هل يتعيّن على سويسرا أن تقدم مِنحا مالية للمقيمين غير الشرعيين ولطالبي اللجوء المرفوضين لكي تشجعهم على مغادرة البلادة والعودة إلى ديارهم طوعا؟

 

تصدرت هذه القضية عناوين الصحف المحلية بعد أن اقترحت الحكومة زيادة مساعدة العودة، الخاصة بالمقيمين غير الشرعيين، رغبة منها في الحد من عمليات الترحيل القسري المثيرة للجدل، وبعد أن أبدت عدّة أطراف اهتماما متزايدا بتجربة جنيف الخاصة بمشروع إعادة المهاجرين غير الشرعيين من أصول شمال أفريقية. فيما بدأ مجلس الوزراء يوم الأربعاء 25 أبريل 2012 المشاورات بشأن التعديل المتعلّق بالمساعدة المالية التشجيعية الخاصة بإعادة طالبي اللجوء واللاجئين إلى بلادهم ويشمل المقترح، أيضا، المقيمين غير الشرعيين الذين هم رهن الاعتقال الإداري من الأجانب الذين يتمنّعون عن الترحيل، إذ سيصبح بإمكانهم الاستفادة من مساعدة العودة مقابل إقرارهم بالمغادرة عن طواعية.
 
ووفقا للمكتب الفدرالي للهجرة، يقضي المشروع بمنح الأشخاص المعنيين من المقيمين بصفة غير شرعية أو من طالبي اللجوء على مبلغ 500 فرنك سويسري "بدل سفر" و 200 فرنك سويسري "بدل نقل الأمتعة"، ومن شأن هذا الاقتراح أن يطال حوالي 500 شخص وبتكلفة إجمالية تبلغ نحو 250 ألف فرنك سويسري، مع الاعتبار بأن تحتاج بعض الحالات المتعسّرة إلى حوالي ألفي فرنك سويسري "بدل مغادرة" لكل حالة، في مقابل تأمين وثائق ومتطلبات السفر وبناء على التعديلات المقترحة، يمكن لطالبي اللجوء، ممن تمّ رفض طلباتهم ولم يرتكبوا أي جرائم، الاستفادة من مساعدة العودة التي قيمتها ألف فرنك سويسري بالإضافة إلى 3 آلاف فرنك لمشروع كسبي، وعبر هيئة خيرية، إن هم وافقوا على العودة إلى ديارهم طوعا.

 

تجنب الرحلات الخاصة

وفي المقابل، يرى مسؤولون بأن من شأن الاقتراح الجديد أن يساعد على تسريع إجراءات الترحيل، وتجنب تكلفة الرحلات الخاصة بالترحيل القسري أو بطائرات مستأجَرة مع الحراسة الأمنية وفي تصريح  أوضح ميشائيل غلاوزر، المتحدث باسم مكتب الهجرة، قائلا: "فمن جانب، نريد أن نقوم بكل ما في وسعنا من أجل تجنب عمليات الترحيل القسري بواسطة رحلات جوية خاصة، باعتبارها مرهقة لأعصاب طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، فضلا عن رجال الشرطة الذين يرافقونهم"، ومن جانب آخر، تقليل مدّة الاعتقال الإداري، والتي قد تصل تكلفتها – من كانتون لآخر - إلى ما بين 150 و300 ألف فرنك سويسري يوميا، على حدّ قوله وتشير البيانات إلى أن مراكز الاحتجاز الموزعة على أنحاء سويسرا، وعددها 28 مركزا، تضم آلاف من الأجانب غير الشرعيين، معظمهم من المهاجرين السرّيين ومن طالبي اللجوء، ممن يتم التحفّظ عليهم تمهيدا لطردهم من البلاد وبحسب بيانات عام 2011، تم ترحيل 9641 طالب لجوء على متن رحلات جويّة، من بينهم 165 شخص رُحّلوا عُنوة على متن طائرات خاصة بحالات الترحيل القسري، وتبلغ تكاليف الرحلة منها ما بين 15 إلى 23 ألف فرنك، أي بتكلفة سنوية تبلغ 1,9 مليون فرنك.

 

مرونة وواقعية

وفي الغضون، أثار الاقتراح الجديد العديد من الانتقادات في أوساط بعض الدوائر السياسية، حيث جاء على لسان إيفان بيرا، نائب رئيس حزب الشعب (يميني شعبوي)، قوله في تصريح لصحيفة لوتو: "ما دامت جيوب الدولة مفتوحة، فسيطمع الجميع في أعلى بدل مغادرة وسوف يرفضون الترحيل"، كما أن هناك تخوف من أن زيادة مخصصات العودة ربما تشجع على جذب المهاجرين الأجانب في حين رحب بيات ماينر، الأمين العام للمجلس السويسري لشؤون اللاجئين، بالمقترح ووصفه بأنه حل "مرن وعملي" لقضية شائكة، وأكد قائلا: "ستتمكن سويسرا من توفير مبالغ كبيرة، وسيُمكّن طالب اللجوء من فرصة جديدة في بلده، بالإضافة إلى تجنّب الترحيل القسري" وأردف: "من المعلوم بأن الأشخاص الذين يصلون إلى هنا يستلفون ويطلبون المساعدة من عائلاتهم أو أصدقائهم، وليس لسويسرا إلا مساعدتهم ببعض المال لتشجيعهم على الخُطُوّ باتجاه أوطانهم".

 

جنيف و"مشروع المغرب العربي"

ويشار إلى أن التعديلات المقترَحة، على المستوى الوطني بشكل عام، خرجت من رحم المبادرة التي عنوانها "مشروع المغرب العربي"، والتي انطلقت في كانتون جنيف في شهر أغسطس 2011، وأخذت تحقق رواجا واسعا ومن حيث المبدأ، لم تُعْنَ مبادرة جنيف بالقادمين الجدد، وإنما هدفت إلى تشجيع نحو 300-400 شخص من مواطني بلاد شمال أفريقيا، المقيمين منذ سنوات بصورة غير شرعية وتكررت إدانتهم بأعمال إجرامية، على مغادرة الأراضي السويسرية والعودة إلى أوطانهم ويُشترط في هؤلاء الأشخاص أن يكونوا قد أمضوا عقوبتهم القانونية ووافقوا على الرحيل طوعا وتمّ التثبت من هويتهم، ولابد من أخذ بصماتهم. عند ذلك، يحصل الشخص المُرشّح على منحة مالية قدرها ألف فرنك سويسري، نظير التأهيل المهني، يستلمها عندما يستقل الطائرة قافلا إلى بلده، ثم يحصل، في وقت لاحق، على مبلغ إضافي قدره 3 آلاف فرنك سويسري عن طريق منظمة محلية غير حكومية، بمجرد الموافقة على مشروعه المهني المقترح.
 
ووفقا لسلطات جنيف، فإن من بين 52 حالة بدأت بالإجراءات الأولية، وفق المشروع التجريبي، هناك 10 حالات تكللت بالنجاح منذ أغسطس 2011، وتم بالفعل إعادة هؤلاء الأشخاص إلى أوطانهم، ومن بينهم ميكانيكي وسائق سيارة أجرة وخباز ومن المقرر أن تبلغ حالات الترحيل بحسب هذا المشروع 30 حالة في السنة، في حين يكون تأمين التكاليف من صندوق الشرطة للأموال المتولّدة من عمليات ضبط المخدرات، وسيتم تقييم نتائج هذه التجربة في نهاية عام 2013.
 
وفي الأثناء، حظى هذا المشروع بتأييد وزيرة العدل الفدرالية سيمونيتا سوماروغا، وقام مدير مكتب الهجرة ماريو غاتيكر بعرضه في نهاية شهر مارس 2012 على وزراء العدل والشرطة في الكانتونات، وتردد بأن كانتوني فريبورغ ونوشاتيل أبديا اهتمامهما بالتجربة التي قادها كانتون جنيف لكن، وبعيدا عن كل الاعتبارات، يبقى هذا المشروع مشروعا مؤقتا، وهو برأي القائمين عليه بحسب إيزابيل روشا مسئولة الشرطة في جنيف: "هو مجرد تدبير لسد ثغرة، في انتظار التوقيع على اتفاقيات لإعادة قبول المستبعَدين، كما أنه جاء لاعتبارات تتعلق باكتظاظ السجون"، وأضافت: "لم يعد يطيق سكان جنيف استمرار الجنوح وفوضى الشارع".