لم يترك المشهد الملتبس الذي تمخضت عنه الثورة المصرية خيارا امام واشنطن الا ان تتعامل مع اللاعبين الاساسيين في البلاد وهما الجيش والاخوان المسلمين رغم اختلافها مع الجانبين وأعلن يوم الاحد الماضي فوز محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين بالرئاسة في مصر. وكانت الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن الجماعة منذ زمن طويل ويتسلم مرسي الرئاسة بعد ان قلم المجلس العسكري سلطات الرئيس واعتبرت قرارات المجلس الاخيرة غير ديمقراطية لكن الجيش يظل أقوى مؤسسة في البلاد ويدور صراع بين الجيش والاخوان المسلمين حول تقسيم السلطة في دولة بلا برلمان وبلا دستور دائم في الوقت الراهن وبلا مسار واضح للديمقراطية بعد الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي وهو حليف قديم لواشنطن حظر جماعة الاخوان وقمع اعضاءها.

ونتيجة لهذا يقول مسؤولون امريكيون حاليون وسابقون ان الولايات المتحدة تواجه تحديا دبلوماسيا متعدد الابعاد. فعليها ان تتعامل مع الكل وهي تحاول الحفاظ على تعاون استراتيجي مع مصر بشأن معاهدة السلام مع اسرائيل وبشأن حرية المرور في قناة السويس في الوقت الذي تدعو فيه الى الديمقراطية في دولة أصبحت القوة المهيمنة فيها حزب اسلامي والعمل مع الاخوان المسلمين أمر حساس بشكل خاص بالنسبة لادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما ونبذت جماعة الاخوان المسلمين العنف لكن خرج من عباءتها في الماضي جماعات أخرى تبنت العنف. وشكك بعض مسؤوليها في السابق في معاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع اسرائيل عام 1979 وفي حقوق المرأة والاقليات مثل أقباط مصر وقال مسؤول امريكي طلب عدم الكشف عن هويته "نحن نفتح الخطوط" مع الجميع.

تبدى هذا التوجه المقصود غير المنحاز يوم الاحد الماضي حين اتخذ أوباما خطوة غير معتادة واتصل بكل من مرسي وأحمد شفيق منافس مرشح الاخوان الذي خسر سباق الرئاسة وهو قائد أسبق للقوات الجوية وآخر رئيس للوزراء في عهد مبارك ويقول محللو الشرق الاوسط ان قدرة الولايات المتحدة محدودة في التأثير على الاحداث في مصر وان من الافضل لها ان تترك للجيش وللاخوان المسلمين وباقي القوى في المجتمع التكيف مع الاوضاع وقال روب دانين وهو مسؤول في الخارجية الامريكية خلال ادارة الرئيس السابق جورج بوش ويعمل الان في مجلس العلاقات الخارجية "هذه قضية ليست مصنوعة في أمريكا. الولايات التحدة لا يمكنها حقا ان تؤثر كثيرا ويجب الا تفعل في المستقبل القريب."

وتبدى صراع السلطة بوضوح في مصر في عدد من المناسبات ومن ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 14 يونيو حزيران بحل البرلمان الذي هيمن عليه الاخوان المسلمون وهناك اعتقاد واسع النطاق داخل مصر ان هذه الخطوة جاءت بتدبير من الجيش ويوم 18 يونيو أعطى المجلس الاعلى للقوات المسلحة نفسه حق التشريع الى حين انتخاب برلمان جديد كما اعطى نفسه القول الفصل في وضع دستور جديد لمصر وحق اختيار لجنة تأسيسية لصياغة الدستور اذا كانت هناك ضرورة لذلك وتنطوي شراكة الولايات المتحدة مع طرفي الصراع على مشاكل.. الجيش بسبب ما يعتبره محللون تصرفات غير ديمقراطية من جانبه والاخوان المسلمون بسبب الغموض الذي يحيط بسياساتهم على المدى الطويل.

وقال مساعد في الكونجرس الامريكي "انها مشكلة صعبة. أعتقد ان الاخوان المسلمين هم الجانب الاسهل من المعادلة في بعض الجوانب" وقال المساعد الذي طلب عدم الكشف عن هويته ان البيت الابيض الامريكي يبدو مستعدا للتعامل مع الاخوان المسلمين ما داموا يتصرفون بشكل ديمقراطي وبشكل ليس فيه اقصاء ولا يتخطون الخطوط الحمراء في قضايا منها معاهدة السلام مع اسرائيل وقناة السويس وقال "عشنا هذا الموقف من قبل. لقد شهدنا ما حدث في تركيا. وشهدنا تونس. شهدنا ان الناس الذين يسمون نفسهم اسلاميين يمكن ان يكونوا على ما يرام. سنحكم على التصرفات لا التاريخ" وفي خطاب نقله التلفزيون يوم الاحد تعهد مرسي بأن يكون رئيسا لكل المصريين وان يعمل على توحيد الامة كما وعد باحترام كل المعاهدات الدولية في لفتة موجهة الى اسرائيل.

ورغم ذلك هناك بعض التردد داخل مجتمع السياسة الخارجية الامريكية خاصة المحافظين المؤيدين لاسرائيل بشأن جماعة الاخوان المسلمين نظرا لتصريحات سابقة لمسؤولين في الجماعة تطالب باعادة النظر في معاهدة السلام والتعهد بتطبيق الشريعة الاسلامية وانتقاد الجماعة المعلن لاسرائيل وقال اليوت ابرامز وكان نائبا لمستشار الامن القومي في ادارة بوش "الخوف هو أن نقول حسنا لقد فازوا دعونا نكون كلنا أصدقاء بدلا من ان نضع معايير للاخوان المسلمين " أعتقد ان علينا ان نمارس ضغطا عليهم في قضايا مثل دور المرأة في المجتمع ودور الاقباط في المجتمع المصري وعلاقة مصر بحماس" مشيرا الى حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية التي تدير قطاع غزة.

وأكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون على بعض هذه النقاط ودعت مرسي الى ان يشرك المرأة والاقباط والليبراليين وهو يشكل حكومته وعلى الرغم من ان جماعة الاخوان قد نبذت رسميا العنف الا انه خرج من عباءتها حركات مثل حماس وزعماء للقاعدة مثل ايمن الظواهري ويقر مسؤولون امريكيون بوجود قدر من التعارض بين رغبتهم التعامل مع رجال سياسة في مصر من مختلف الاطياف وغموض موقفهم من تاريخ جماعة الاخوان المسلمين واعضائها وبعضهم ممنوعون من دخول الولايات المتحدة وقال مسؤول طلب عدم الكشف عن هويته "هناك هذا التوتر. نريد ان نرى مزيدا من الناس. علاقتنا تتطور مع تطور الافراد ومع تطور الامة (مصر)."

وعلى الرغم من العقوبات والقيود المفروضة على اصدار تأشيرات دخول لزعماء الجماعة الا ان المسؤولين الامريكيين ظلوا يجرون بشكل متقطع اتصالات متدنية المستوى مع ممثلي الاخوان المسلمين منذ سنوات وعادة ما يحدث ذلك من خلال نواب برلمانيين لهم صلة بالجماعة وفي العام الماضي خلال انتفاضة "الربيع العربي" التي اطاحت بمبارك استأنف مسؤولون امريكيون ما وصف باتصالات دبلوماسية رسمية مع الجماعة وقال النائب الجمهوري الامريكي مايك روجرز رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب انه على الولايات المتحدة ان تكون حذرة وقال "هناك مجموعة من قادة القاعدة كانوا من الاخوان المسلمين وتخرجوا وأصبحوا من القاعدة "هل أعتقد أن هناك أعضاء معتدلين في الاخوان المسلمين علينا ان نمد يدنا لهم ونجري معهم محادثات؟ نعم لكن علينا أن نراقب هذا بحذر."