مدخل:

رحم الله فيلسوفنا الكبير ابو الوليد بن رشد (1126-1198) على هذا الثرات الفكري والمنهجي الذي تركه لنا لتعتمد عليه جميع الأجيال وفي كل العصور في بحت وتحليل مختلف الظواهر والاحداث الإنسانية خاصة مؤلفه الخالد" الفصل فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" ومنه اخترنا عنوان هذا المقال والذي أتمنى من خلاله التواصل والتفاعل مع القراء الكرام.    

يقول المرحوم ابراهيم الفقي(1950-2012) ،الخبير المصري في التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية " في المدارس نتعلم الدروس ثم نمر على الامتحانات،أما في الحياة فنمر بالامتحانات ثم نتعلم الدروس" استحضرت هذه القولة وانا افكر في هذا الامتحان  الذي يمر منه العالم بأسره بشكل عام وبلادنا بشكل خاص- امتحان كوفيد 19- لنتساءل جميعا : كيف سنجتاز هذا الامتحان ؟ وهل كان تاريخه وتوقيته محددا سلفا مثل باقي الامتخانات؟ وهل تم التحضير والاعداد له نفسيا ومعرفيا وعلميا ماهي طبيعة وحجم اسئلته؟ وماهي المدة الزمنية لانجاز هذا الامتحان؟  كيف ستكون نتائجه ؟ هل سنستفيذ مستقبلا من هذا الامتحان لمواجهة امتحانات اخرى؟  ما الفرق بين الامتحانات المدرسية والامتحانات" الحياتية"؟

1- الامتحانات المدرسية:

لنأخذ الجزء الأول من قولة المرحوم ابراهيم الفقي المذكورة في مدخل هذا المقال" في المدارس نتعلم الدروس ثم نمر على الامتحانات " هكذا يستعد المتعلمون والطلبة ليوم أو أيام الامتحان، ياخذون مضامين الدروس ويتعلمون مجموعة من المهارات الفكرية والمنهجية وتقنيات الامتحان  من اساتذتهم خلال سنة أو سنوات دراسية استعدادا للاستحقاق التربوي والعلمي وقد يخضعون للامتحان التجريبي بنفس المواصفات والمعايير التي يكون عليها الامتحان الرسمي الذي يعرف الجميع تاريخه وتوقيته ومدة اجتيازه سلفا و يتم الاستعداد له  على كافة المستويات وبدرجات مختلفة حسب طبيعة وانماط المتعلمين والطلبة وتبعا لاوضاعهم الاجتماعية وظروفهم النفسية .هذا الامتحان الذي بموجبه سيحدد مصير ومستقبل المتعلم(ة) والطالب(ة) اما بالنجاح والتفوق أو بالرسوب. 

هكذا يمر الامتحان المدرسي او الجامعي،يأخذ الانسان  ويتعلم الدروس،ثم ينتقل الى اجتياز الامتحان . 

2- الامتحانات الحياتية :  

لنستمر مع قولة  الخبير في التنمية الذاتية رحمه الله ولنتوقف عند الجزء الثاني والاخير " أما في الحياة فنمر بالامتحانات ثم نتعلم الدروس" يا لها من امتحانات ويالها من دروس !!!.في الامتحان المدرسي أو الجامعي يذهب المتعلم (ة) أو الطالب الى الامتحان بعد ان يكون قد أخذ معه ما اخذ من أدوات معرفيةو علمية ومنهحية لمواجهة موضوع الامتحان والجواب على أسئلته وبعد أن تمكن من الوقت الكافي في الاعداد والتحضير. أما في الحياة فان الامتحان يفرض علينا فرضا وبشكل فجائي وبدون اشعار واخبار مسبقين ولايمكن بل من المستحيل رفضه او حتى تأجيله وما علينا الا مواجهة هذا  المصير المحتوم.

لن نجد في هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها أكثر من هذا الامتحان القاسي الذي تجتازه البشرية قاطبة في جميع أرجاء المعمور والذي يطلق عليه الكثير من الأسماء والتعابير حسب رؤى وفلسفات الأفراد ،قد يسميه البعض " امتحان الحياة" وقد يطلق عليه البعض الآخر " امتحان الدنيا" او" امتحان القدر " وقد يفضل البعض ان ينعته " بامتحان او اختبار الطبيعة". تتعدد الأسماء وتتنوع التعابير ولكن يبقى الامتحان هو هو ،إنه" اختبار كوفيد 19" أو" امتحان جائحة كورونا".

فماهي طبيعة هذا الامتحان ؟ ماهي مدته الزمنية؟ ما هي أسئلته ؟ وكيف سنستفيذ من نتائج هذا الامتحان الصعب والمعجز لحدالان  ؟ 

هذه الأسئلة وغيرها هي التي سنحاول مقاربتها فيما تبقى من سطور هذا المقال وهو خلاصة لبحت معمق في الموضوع .

بما أن الجميع يخضع لهذا "الامتحان الوبائي"   الذي فرض نفسه على الجميع ومارس" عدالته" بدون تمييز ،فان كل واحد سيواجه  مواضيع واسئلة هذا الامتحان حسب موقعه الاجتماعي ومستواه الثقافي والمعرفي والعلمي  وعلى الرغم من أن  دروس هذه الجائحة كثيرة ومتعددة، فيمكن اجمالها في أربعة دروس أساسية :أ- التربية والتعليم - ب- الطب - ج- الإقتصاد-د- الدولة القوية. لقد كشف لنا امتحان كورونا ان وجود هذه القطاعات الحيوية وحضورها بقوة في أي مجتمع هو الكفيل لمواجهة وتجاوز الامتحانات والمحن الوبائية ومختلف انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

خلاصة : لقد كشف هذا الامتحان الوبائي- الذي لازلنا نجتازه في هذه اللحظات ولاندري متى سينتهي- عن الكثير من الدورس والعبر ويبقى التساؤل المطروح : هل سنستفيذ من دروس هذا الامتحان ويعمل كل واحد منا انطلاقا من موقعه على بناء مجتمع قوي بتعليمه وعلمه واقتصاده  وامنه ؟  انها مسؤوليتنا جميعا.



محمد بنوي