مشاكل عديدة يواجهها المهاجرون الأفارقة القادمون من جنوب الصحراء، والراغبون في الاستقرار بالمغرب، عددها تقرير لـ"موقع قنطرة"، استعرض شهادات ومحبطات للاندماج تزيد من عزلة القادمين من بلدان مختلفة؛ لكن حلم الهجرة وحدهم على أرض المملكة.

كريستوفر أغباي وَ غارغار بارشو غادرا وطنهما ليبيريا قبل خمسة أعوام، قادتهما رحلتهما الملحمية عبر مالي والجزائر إلى المغرب. كانا يأملان الوصول من المغرب إلى أوروبا؛ ولكن لم يتحقَّق أي شيء من حلمهما.

كريستوفر أغباي عمره أربعون عامًا ومهنته تقني طبِّي، وحول رحلتهما يقول: "اعتقلتنا الشرطة المغربية مرَّتين". تركت متاعب الرحلة حروقًا في وجهه. ويضيف أنَّ "المهرِّبين فروا ببساطة في المحاولة الثالثة بالمال"، وأنَّ ساقه مصابة ويحتاج إلى عملية: "لم نتمكَّن من العبور. والآن يجب علينا البقاء هنا".

المهاجرون الوافدون من إفريقيا جنوب الصحراء كانوا لفترة طويلة ينطرون، مثل هذين الرجلين القادمين من ليبيريا، إلى المغرب باعتباره مجرَّد بلد عبور. ولم يكن أيّ منهم ينوي البقاء هنا. ولكن بما أنَّ أوروبا لا تزال تغلق أبوابها، فإنَّ عدد المهاجرين المضطرِّين لتنظيم حياتهم في المغرب يزداد باستمرار.

لا أحد يعلم بالضبط كم يبلغ عدد المهاجرين المقيمين في المغرب اليوم. يوجد في المغرب بحسب التقديرات نحو سبعين ألف شخص من غينيا وساحل العاج والسنغال ونيجيريا وتوغو والكاميرون وجنوب السودان، وكذلك ما بين نحو أربعة آلاف إلى خمسة آلاف لاجئ سوري ولاجئين من اليمن.

بإمكان السوريين واليمنيين في الواقع الحصول على صفة اللاجئ من المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين والحصول بالتالي على مساعدات مالية أيضًا. تَقدَّم أيضًا المهاجران الإفريقيان كريستوفر أغباي وَ غارغار بارشور بطلبٍ للحصول على صفة اللاجئ؛ غير أنَّ المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين رفضت طلبهما.

هؤلاء اللاجئون هم مهاجرون في مجتمع هو نفسه ينتج الكثير من المهاجرين. وبحسب استطلاعات الرأي، فإنَّ معظم الشباب المغاربة يفضِّلون مغادرة وطنهم اليوم قبل الغد؛ فالمغاربة أيضًا يعانون من البطالة الواسعة والفقر المدقع وعدم المساواة الاجتماعية. لذلك، فقد هاجر، في العقود الأخيرة، نحو خمسة ملايين مواطن مغربي - معظمهم إلى أوروبا.

ولكن في الوقت نفسه، يعتبر تزايد أعداد المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حقيقةً واقعة في المغرب منذ التسعينيات. ولذلك، فقد اعترف المغرب في هذه الأثناء رسميًا بهذه الحقيقة. وهو البلد الوحيد في شمال إفريقيا الذي يتَّبع -منذ عام 2013 من خلال "إستراتيجيته الوطنية للهجرة واللجوء"- سياسة هجرة لا تعتمد على الانغلاق التام، مثلما هي الحال في الجزائر المجاورة.

وبناءً على هذه السياسة، فقد بات يحصل منذ ذلك الحين في كلّ عام نحو عشرين ألف مهاجر على تصاريح إقامة (cartes de séjour). وبهذا يحقُّ لهم -تمامًا مثل المواطنين المغاربة- إرسال أطفالهم إلى المدارس الحكومية (إنْ كانوا يتحدَّثون العربية)، والاستفادة من الخدمات الأساسية المقدَّمة من نظام التأمين الصحي الحكومي. تم تأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني، التي تساعد المهاجرين على إدراك حقوقهم الجديدة وممارستها وتمكينهم من الوصول إلى التعليم وسوق العمل والنظام الصحي.

ومن بين هذه المنظمات غير الحكومية "مؤسَّسة الشرق الغرب" (Fondation Orient Occident) في العاصمة المغربية الرباط. صحيح أنَّ هذه المؤسَّسة كانت موجودة بالفعل قبل عام 2013؛ ولكنها لم تبدأ التركز على المهاجرين إلَّا بعد عام 2013.

المهاجرون القادمون من إفريقيا جنوب الصحراء الموجودون في المغرب، سواء كانوا يعيشون في البلاد بشكل شرعي أو "غير شرعي"، يحاولون ببساطة مجرَّد البقاء على قيد الحياة كيفما كان، مثلما تقول نادية التاري، مُنسِّقة المشروع في المؤسَّسة. وتضيف أنَّ "الكثيرين منهم يعملون بشكل غير قانوني في البناء والزراعة أو النقل"، وأنَّ "التسوُّل منتشر أيضا".

ولكنهم مع ذلك ينظمون حياتهم بشكل ما، لأنَّ الحدود إلى أوروبا "مغلقة تمامًا". ومع مرور السنين، تتبَّخر في النهاية فكرةُ الذهاب إلى أوروبا، مثلما تقول نادية التاري: وغالبًا ما تكون نقطة التحوُّل المركزية هي تكوين أسرة. فعندما يتزوَّج الناس وينجبون أطفالًا ويجدون وظيفة متواضعة ويصبح لديهم أصدقاء وجيران، يستقرُّون في أغلب الحالات بشكل دائم في المغرب.

تُرافق هذه المؤسَّسة المهاجرين في عملية اندماجهم في المجتمع المغربي، وتساعدهم في العثور على عمل أو إنشاء مشاريع صغيرة؛ ولكنها تسعى قبل كلِّ شيء إلى بناء جسر بين المواطنين المغاربة والوافدين الجدد وكذلك نزع فتيل النزاعات والمساهمة في زيادة التفاهم بين الثقافات. كثيرًا ما تندلع نزاعات بين المهاجرين والأهالي بسبب خلافات عادية بين الجيران حول ارتفاع صوت الموسيقى أو مشاجرات في ساعات متأخرة من الليل. يجب هنا على المهاجرين الجدد التكيُّف مع العادات المغربية والالتزام بالهدوء بعد الساعة العاشرة مساءً، مثلما تقول نادية التاري.

مساعدة الاندماج للمهاجرين الأفارقة

تُقدِّم المؤسَّسة، في مقرِّها الكائن في منطقة أكدال في الرباط، للنساء الإفريقيات فرصة لبيع منتجات العناية بالشعر والتجميل وكذلك وجبات طعام من بلدانهن الأصلية من دون أية إجراءات رسمية. فعلى أية حال، لقد ساعد تغيير الوضع القانوني في تسهيل عمل المنظمات غير الحكومية مثل "مؤسسة الشرق الغرب"، إذ لم تعد المنظمة تواجه أية مشكلة، على سبيل المثال، في مرافقة النساء الحوامل إلى المستشفى أثناء الولادة.

تساعد منظمات أخرى مثل جمعية كاريتاس في المغرب المهاجرين، على سبيل المثال، من خلال تقديم دورات تأسيسية لأطفال المدارس من أجل تعلُّم اللغة العربية، ومساعدتهم في الالتحاق بالمدارس أو دورات التكوين المهني وإتمام الإجراءات الإدارية مثل إصدار شهادات الميلاد وكذلك تُقدِّم لهم الاستشارات النفسية.

وعلى الرغم من تحسين الوضع القانوني للمهاجرين منذ عام 2014 من خلال شرعنة وجودهم في البلاد، فإن السياسة المغربية تجاههم لا تزال متناقضة، إذ إنَّ البيروقراطية وتعسُّف السلطات وعمليات الشرطة الوحشية لا تزال تزيد من صعوبة أوضاعهم. كثيرًا ما تقوم الشرطة بعمليات يتم فيها القبض على المهاجرين بشكل عشوائي وشحنهم في حافلات ونقلهم إلى جنوب البلاد.

لقد عانى الرجلان الليبيريان من ذلك أيضًا. فقبل عام، تم نقلهما بهذه الطريقة إلى مدينة تيزنيت جنوب أكادير، ولم يتم إعطاؤهما سوى قارورة ماء وخبز يابس مع البطاطس. وبعد ذلك اضطرا للتوسُّل حتى يجمعا بشقِّ النفس أجرة رحلة العودة إلى الرباط.

ثم حدث لهما ذلك من جديد قبل فترة قصيرة، ولكن هذه المرة تم إنزالهما جنوب مراكش. من الصعب فهم المنطق الكامن وراء مثل هذه الأعمال، التي تعني بالنسبة للمتضرِّرين المزيد من القلق والاضطرابات. وحول ذلك، تقول نادية التاري إنَّ السلطات تريد من خلال هذا العمل إبعاد المهاجرين مؤقتًا عن المناطق السياحية وعن مدى نظر المؤتمرات الدولية.