أحذروا سياسة النفاق السياسي كظاهرة كثرت حولنا، هذا ما يمكن أي شخص غيور على وطنه أن ينصح به صديقه، حيث يتضح من خلال معايشة و التتبع و معاينة لسنة من نضالات غير المسبوقة للشعب المغربي، أقصد بالذكر مرحلة منذ نشأة حركة 20 فبراير إلى حدود كتابة هاته السطور، حيث كل مهتم بشيء من سياسة و بالحراك الشعبي، تتضح له أن بعض المساهمون في زرع بذرة النضال الفبرايري، ومن كان يدعمها من قوى سياسية المتأرجحة بين اليمين و الوسط و اليسار و قوى ذات توجهات و شحنات هواياتية و قومية، أصبحوا الآن في عداد المشهورين بل الأثرياء الذين يضرب لهم ألف حساب، بمعنى ما إن حركة 20 فبراير هي الحصان الذي يعتليه من يريد أن يصبح مترفا، هي السلعة التي نتاجر بها، فنخسر عندما نجد أنفسنا وراء القضبان، و نربح عندما نجد أنفسنا محتارين في اختيار الفنادق خمس نجوم، وأمام ملذات أطباق عشاء گالا.

 

كثيرون الآن من أصبح الحديث عنهم لا ينتهي، فقد اغتنموا ماديا و معنويا، تستقبلهم وسائل الإعلام بحفاوة، كما أن جمهور العامة استساغوا و ضعهم النضالي، بعد التمويه الذي حصل في مصدر ثروتهم نلعب لعبة الألم الفبرايري أو بالأحرى الألم المغربي، كما نلعب لعبة " القمر" أو كرة القدم أو رياضة من رياضات الأخرى، دون أن يحز في نفوسنا الواقع المتردي لبني جنسنا ماديا و اجتماعيا و إنسانيا.....

 

بالفعل تعاني حركة 20 فبراير و كل قوى التغيير من ويلات سياسة التدليس و ثقافة الانتهازية و حربائية الوصوليين، فتجد البعض من هؤلاء الذين زرعوا بذرة النضال الفبريري كانوا ينعتون آخرين بالمفسدين و الريعيين و الاستبداديين بل ينعتونهم بالغارقين في جرائم الشعب المغربي أو"كزارين الفقراء"، الآن لا يجدون أي حرج في الجلوس معهم في الكراسي نفسها، و الحديث من الميكرفون نفسه، ويجلس معهم على نفس الموائد بل يتباواسون و يتعانقون كل هذا المكر و النفاق تحت ذريعة أن هناك مرحلة جديدة تلوح في الأفق وأن هؤلاء الأشخاص أبدو رغبة في الإصلاح و هلم جرا.

 

الشباب الفبرايري الذي عرفناه بلهجته العنيفة، في الساحة الجامعية، أصبح وديعا كالكلاب المروضة، بعضهم كان يهتف " فلان ارحل، الشعب يريد .....،و أشياء أخرى" ، وهاهم الآنيتطاحنون، و يهاتفون من يعرفون لقاء ولوج الحزب المعلوم، الحزب الذي لطالما نعتوه بكل الصفات القدحية، أما من كان له انتماء لدى الأحزاب الأخرى فيعتبرون زعيم الحزب و مهندسيه" بالرجل المزيان"، وقد عرف عنهم في تظاهرات سابقة كانوا يحملون صوره مزركشة بأقبح الصفات يعرفها الجميع لا داعي لذكرها، بعضهم استطاع بعد جهد جهيد أن يلج بعض المؤسسات و أن يحصل على وظيفة قارة، و البعض الآخر على امتيازات له و لذويه، وكل هذا برعاية المخزن، و البعض الآخر كان يقود درجات هوائية صغيرة لا توصله إلى قضاء حاجياته من سفريات، الآن يمتطي سيارات فخمة تشهد على هذا الارتقاء.

 

إننا نلعب بالألم المغربي الشعبي ونحن مدركون أننا نفعل ذلك، ويتم ذلك بمباركة السلطة و المخزن، تموت المبادئ ، ويموت الإنسان كلما كان المال و الجاه هدفا، تموت الأخوة و تموت الصداقة في حضور الرغبة، قد لا أستطيع تعميم هذا الحكم إذ هناك من المناضلين رغم أقليتهم مازالوا يرفضون مفاتن جسد السلطة المثالي الأنيق، يكبتون رغبتهم في افتراسها، لأن معاناة و مأساة الشعب المغربي هي التي تحكم فعلهم و تصرفاتهم أما البعض الذين قلنا عنهم إنهم زرعوا بذرة النضال الفبرايري، تحولوا في "رمشة العين"، إلى متصوفة معتكفين في دار المخزن، وخشوعهم يضرب له الأمثال و الطرائف أيضا، إنها مشيئة المخزن، مشيئة السلطة، فلا أعتقد أن هناك من يؤمن بها إيمانا حقيقيا، نعم هناك من يلعب بالألم الشعب وطموحاته و قدراته، ويحسب له إتقانه للعبة، يمرر الكرة بدون جروح و لا كدمات، ذلك هو حال رطل يدرج عند ذوي الاختصاص ضمن التنظيم المليوني ذو الميولات الإسلامية، هنا أستغرب و أتساءل، ماذا حل بهم، نعتوا الحركة 20 فبراير ببشرى وهلال الخير في البداية و بعد مدة نعتوها باللعنة و الشر، أنسمي هذه الحالة بالحركة الطبيعية في دورة الإنسان و الجماعة و الحضارة ؟ سؤال أطرحه على علماء النفس و الفقهاء و السوسيولوجيين، أو لماذا لا يعمل هؤلاء المسلمون بقول الرسول الكريم" قل خيرا أو أصمت"؟

 

و لكن مادمت في المغرب فلا تستغرب، حيث نجد البعض الآن يحبون الآن في أحضان السلطة، كطفل رضيع يحتاج إلى الرعاية، هم معذرون في ذلك في ظل القهر المادي الذي يعانون منه، لأنهم في حاجة إلى عمل " جوع كلبك إتبعك" لقد قيل إن الشهرة و المال هما الحقيقة العظمى و الخالدة، و كثيرا مما يكتبه العلماء و الفلاسفة منهم على سبيل المثال لا للحصر راسل و سارتر كان بدافع الحصول على مزيد من المال و الشهرة، و تبا للفلسفة و العلم تبا لحركة 20 فبراير وتبا لمأساة و معاناة الشعب المغربي و تبا....، هذا ما يقوله لسان حالهم عندما نلتقي بهم و نستمع إلى كلامهم وتصريحاتهم في مختلف القنوات و الإذاعات.

 

في ختام هذا المقال أود أن أذكر الفرق بين المناضلين الشرفاء وبين أناس يمكن أن ننعتهم بكل شيء إلا بالمناضلين، لكي يتضح جليا صفات كل واحد منهم لعلنا نسترشد بها مستقبلا في التعامل مع الأحداث و الوقائع متى طلب منا، و ربما للقضاء على النفاق السياسي كموضة المرحلة المغربية بامتياز:

 

أولا: الشخص "الهمزاوي" الانتهازي-الوصولي يتميز باللعب على تناقضات فهو مع الكفة الغالبة، و رأيه يتبدل حسب مصلحته، فهو يهوي سماع التصفيق و لا يهوي النقد و النقاش، مهما بلغت نزعته الشعاراتية تتقلص رويدا رويدا في شخصية انتهازية وصولية، الحقيقية بطبيعة الحال، و إن كانت زواحف الحرباء تغير لون جلدها وهذا حالها، فهو يغير لون جلده وقناعته و وجدانه أيضا، جحره الطبيعي هو مستنقع المهادنة و الاستسلام و الخيانة و الردة.

 

ثانيا: المناضلين الشرفاء يتميزون بالصلابة و الصمود و التحدي و الحكمة طبعا و بالربط الجدلي بين النظرية و الممارسة، و كلما مرت بهم زوبعة لتعصف بهم، زادتهم مثانة و تشبثا بحقهم المشروع و العادل، فالمناضل الحقيقي يقوم بمواجهة القمع و البيروقراطية و....بل يعمل على المراكمة و المساهمة بالأفكار العلمية التقدمية وذلك من خلال الربط بين التكتيك و الكفاحية و الإستراتجية و المهارة و الحنكة السياسيتين، فليس لذيه أي امتيازات سوى التضحية وأن يقدم للقضية العادلة أكثر من الآخرين ويناضل أفضل من سواه و يعمل من أجل انتصارها ويكدح من أجل المزيد من تثقيف و تصليب القناعات و الارتباط العميق بالجماهير أكثر فأكثر، خصوصا في ظل الوضع الذي يستغله "الهمزاويون" السالفون الذكر، فالمناضل الحقيقي همه هو خدمة مطامح الشعب وفضح زيف إدعاءات الجبناء و "القوالبية" الذين يحسبون أنفسهم أذكياء.