لا أفهم كلما تحدث بن كيران باعتباره رئيسا للحكومة أو بصفته الحزبية كأمين عام للعدالة و التنمية الا و تطرق "لشعبيته" مرددا اللازمة التالية " معندي ماندير بشي شعبية"، " غي تمشي هاد الشعبية" ، حتى بدأ العامة يصدقون أن للرجل شعبية حقيقية ضاربة جدورها قاع المجتمع و مخترقة صفوفه و كل فئاته الاجتماعية، لعله يستند في حديثه هذا عن "الشعبية" الى عدد المقاعد المئة و سبعة التي حصل عليها العدالة و التنمية ، أي ما يعادل حوالي مليون و نصف صوت من عدد الناخبين المغاربة المقدرين في ثمانية عشر مليون ناخب المسجلين في اللوائح الانتخابية....و بعملية حسابية فإننا سنلاحظ ان بن كيران صاحب " الشعبية" التي يتغنى بها سواء بمناسبة و بدون مناسبة ، أنه لم يحصل الا على حوالي واحد في المئة من عدد الكتلة الناخبة التي صوتت و شاركت في انتخابات 25 نونبر الاخيرة...، و بالعودة الى التعداد السكاني للمغاربة فان المغاربة وصل تعدادهم الديموغرافي حاليا الى اكثر من 34 مليون نسمة...

من حقنا أن نتساءل عن حجم "الشعبية" التي يتوفر عليها بن كيران هو و حزبه؟ هذه الشعبية التي أصبحت لازمة لا تفارق الرجل في مجلس النواب، بمجلس المستشارين....مع الصحفيين و المواطنين و في الحوارات الاجتماعية التي تتم على قلتها مع الفاعلين و التي أصبح قطاع واسع منها يقاطعها نظرا لعدم جدية بن كيران و لتعامله المتعالي مع النقابات الاجتماعية و هو تعالي مرده لاحساس الرجل بالتفوق "الانتخابي" و "بشعبيته" اللامتناهية .

من حقنا ان نتساءل كيف أقنع بن كيران نفسه بأن له "شعبية" خارقة حتى أضحى يذكر بها الحاضرين في كل لحظة و حين؟

بالعودة للأرقام مرة أخرى، و حتى يعرف السيد بن كيران و حزبه الحجم الحقيقي لشعبيته و لشعبية حزبه و لامتدادهما، هو ما أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط في احصاءها الاخير حول الشباب و ميولاتهم السياسية، فان الدراسة وصلت الى كون واحد في المئة فقط من الشباب المغربي منخرطون في الاحزاب السياسية بمعنى أن العدالة و التنمية و معها جل الاحزاب السياسية المغربية تتقاسم هذه الواحد في المئة ، كما أنه لم يشارك في الانتخابات و منها طبعا الانتخابات التشريعية السابقة التي أوصلت بن كيران الى رئاسة الحكومة الا 36% بكيفية منتظمة و14% بكيفية غير منتظمة.... أما البرلمان الذي حصل فيه العدالة والتنمية على الاغلبية ب 107 مقعد، و الذي أوصل بن كيران الى رئاسة الحكومة فانه يحوز فقط على ثقة 26% من الشباب المستجوب مقابل 60% منهم عبروا عن عدم رضاهم عنه و عن أداءه.

اذن أين هي هذه الشعبية التي يتحدث عنها بن كيران؟

و كمقارنة لبعض النماذج لزعماء الاحزاب السياسية مثلا باسبانيا التي شهدت الانتخابات التشريعية مؤخرا و عرفت وصول الحزب الشعبي الى سدة الحكم، فانه حصل على 11 مليون صوت و الحزب الاشتراكي المعارض حصل على حوالي 9 مليون صوت ، و فرنسوا هولاند الحائز على حوالي 52 في المئة من أصوات الفرنسيين أي على ثقة أكثر من نصف المجتمع الفرنسي، لم نجد أيا منهم لا رخواي زعيم الحزب الشعبي و رئيس وزراء اسبانيا ، و لا رئيس فرنسا فرنسوا هولاند يتحدثون عن شعبيتهم، و هي شعبية حقيقة بالنظر لعدد الأصوات التي حصلوا عليها، رغم أنه مقارنة مع عدد الاصوات التي حصلوا عليها و التي حصل عليها حزب بن كيران سنلاحظ بأن الفرق شاسع، فصاحبنا لم يحصل الا على ثقة واحد في المئة من ثقة المغاربة المسجلين باللوائح الانتخابية أي أكثر من 16 مليون ناخب مغربي لا يثقون في رئيس الحكومة بالمقابل مليون ناخب هم فقط من صوت و اختار رمز "المصباح"، و مع ذلك لم نجد يوما رئيس الوزراء الاسباني او الرئيس الفرنسي المنتخب اخيرا يتحدث عن شعبيته كلما تمت مسائلته عن الازمة الاقتصادية التي تعيشها كلا الدولتين، بل يتحدثون عن التزاماتهم الانتخابية و لا يتهربون من الاجابة بوضوح على اسئلة المواطنين بالحقائق المتطلبة لا " بمعندي مندير بشي شعبية"....كما يفعل رئيس الحكومة المغربية بن كيران.

على رئيس الحكومة ، ان يتواضع قليلا امام النواب المغاربة خصوا المعارضة منها، و امام مؤسسات الدولة، و كذا أمام المواطنين خصوصا عندما يتوجه اليهم بحوارات مصنوعة و تحت الطلب كالذي تتبعه المغاربة على القناتين الاولى و الثانية يوم الاربعاء 6 يونيو 2012 و الذي تطرق فيها كذلك الى " شعبيته" و ذهابها "للجحيم".

على رئيس الحكومة المغربية، ان يجيب على اسئلة المغاربة و على غلاء المعيشة و اقتصاد الريع و استمرار المحاكمات السياسية للنشطاء و الطلبة.....لا ان يوهم المغاربة بأن له شعبية و ان يوهم نفسه بأن له "شعبية" خارقة و غير عادية و كأنه عمر بن عبد عزيز او عمر بن الخطاب.....مع العلم ان المتتبعين كلهم سيقرون بأن حكومة بن كيران منذ وصولها للحكومة لم تتخد أي قرار شعبي يخدم مصالح الفئات المعوزة و المتوسطة التي اختارت التصويت على العدالة و التنمية و التي بفضلها وصل بن كيران الى رئاسة هذه الحكومة.

اننا امام حالة قاتلة للعمل السياسي و المؤسساتي رغم ضعفه، و يعطي مفهوما معكوسا لتحمل المسؤولية، بل قد نرى مستقبلا عزوفا اكبر عن صندوق الاقتراع بمبرر أن مشاركة الناخبين في الانتخابات ستتسبب في ايصال شخصيات سياسية أمثال بن كيران الى رئاسة الحكومة ، رئيس حكومة لا يتقن الا فن "الكلام" و "النكت الحامضة".....

السيد رئيس الحكومة، قليلا من التواضع فانت و حزبك لا تمثل الا اقل من واحد في المئة من المغاربة