عبد النور بزا، وهو عضو بحزب العدالة والتنمية، قرّر توجيه رسالة إلى بنكيران  مطالبا من رئيس الحكومة "البرهنة عن انحيازه للشعب"..

وفيما يلي نصّ الرسالة :

 

كل من عاش معك السيد الرئيس وعاشرك – منذ أربعة عقود- لا يمكنه أن ينكر مناقبك وفضائلك وسابقتك وتضحياتك، وما تتصف به من صدق وصراحة ووضوح وتعاطف مع المستضعفين ورغبة أكيدة في تحسين أوضاعهم العامة بقدر ما تستطيع، ولو من مالك الخاص وكل من صاحبك في إطار "الجماعة الإسلامية" و"الإصلاح والتجديد" و"التوحيد والإصلاح" لا يمكنه أن ينسى مدى إصرارك على إقناع إخوانك وأخواتك من زمان بضرورة الانخراط في العمل السياسي القانوني لتدبير الشأن العام بما يعود على الإسلام والمواطنين بالنفع العام.

 

وكل من تابع تصريحاتك في أكثر من حوار صحفي ومهرجان خطابي ولقاء تواصلي -قبل توليك رئاسة الحكومة- يذكر كثرة تأكيدك على ضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد، وتعهدك مرارا بعزمك على الإصلاح التدريجي للفساد العام، ما وجدت إلى ذلك سبيلا، وإلا فإنك على استعداد لتسليم المفاتيح إلى من يهمه الأمر، بدلا من التورط في تكريس الفساد والتطبيع مع المفسدين كما قلت غير ما مرة...

 

وها هي فئات عريضة من الشعب المغربي قد تفاعلت إيجابيا مع خطاباتك؛ واقتنعت بما كنت تنادي به من "الإصلاح في ظل الاستقرار"، فصوتت لحزب العدالة والتنمية وبوأته المرتبة الأولى في المشهد السياسي بعدد من المقاعد لم يحصل عليها أي حزب قبله، وتفاءل الناس خيرا برئاستك للحكومة، وعقدوا عليها آمالا كبيرة في إصلاح ما يمكن إصلاحه؛ وخاصة على إثر ما لاحظه الرأي العام فيك من تواضع واعتراف بأخطائك على الملإ، ومحاورتك للمعطلين في الشارع العام، وحضورك مع العمال في مسيرة فاتح ماي، وعزمك على إرجاع المصداقية لتطبيق القانون في التوظيف العمومي وغيره، وتشجيعك لوزير حكومتك في الإعلام والناطق الرسمي باسمها السيد مصطفى الخلفي على المضي في ورش إصلاح الإعلام السمعي البصري بكل ما معه من قوة اقتراحية، ورؤية تشاركية بين جميع المتدخلين الإعلاميين، وإذنك للسيد عبد العزيز رباح وزير التجهيز والنقل بالكشف عن بعض لوائح اقتصاد الريع في مجال النقل العمومي، وإشادتك بما أطلقه السيد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات من التزام بتطبيق القانون ومتابعة كل من ثبت تورطه في شيء من الفساد الإداري أو المالي العام بتأييد ملكي على حد تصريحكما...

 

وكل هذه إشارات إصلاحية أولية هامة وغير معهودة، وهذا هو المظنون بك السيد الرئيس ومن معك من نزهاء الوزراء من جميع الأطياف وهذا يعني أنه لا سبيل إلى الإصلاح إلا بالتقدم المدروس في الإصلاح؛ بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعرقله أو يشوش عليه بشكل أو بآخر، وهو ما ألفت نظرك إليه فيما يلي:

 

أولا: التدخلات القمعية التي نفذتها "قوات الأمن" في حق ساكنة حي الكوشة بمدينة تازة ومدينة بني بوعياش وغيرهما، والتي ما زالت تنفذها في حق الوقفات الاحتجاجية السلمية التي ينظمها طلاب الحرية والكرامة والعدالة والشغل من حملة الشهادات أمام البرلمان وغيرهم...

فبأي حق يضرب ويهان ويسجن من اشتكى من ظلم لحقه، أو طالب سلميا بما يستحقه؟ وهل في القوانين الشرعية والقوانين الوضعية ما يبيح فعل ذلك؟ أو ليست الولاية العامة منوطة برعاية مصالح المواطنين بقدر الإمكان؟ أو لا تعلم بأنكم مسئولون عن كل ضرر يلحق بحيوان فضلا عن إنسان؟ كما قال الفاروق:" لو عثرت بغلة بالعراق لخفت أن يسألني الله عنها لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟" قد يقال: إن كل تلك الوقفات الاحتجاجية كانت وراءها أياد خفية وخلفيات إيديولوجية مغرضة؛ وقد كان غرضها التشويش على عمل الحكومة، وعرقلة مشاريعها منذ البداية. ولذلك كان لابد من التصدي لها بحزم لإجهاضها في المهد؟

وجوابا عليه؛ فهذا أسوأ ما يتذرع به أعداء الإصلاح على امتداد التاريخ البشري. وأنا أربأ بكل عاقل أن يفكر فيه بله أن يصدقه سواء من داخل الحكومة أو من خارجها وعلى فرض صحته؛ فهل انعدمت كل المعالجات ولم تبق إلا المعالجة الزجرية التي طالما اشتكينا منها لعقود.؟ فإذا بحكومتنا المنتخبة منا تستدعي أساليبها العتيقة لإسكات الحركات الاحتجاجية ولماذا كل هذا الإصرار على تجريم المعتصمين سلميا، في حين لم يصدر عن حكومتكم أي تصريح علني بتوقيف قمع الوقفات والاحتجاجات السلمية؛ ولم تستنكر ما يتعرض له المواطنون من تعنيف وإهانة للكرامة الآدمية أمام الرأي العام. وأنت تعلم أنه "لا رخصة في مظالم العباد بالاتفاق" وكل هذا من مسؤولياتك أمام الناس وأمام الله.

 

إنه لا سبيل إلى تحصين مؤسسات الدولة، وإقناع الحركات الاحتجاجية إلا بإقامة العدل بين كافة المواطنين، وتمكين الجميع من حقوقهم المشروعة في الثروة والسكن والصحة والتعليم والأمن العام وحرية التعبير والمشاركة في تدبير الشأن العام بكل ديمقراطية، عاجلا لا آجلا، وإلا فتصعيد الاحتجاجات بمختلف الأشكال السلمية سيتواصل، وهو السبيل الوحيد لإرجاع المظالم وتقديم الظالمين للمحاسبة أمام العدالة ولو بعد حين ثانيا:

 

كل من وضع ثقته في حزب العدالة والتنمية لا ينتظر منك إلا أن تأخذ بزمام الأمور، وتفعل صلاحياتك الدستورية بشجاعة، وأن تطلع الرأي العام على حقيقة ما وقفت عليه من مفاسد "الدينصورات" و"العفاريت" الذين ما زلت تتحدث عنهم بالمرموز هنا وهناك. وأن تعطي المثال من نفسك؛ وتبرهن عمليا على انحيازك إلى مصالح الشعب أكثر؛ بأن تبادر إلى التنازل عن نصف راتبك الشهري ومن معك من وزراء حكومتك. وأن تطلب منهم استصدار قانون يقضي بخصم نسبة مائوية من أجور الموظفين السامين في مختلف القطاعات، وإلغاء رواتب التقاعد البرلماني؛ لأنه ليس من العدل في شيء، وأن تتخذ الإجراءات القانونية العملية لسحب المأذونيات ورخص مقالع الرخام والرمال والحجر، والصيد في أعالي البحار ممن لا يستحقونها من ذوي الدخل المرتفع. وإعادة توزيعها على الراغبين فيها بكل شفافية طبقا للقانون.

 

فهذه بعض الإجراءات القوية التي كان بإمكانك أن تعلنها للرأي العام أولا، وتفعلها لإصلاح صندوق المقاصة قبل خشية حكومتك من هروب المستثمرين ونقص الاستثمار؛ وإحجامها عن فرض الضريبة على الثروة. ومبادرتها إلى الزيادة غير المنتظرة على المواطنين، في كل شيء، وليس في البنزين بنوعيه والفيول فقط، بحكم العلاقة السببية بين المواد وكذلك هو الأمر بالنسبة لدفاتر تحملات القطب العمومي. لماذا سحبتها من وزير والاتصال وأسندتها لوزير السكنى والتعمير وهي ليست من اختصاصه؟ ولماذا هذا السكوت عن مأذونيات النقل ومقالع الرمال والصيد في أعالي البحار؟.

 

فماذا تنتظر والوقت يمر والمواطنون ينتظرون الفرج على يدي حكومتك. وخير البر عاجله، وإن الشعب معك ما دمت معه؛ فانظر ماذا تختار؟

وما أخالك إذا أردت المزيد من التأييد الشعبي إلا أن تنحاز إلى مصالح الشعب؛ ودعك من التقليل من أهمية النصرة الشعبية؛ فـ"الدعوة الدينية أو السياسية من غير شعبية لا تتم" ومتى فقدتها؛ فالمفرط أولى بالخسارة كما يقول الفقهاء. " ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" الإكثار من القول في كل مناسبة داخليا وخارجيا -إلى حد المبالغة: "أوصيكم بالملكية خيرا"، و"إياكم ومنازعة الملك" وهذه نصيحة ترددت على مسامعنا مرات منذ انفصالنا عن "الشبيبة الإسلامية" إلى اليوم، ولم يطرأ عليها أي جديد غير ما صرحت به السيد الرئيس مؤخرا إذ قلت:

 

"من أراد منازعة الملك؛ فليبحث له عن رئيس حكومة غيري" وهذه النصيحة هي باب تحصيل الحاصل، ولا داعي لها بالنسبة لمن يؤمن بالعمل السياسي القانوني السلمي مثلنا؛ لأن من مقتضيات هذا النوع من العمل السياسي؛ التحاور والتفاوض والتفاهم والتعاون، لا القطيعة والتخاصم والتنازع، وأن من صوت لكم من المغاربة لم يصوت لكم لتنازعوا الملك. وإنما صوت لكم لتتعاونوا معه على معالجة مشاكلهم في الشغل والصحة والتعليم والسكن والثقافة والإعلام وغير ذلك مما يقتضيه منطق الأولويات، وهو ما صرحت به أكثر من مرة أمام الرأي العام وكذلك من لا يؤمن بالمشاركة السياسية السلمية من داخل المؤسسات أو من خارجها؛ لا تهمه تلك النصيحة في شيء. ومن أسداها له؛ فهو في نظره ملكي أكثر من الملك ليس إلا.

 

وخلاصة القول، السيد الرئيس؛ ما عليك إلا أن تطبق الدستور عملا بنصيحة الملك، وأن تأخذ مضامينه بقوة، وبالشجاعة والوضوح المعهود فيك مع الجميع، وتعمل مع حكومتك على تفعيل برنامجها بما يخدم المصالح الحقيقية لكافة المواطنين، وتطلع الشعب على حقيقة الأوضاع كما هي، حتى إذا اصطدمت بجيوب المقاومة؛ فأخبر بها الملك حتى يكون على بينة من الأمر، وتكون قد وفيت بالعهد وأعذرت إلى الله، ومتى وصلت إلى الباب المسدود، فأعلنها صراحة أمام الشعب، وليس لديك ما تخسره. وبذلك تكون قد برأت ذمتك قبل فوات الأوان، وليتحمل الجميع مسؤوليته بعد ذلك في نهج الإصلاح الذي يريد. وما على حزب العدالة والتنمية إلا أن يبقى في طليعة الإصلاح الشعبي السلمي إن هو أراد أن يحافظ على مصداقيته، وإلا جرت عليه سنة الله في من خلا قبله من الأحزاب. وإنما الأعمال بالمقاصد.