لم يكن اقتحام جزيرة ليلى من الحرس الإسباني في الأسبوع الماضي سوى بداية ظهور الأزمة النائمة من جديد،وإعادة العلاقات المغربية الإسبانية إلى عهدها السابق، فاسبانيا قد خرقت اتفاق 2002 الذي يقضي بأن تبقى المنطقة خالية بعد أزمة كانت ستودي بالبلدين بحرب لن تكون عواقبها إلا وبالا على البلدين، خاصة وأن المغرب وإسبانيا بينهما ملفات لا زالت عالقة إلى يومنا هذا يبدو جليا من هنا أن الدولة الإسبانية بقيامها بهذا العمل ، وبالأعمال السابقة استمرار لمنهج الذي تتبعه إسبانيا لتكون بذلك قد أعطت للمغرب مجموعة من الرسائل التي يمكن أن تمنع المغرب بالمطالبة بحل تلك الملفات، التي لا زال المغرب يطالب بها إلى حد الآن.

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي دخلت فيها إسبانيا الجزيرة ، ودائما بدعوى تتبع المهاجرين ، والمهربين . يبدو من خلال هذا كله أن إسبانيا بالرغم من محاولتها إخفاء مطامعها في الجزيرة إلا أنها لا تتهاون في اتخاذ قرارات توحي وبلا شك إلى انها تستعد لتدخل عسكري لإحتلال الجزيرة، وإرسال رسالة إلى المغرب بأن مطالبته بالمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية هو أمر مستحيل ،إضافة إلى الجزر الأخرى التي زالت محتلة هي الأخرى فإسبانيا تختار تلك المناسبات التي يمكنها القيام بتلك الأفعال،ولا تقوم بذلك عبثا ولا من تلقاء نفسها ،فهذا الخرق السافر لمقتضيات الإتفاق تزامن مع قضايا مصيرية للمغرب، منها قضية الصحراء المغربية التي لا زالت في المفاوضات، ومع أزمة الإحتجاجات التي لا زالت مستمرة، إضافة إلى أنه بذلك تريد أن تمتحن السياسة الخارجية المغربية للحكومة الجديدة وتعرف ردود فعلها إزاء قضايا مصيرية مثل هذه.

 

السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت خرائط الدولة الإسبانية تدخل جزيرة ليلى في نطاق السيادة المغربية، من خلال خريطتي 1988 و1994 فلماذا تتخذ مثل هذه المواقف التي تجعل الصراع يطفو على السطح من جديد، ويعيد فتح وثائق الصراع التي أريد لها أن تفتح من طرف الدولة الإسبانية، والتي مافتئت توجه رسائل عداء للمغرب، جزيرة ليلى التي أعادت العلاقات المغربية إلى منعطف المواجهة سنة 2002 هي نفسها التي تريد إسبانيا استخدامها الآن كورقة للضغط على المغرب للإلتزام بعدم فتح الملفات القديمة الجديدة التي يمكن من خلالها للمغرب المطالبة باسترجاع المدن والجزر المحتلة.تبدو السياسة الخارجية المغربية دائما وكما عودتنا ضعيفة في مواقفها تجاه اسبانيا الدولة المحتلة ،المواقف المغربية هي نفسها دائما هي التهرب من إعتبار اسبانيا دولة محتلة ،وإخفاءه ان المغرب لا يسعى للمطالبة بالمناطق المحتلة ،فوزير الخارجية محمد بنعيسى سبق وأن أعطى تفسيرا لحادث اقتحام الجزيرة من طرف مجموعة صغيرة من القوات المساعدة،والتي رفعت العلم المغربي فوق الصخرة ،ليأكد أن تلك العملية فقط لتتبع الإرهابيين الإسلاميين،مثل هذه المواقف ستجعل الطرف الإسباني إلى نهج مزيد من الحروب النفسية ومزيدا من الوعيد الذي يوجه إلى المغرب وإن كانت الدولة الإسبانية تخفي تلك النوايا.

 

من الواضح أن قضية ليلى ومثل هذه الخرقات التي تقع من إسبانيا ستعيد الحال إلى ما كان عليه ،وتعيد العلاقات المغربية الإسبانية إلى الصفر، بالرغم من أن المغرب وإسبانيا تجمعهما علاقة وطيدة وشراكة اقتصادية قوية بين البلدين بحكم قربهما الجغرافي وموقعهما الإستراتيجي على ساحل البحر المتوسط إلا أن مثل هذه الأعمال ستزيد الطين بلة وتعيد العلاقات إلى سيرتها الأولى وربما تطلعنا على تطورات جديدة في العلاقات المغربية الإسبانية فملف جزيرة ليلى الذي كان قد توصل في شأنه الطرفان باتفاق سنة 2002 والذي انتهى سريعا بوساطة أمريكية فإن هذه المرة يختلف كل الإختلاف خاصة وان البلدان العربية تمر برياح الربيع الديمقراطي، وفي سياق الإحتجاجات العارمة التي تمر بها دول المغرب الكبيروالتي من غير المستبعد أن تكون إسبانيا تريد من خلالها اللعب بتلك الأحداث لتحقيق مكاسب سياسية يمكن أن تكون سندا لها في إرغام المغرب على التنازل عن مطالبه والقبول بكل الشروط التي تفرضها هذه الاخيرة ، فجزيرة ليلى كما يعرف الكل أنها ليست الهدف الأساسي للدولة الإسبانية،وليست المسعى الحقيقي لها بل هناك نوايا مبيتة عند اسبانيا للعمل على الضغط على المغرب من اجل عدم التفكير في حل ملف سبتة ومليلية وعدم التفكير في حقه المطالبة بالجزر الجعفرية التي منها جزيرة ليلى وجزيرة الحسيمة إضافة إلى جزيرة القمرة إلى جانب هذا فإسبانيا لم تقابل منذ أن بدأ هذا الصراع من طرف المغرب بنوع من الصلابة في اتخاذ المواقف ضد الخرقات الإسبانية بل بالعكس كان الطرف الأضعف في حلقة إدارة الأزمات،كلنا نتذكر عندما دخلت القوات المغربية إلى صخرة ليلى ،حيث كان مبعوث السلطة المركزية قد توجه إلى السفير الإسباني بالمغرب والذي بادره بالسؤال هل ستهاجم مدريد القوات المغربية المرابطة في الصخرة،وكان جوابه "لا لن نهاجم قواتكم" بعد ذلك تفاجأ المغاربة غدا بهجوم جوي وبري وبحري إسباني على القوات المغربية، مما بين عن سذاجة المفاوضين المغاربة الذين كانوا يديرون هذه الازمات مقارنة بنظرائهم الإسبان، الذين يتقنون فن الخدع التفاوضية التي يراد من خلالها السطو على الثوابت الوطنية التي مافتئ المغرب يتشبث بها في كل المناسبات.

 

بين هذا وذاك وغيره يمكن القول إن العلاقات المغربية الإسبانية ستعاد إلى الواجهة ،وتعيد معها الملفات القديمة التي يبدو أن المغرب لم يصل إلى مرحلة يمكن فيه فتحها،أو على الأقل ليس لديه استعداد في هذه الآونة التي يمر فيها المغرب بأزمات ونكبات يستغلها العدو لتحقيق مآربه فما على المغاربة الآن خاصة أصحاب القرار بعد كل هذه السياسة التي تنهجها الدولة الإسبانية أن يعيدوا النظر في سياستهم تجاه الصديق العدو،ويعيدوا النظر في القضايا المصيرية،واتخاذ القرارات الشجاعة التي يمكن أن تعيد الهيبة للدولة المغربية ،وتعطي رسائل للدولة الإسبانية بأن المغرب حريص على قضاياه و لا يقبل بأي حال من الأحوال بفعل يمكن أن يهدد سيادته.