هو تقليد أصبح يعيش عليه الشعب المغربي مند ما يفوق عشر سنوات ، في نفس الفترة في نفس المكان ومهما تغيرت الظروف  و الأحوال الاجتماعية الاقتصادية و حتى السياسية، كل عام يهب عشرات الفنانين من مختلف بقاع المعمور كل و ثقافته ، جنسيته، و دياناته، يحطون الرحال بالمغرب  لمدة  أسبوع يحيون حفلاتهم و من تم  يشدون الرحال محملين بالزاد و المال الوفير كلهم  أمل في العودة العام المقبل.

شخصيا تعرفت أول مرة على مهرجان موازين أواخر  شهر ماي  2003 حالي كحال كل السلاويين و نحن نهم بالنزول من حافلة- الوكالة المستقلة للنقل الحضري-  القادمة من مدينة سلا في اتجاه كلية العلوم بالرباط، عندها لفت انتباهي في ذلك الوقت مزيج أغاني من موسيقى الراپ و ڭناوة تتنافس من أجل نيل الجائزة الأولى، حينها تولد لدي انطباع أولي هو أن مهرجان موازين هو بادرة و فكرة مستحسنة  لإبراز المواهب الشابة للولوج  بها ربما  إلى عالم الشهرة عسى يأتينا خير منها في ظل كل هاذ الركود الفني الذي تعيشه الساحة الفنية المغربية منذ سنين طوال ، و لكن الغريب - و بالطبع في المغرب لا مجال للغرابة -  أن المهرجان سنة بعد سنة  امتدت إليه الأيادي الطامعة في الربح السريع مدفوعة من جهات داخلية و خارجية - اليد الفرنسية في المغرب -  فبدأ المهرجان بالخروج عن مساره الأولي ليأخذ شيئا فشيئا  طابع العالمية -على حد تعبيرهم-  مما أدى في الأخير إلى تلاشي تلك  المسابقات من جدول  برامج  المهرجان !! تلك المسابقات  هي هي  التي كانت أصلا روح و منبع  فكرة موازين.

في قراءة سريعة لآراء مختلف شرائح المجتمع المغربي  و للخوض  أكتر في صلب ظاهرة  مهرجان موازين نجد طبيعيا  أن هناك معارض و مؤيد للمهرجان و أن  لكل منهما أدلته وتبريراته رغم - و للأمانة -  رجوح كفة المعارض مادام المغرب بلد فقير أمي و يعيش مفارقات اجتماعية كثيرة  و غيرها من الأسباب.. 

المؤيد يبرر تأييده  بأن المغرب هو بلد حضاري  منفتح على العالم الخارجي، هو دولة مؤسسات له حكومة جديدة رغم أنها إسلامية إلا أنها منفتحة، تتعدد فيه الجنسيات و الديانات المتعايشة بسلام ، فيه الحريات ، يمكن للإنسان أن يفعل  ما يشاء في حدود القانون و غير ذلك من التبريرات ، فيما يرد عليه المعارض و خاصة المهلك أمره بأن ذلك المال الذي يتقاضاه المغنيين  أحق به المغاربة لتحسين نمط عيشهم، و أن المهرجانات هي مضيعة لأموال الدولة - رغم أن الدولة هاذ العام لم تخصص أي دعم -  و لكنه  يبرر تفسيره بأن المهرجان هو فوق أرض المغرب  يغزو قنواتنا العمومية دون دفع أي ضرائب للدولة ،و أن إخوتنا يموتون في سوريا و فلسطين و نحن في عالم أخر  نقيم المهرجانات... 

و ما بين هاذ و ذاك يمكن أن نجد نقطة إيجابية  تولدت نتيجة هاذ التنافر في المواقف ممثلة في أن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الطرفين من مناهض و مشجع، أن المهرجان رغم كل شيء  يخلق رواجا اقتصاديا منقطع النظير في مدينة كعاصمة المغرب الرباط ، مدينة تعيش طوال العام على غرار عَدْوتها - مدينة سلا -  نوعا من النمطية و الرتابة في معيشة ساكنيها، فالمدينة صراحة و للأسف هي مدينة لا يحلو العيش فيها إلا لمن كان مسقط رأسه فيها،  فكل زائر يعود الرباط حين  تسأله يشتكي  لك  من الجو الكئيب الذي تعيشه المدينة الممزوج بضجيج جحافل سيارات الموظفين بالوزارات ، السفارات و القنصليات ... التي  ما إن  تغادر نحو مدينة سلا - المتنفس السكني الأول للعاصمة -  أو في اتجاه  الأحياء الشعبية للرباط،  حتى تتحول إلى مدينة  لا ترى فيها إلا أعمدة الإنارة و سيارات البوليس .

و لأكون عادلا و ديمقراطيا في تحليلي... - ما دام الجميع مغاربة لهم الحق في التعبير عن رأيهم الخاص -  وجب الإقرار أن كلا الطرفين هم على صواب بينما الخطأ واللائمة ترمى على من في أيديهم زمام الأمر والقرار، بالطبع لا أعني الحكومة الجديدة و لا سابقاتها... فما هم إلى وسائل للتنفيذ لما تمليه الديكتاتورية المتسلطة في مقدمتها اللوبي الفرنسي و الأمريكي على المخزن  ليس فقط في مجال الفن إنما هو خاصة  في السياسة و الاقتصاد, فاستقرار المغرب هو رهين بتنفيذ ما يُملَى عليه من سياسات و مخططات معلبة و مصبرة مسبقا الهدف منها استغلال ثروات المغرب و تكريس التبعية الاقتصادية و خاصة اللغوية الفرنسية مقابل الدفاع عن المغرب و الوقوف إلى جانبه في المحافل الدولية سيما  قضية الصحراء وبنبركة وغيرها من الملفات الحساسة التي ورطنا فيها منذ الاستقلال.

وأخيرا و في ظل كل هذا التعنت المخزني بالرغم من كل هذا الحراك الاجتماعي  و كل ما يعانيه الناس في مختلف مناطق المغرب من تهميش و تنكيل كما يحدث في  مدينة - بوعياش - و غيرها من المدن و رغم كل الدعوات المطالبة بإلغاء مهرجان موازين فنقول لأولئك الذين في أيدهم القرار والسلطة الحقيقية :  إن كان قد وصل بكم حب الامتلاك للسلطة و سياسة اللارضوخ - لمطالب طبقة كبيرة من الشعب -  كل هذا الحد! نقول لكم  نحن راضون و لو على مضض  بمثل هذه المهرجانات  ولكن بشرط :
إن كنتهم كل عام تتباهون بنجاح  سياساتكم  التسيرية  النيرة و أن لكم من الكفاءات المخزون الكافي للرقي بالمهرجان كل عام الى الأفضل فلما لا توفرون و تسخِرون كل هذا الذكاء و المعرفة الذي مَنّ الله به عليكم  و تجعلوا لنا في كل مدينة  سياسية موازينية تسهر على النهوض بمختلف مدن المغرب ؟؟؟
فإن كنتم  تشيدون منصات موازين العملاقة  في غضون أيام فلما لا تبنون القناطر لصوْنِ أرواح الأبرياء من قِطارات  التقتيل  ؟؟؟
و إن كانت منصات موازين تُنَار ليل نهار فلما لا تضيئون  وتُنورون عقول المغاربة بالنهوض بمجال التعليم و التحصيل ؟؟؟
و إن كانت ساحات موازين تؤمنونها بالآلاف من  الحواجز فلما لا تؤمنون حياة المساكين  بالنهوض بقطاع الصحة و التطبيب  ؟؟؟ 
و إن كانت سهرات موازين تسخرون لها أجود مهندسي  الصوت و الصورة فلما لا تحسنون مضمون قنواتنا الفاسدة التي بمستقبل أبنائنا للهاوية تسير ؟؟؟