الملك غير وارد في هذه التسلسل السلطوي بتاتا، مع ما عليه من مسؤولية عظيمة في التدليس على الناس وتمرير مشاريع قوانين وإصلاحات تضر بالشعب المفقر المنهك.

إنه مادام اهتمامنا لا يركز على ما يحدث في قمة الجبل، وشجاعتنا لا تتعدى الشغب القاعدي دون النضال الحقيقي الذي يقصد قمة الإشكالات وسبب الكوارث، مادام واقعنا كما تقدم وصفه، فلا حرج أن نقول إننا نعامات لطيفة تستأسد على إخوتها في معارك الهامش تستنزف فيها الطاقات بعيدا عن المطلب الأساس الذي يتمثل في مناهضة الاستبداد وتقويض أركانه أملا في مسقبل يتفتح لأبنائنا، حتى لا يظلوا في دوامة البؤس الذي عاشه الأجداد المقاومون والآباء البانون. وهذه ليست -بأي وجه كان- دعوة لإفلات المخالفين سواء تعلق الأمر بالمواطن أو المسؤول ممهما علت درجته.

فلا أقل، إذن، من ألا يمنعنا الصراع الحزبي والتنافس السياسي والخصومة الإيديولوجية من أن نسلك سبل الإنصاف والتقدير، ثم إن الاختلاف لا يفسد للود قضية، ولا أجمل من أن نحترز من السقوط في فخ المخطط "فرق تسد"، وأن نحترس من أن نظل مصطادين ساذجين في شباك أهدافه المقيتة. ف"فرق تسد" لم يكن نهج احتلال فحسب، بل استراتيجية عتيقة، يتوسلها كل ذي خسة دنية لهدم كل ذي همة علية. والمسألة هنا، ليست عدم قبول للنقد أو ضيق بأفق الحرية والتعبير، بل كل ذلكم مطلوب، لكن بضابط التثبت ومتحكمات الاحترام، بعيدا عن التشفي أو تصيد العثرات.

وإن كل ما تقدم، ليس دفاعا عن الرميد أو غيره، فحزب البيجيدي كغيره من المقاولات الحزبية هدفها المصلحة ودينها الدرهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار باستثناء المحظور منها. وإن الكيس الفطن لا ينخرط في معارك الهامش التي يرسم خطوطها الإعلام المرتزق، والأقلام المأجورة وميكروفونات الفضائح، والجرائد الصفراء التي تضبط على إيقاع معين، وتصدر من قاع مزدحم بالتفاهة.

أستاذي عبد الله..

المطلوب فتح تحقيق مستقل وشفاف (وإن كان مصير لجان التحقيق في بلدان القروسطية معروف سلفا، جريا على مقولة "إذا أردت أن تطوي ملف حادث مأساوي لينساه الناس فاعقد له لجنة تحقيق)

على كل، نأمل أن تخرج الحقيقة للرأي العام، عل اعتبار أن الشخص "المتهم: هو مسؤول حكومي يفترض فيه احتراما أدنى للقانون وحقوق الإنسان، ولاعتباره عضو حزب ذي مرجعية إسلامية يفترض فيه نظافة اليد واستقامة الأخلاق وحسن التعامل.

لكن، ثم لكن..

هل كانت هذه القضية أن تثار حولها الضجة ذاتها بهذا الصدى والحجم لو كان مصطفى الرميد من حزب غير البيجيدي؟!!! ماذا لو كان من حزب إداري صنع على عين المخزن، وعجنته أيدي مستشاري القصر في دوائر السلطة الحقيقية العليا بعيدا عن الصراعات الكرتونية بين الدكاكين السياسية التي تؤثث المشهد السياسي رغبة في صرف الأنظار عن فظائع القمة من فساد ونهب واحتكار وريع يزكم الأنوف؟!!

ماذا لو كان الرميد هو خالد عليوة ذو التوجه الحزبي المحسوب على اليسار؟! ماذا لو كان زميل عليوة في التوجه محمد بن عبد القادر صاحب فضيحة مشروع قانون تكميم الرأي وحرية التعبير؟!!! ماذا لو كان الرميد هو ياسمين بادو؟!! ماذا لو كان هو علال الفاسي؟!!! ماذا لو؟ وماذا لو...؟!!، و"ماذا لو" لن تنتهي في بلاد نخرته التجاوزات والتملص من المحاسبة وترتيب المسؤولية، وغض الطرف عن مسؤولين ومقربين من السلطة من قبل من بيدهم أمر الحل والعقد من أروقة القصر، غض طرف أو عفو أو إعفاء من المسؤولية في أفضل حالات العقاب، مع تقاعد مريح، وحالات التجاوزات بهذه الفظاعة متواترة مطردة لا عد لها ولا حصر، وأمثلة ذلك طوع بنانا بنقرة على محرك البحث.

في النهاية، أود أن أقول..

مادامت معاركنا محصورة في النيل من بعضنا البعض، فإنا لما نتخلص بعد من المراهقة السياسية في أقبح مظاهر التصابي، من تراشق وهمز ولمز، بينما لا يتجرأ الكثير بالجراءة نفسها على انتقاد السلطة الحقيقية (بدءا بمستشاري القصر وصولا للرأس) ولا شك أن رئيس الحكومة كيفما كان لونه السياسي الذي يفترى عليه أنه الرجل الثاني في الدولة بعد الملك غير وارد في هذه التسلسل السلطوي بتاتا، مع ما عليه من مسؤولية عظيمة في التدليس على الناس وتمرير مشاريع قوانين وإصلاحات تضر بالشعب المفقر المنهك.

مادام اهتمامنا لا يركز على ما يحدث في قمة الجبل، وشجاعتنا لا تتعدى الشغب القاعدي دون النضال الحقيقي الذي يقصد قمة الإشكالات وسبب الكوارث، مادام واقعنا كما تقدم وصفه فلا حرج أن نقول إننا نعامات لطيفة تستأسد على إخوتها في معارك الهامش تستنزف فيها الطاقات بعيدا عن المطلب الأساس الذي يتمثل في مناهضة الاستبداد وتقويض أركانه أملا في مسقبل يتفتح لأبنائنا، حتى لا يظلوا في دوامة البؤس الذي عاشه الأجداد المقاومون والآباء البانون.

فلا أقل من ألا يمنعنا الصراع الحزبي والتنافس السياسي والخصومة والإيديولوجية من أن نسلك سبل الإنصاف والتقدير، ثم إن الاختلاف لا يفسد للود قضية

ولا أجمل من أن نحترس من السقوط في فخ المخطط " فرق تسد" ونظل مستهدفين ساذجين لأهدافه المقيتة. ف"فرق تسد" لم يكن نهج احتلال فحسب، بل استراتيجية عتيقة، يتوسلها كل ذي خسة دنية لهدم كل ذي همة علية. نسأل الله السلامة والعافية.

والمسألة هنا، ليست عدم قبول للنقد أو ضيق بأفق الحرية والتعبير، بل كل ذلكم مطلوب، لكن بضابط التثبت ومتحكمات الاحترام، بعيدا عن التشفي أو تصيد العثرات. اللهم أقل العثار.

 

إشارة:

 

كل ما تقدم، ليس دفاعا عن الرميد أو غيره، وأعتبر حزب البيجيدي كغيره من المقاولات الحزبية هدفها المصلحة ودينها الدرهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار باستثناء المحظور منها.

 

وإن الكيس الفطن لا ينخرط في معارك الهامش التي يرسم خطوطها الإعلام المرتزق، والأقلام المأجورة وميكروفونات الفضائح، والجرائد الصفراء التي تضبط على إيقاع معين، وتصدر من قاع مزدحم بالتفاهة.

 

اللهم احفظ بلادنا من فتنة الظالمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد المنافقين الفجار، ومكر المشركين الكفار.

 

 

اللهم قيد لأمتنا فتحا ونصرا يعجب له الأعادي، ويسعف المستضعفين والمقهورين "المحكورين"، يكون أملا للمظلومين من البشرية جمعاء التي ترسف في أغلال العبودية المعاصرة، والاستغلال الجشع للإنسان والأرض من فبل رأسمالية المتوحشة.

سعيد البوبكاري