يشدّد جمال الدين حديبي، المتحدث باسم حركة النهضة الاسلامية، على أنّ الاسلاميين الجزائريين هم من رفض لعب أي دور في الحكومة ولم يتم إقصاؤهم، وعلى أنّ التكتل الأخضر الإسلامي، الذي يضم حركات السلم والنهضة والإصلاح، هو من قرر رفض المشاركة في الحكومة بملء إرادة أضلاعه الثلاثة وكافة قواعده وفي إشارة قوية إلى قبول بشير مصطفى ومصطفى بن بادة تولي حقيبة الاستشراف والاحصاء وحقيبة التجارة، يقول عبد الرزاق مقري، الرجل الثاني في حركة السلام التي تشكل الواجهة التقليدية للإخوان في الجزائر، إنّ استجابتهما للمشاركة في حكومة عبد المالك سلال تدخل ضمن "مخطط للتآمر على الحركة من السلطة وبعض أبنائها" ويستبعد حديبي أن ينجح المحسوبون على الإسلاميين في حكومة تكنوقراط ألفت على عجل لتمرير المرحلة، في تجسيد التطلعات الحقيقية لحملة المشروع الإسلامي في الجزائر، مردفاً أنّ الاسلاميين ما زالوا يمتلكون القدرة على تجسيد التغيير الفعلي بحكم قوة قواعدهم النضالية واتساعها.

 

سقف الطموح أعلى:

 

وعلى المنوال ذاته، يصرّ حملاوي عكوشي، الأمين العام لحركة الإصلاح، على أنّ السلطة تسعى الى تحويل القوى الاسلامية إلى أحزاب تحت الطلب، وهذا ما دفعها لمقاطعة حكومتها. فاستعانت هذه السلطة بأسماء من أحزاب صغيرة ضعيفة وموالية، تنصاع لمخططاتها المتناقضة أما أبو جرة سلطاني، رئيس حركة السلم، فيؤكد أنّ تشكيل الحكومة بالطريقة التي تمت فيها خيّب آمال الجزائريين في تغيير جذري  في السياسات والبرامج. واعتبر وزير الدولة السابق أنّ سقف طموحات الحركات الاسلامية في الجزائر أعلى بكثير من طموحات فريق حكومي استغرق تأليفه ما يزيد على ثلاثة أشهر ويرى سلطاني أنّ الجزائر تمر اليوم في مرحلة جمود سياسي، تحتاج معه إلى رسم أولويات جديدة يتصدرها الإسراع في مراجعة الدستور لتوضيح طبيعة الحكم، والانتهاء من سياسة إعفاء الأحزاب من تحمل مسؤوليتها أمام الشعب، خصوصًا التشكيلات التي تكوّن "الغالبية المصطنعة"، كما وصفها سلطاني.

 

مؤامرات ودسائس:

 

من جانبه، يرفض عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، ما يشاع عن تراجع شعبية الإسلاميين، بحكم غيابهم عن المجالس المنتخبة والحكومة، مركّزًا على أنّ "ذلك القول يُجانب الواقع في ظلّ تفشي التزوير والتعامي السلطوي"، على حد وصفه ويعتبر جاب الله أن من واجب "الأوفياء ممارسة الأعمال التوعوية المتواصل في ما يخدم الصالح العام". كما يصر على الوقوف في وجه استمرار السلطة في "سياسة الإفساد وتكسير الأحزاب وشراء ذمم قادتها القابلين للترويض، واستعمال تأثير المال والمنصب وسلطان الإدارة والقضاء والإعلام في تنفيذ مخططات الترويض أو التشويه" بدوره، يردّ القيادي في الجبهة الأخضر بن خلاف اعتكاف الاسلاميين عن المشاركة في السلطة إلى "طبخة خفية، بالتزامن مع قيام السلطة بافتعال صراعات داخل الأحزاب الاسلامية سعيًا لتفكيكها من طريق الدسائس والمؤامرات، لعلمها أنّ الاسلاميين سيسيطرون على الساحة".

 

تراجعت... وهذه هي الأسباب:

 

تسارعت حدة الانقسامات في صفوف الإسلاميين خلال الفترة الأخيرة، فانشطرت حركة السلم إلى ثلاث فصائل أبرزها تجمع أمل الجزائر (تاج) الناشئ حديثًا وزعيمه عمر غول، وجبهة التغيير بقيادة عبد المجيد مناصرة، وحركة البناء الوطني التي لا تزال قيد التأسيس.

لم يستبعد سلطاني فرضيّة أن تكون القيادات الاسلامية المنشقة من رجال السلطة المندسين في الحركات الإسلامية لشرذمتها. قال: "للسلطة رجالها، لكنها لن تظفر بالمخلصين للخط الإسلامي الأصيل، وللأهداف الكبرى التي نتطلع أن نحققها في هذه الديار" ويرى متابعون أنّ ما حدث ويحدث أقحم الاسلاميين في دوامة تنذر بجرّهم نحو اتجاهات أخرى لم تكن مطروحة، وسط  تنامي درجة التذمر في أوساطهم، واحتدام نقاش داخلي مغلق للتخلص من الوهن الحاصل، رافقه ارتفاع أصوات مطالبة بمراجعات عميقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وهذه المراجعات تتجاوز علاقة الاسلاميين مع السلطة وعجزهم عن مواجهة إستراتيجيتها في تحجيم الأحزاب الإسلامية، لتطال علاقة الاسلاميين بجماهيرهم التي بدأت تفقد ثقتها في مرجعياتها الإسلامية، بسبب الأخطاء الكثيرة الناجمة عن تعاطيها السياسي والرسمي خلال العقدين الماضيين.

 

بهذا الشأن، يشير محمد بغداد، الخبير في الحركات الإسلامية الجزائرية، إلى أنّ هذه الحركات تراجعت وذاك واضح، لأسباب عدة، يدرجها في قوله: "أولًا، خطاب الانتصار الوهمي الذي أنتجه قادتها وروّجوه مطوّلًا، الأمر الذي أفرز تراخي القواعد النضالية وعدم قيامها بالتعبئة في الأوساط الشعبية، لأن الزعماء أوهموهم بأن النصر محقق ولا داعي للقيام بالعمل. وثانيًا، النتائج الكارثية لمشاركة الاسلاميين الهزيلة في السلطة، إذ تأكد أن هذه المشاركة لا علاقة لها بالبرنامج الاسلامي والطموحات والمطالب الشعبية. وثالثًا، تراجع المستويات القيادية في قواعد التيار الإسلامي وضعفهم. ورابعًا، تخلي التيارات الإسلامية عن العمل الشعبي وابتعادها عن الهم الاجتماعي، وانحيازها إلى الطبقات المتوسطة والمرفّهة اجتماعيًا. وأخيرًا، تفشي ظاهرة التشرذم في التيار الإسلامي، انكشاف فضائح قادته الأخلاقية، وخصوصًا أولئك المرتبطين بالسلطة".