يعتبر تشريع القانون بمختلف درجاته أحد أهم المجالات الكبرى التي توليها الدول عناية بالغة؛ إذ لا يمكن تصور قيام مجتمع دون وجود نصوص (شرعية أو قانونية أو عرفية..)، تنظم سلوك الأفراد والعلاقات التي قد تنشأ فيما بينهم؛ كعقود البيع والشراء، وترتيب الغرامات والعقوبات الجزائية نتيجة ارتكاب أحد أفراد المجتمع لمخالفة أو جريمة ما.

ولهذه الغاية، ولكي تكون القاعدة القانونية محل اتفاق وتقبل المواطنين، فإن معظم الدول الديمقراطية حرصت على أن تكون القواعد القانونية نابعة من إرادة المجتمع الذي تمثله المؤسسة التشريعية ( البرلمان بمجلسيه)، لكن السؤال الذي يطرح بقوة، هل فعلا كل القوانين المصادق عليها أصلها مبادرات تشريعية من طرف أعضاء البرلمان؟ أم أن القوانين التنظيمية تخول للسلطة التنفيذية (الحكومة) الهيمنة على تشريع القوانين بالمملكة؟

نكاد نجزم على أن عملية تشريع القوانين بالمغرب، عملية شبه معقدة، بالنظر إلى تداخل مهام المؤسسات والسلطات المعنية بالتشريع؛ فخلق القاعدة القانونية في مجال التشريع وإن كانت مخولة من حيث الأصل للمؤسسة التشريعية (البرلمان بغرفتيه) (الفصل 70 من الدستور)، إلا أن الواقع العملي وما تتطلبه صياغة القواعد القانونية من دراية وخبرة كبيرة بعلم القانون وقواعد الصياغة الجيدة، يؤكد هيمنة السلطة التنفيذية على مجال تشريع القوانين، إضافة إلى أن معظم البرلمانيين المنتخبين غير مؤهلين ولا تتوفر فيهم شروط ممارسة صياغة القاعدة القانونية،

ومن تم يمكن اختزال مهمة الناخب البرلماني، نائبا كان أو مستشارا في التصويت ( الفصل 60 والفصل 70 من الدستور) على مشاريع ومقترحات القوانين، كما يمكن لأحد أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة تبني أحد الملتمسات التشريعية، التي يتقدم بها المواطنات والمواطنون في مجال التشريع طبقا لأحكام الفصل 14 من الدستور.

وفيما يلي عرض لأهم المعطيات الإحصائية والرقمية حول الولاية التشريعية التاسعة (2011 ـ 2016)، صادرة عن الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، لمعرفة نسبة مساهمة كل من السلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية (الحكومة) في إصدار القوانين بالمملكة.

أ) مشاريع القوانين

مجموع مشاريع القوانين المودعة من طرف الحكومة (السلطة التنفيذية) خلال الولاية التشريعية التاسعة: 389 مشروع قانون

عدد القوانين بمبادرات حكومية المصادق عليها: 359 قانونا ( أي بنسبة إنجاز تمثل 92%).

ب) مقترحات القوانين

مجموع مقترحات القوانين المودعة من طرف الفرق والمجموعات والهيئات البرلمانية (السلطة التشريعية): 185 مقترح قانون.

عدد القوانين بمبادرات برلمانية المصادق عليها خلال نفس الولاية التشريعية: 20 قانونا ( أي بنسبة إنجاز تمثل 11%).

د ـ تحليل المعطيات

بعد استعراض النصوص الدستورية والقوانين المنظمة لتقديم المبادرات التشريعية، سواء من طرف السلطة التشريعية (البرلمان بمجلسيه) أو من طرف السلطة التنفيذية (الحكومة)، يتبين أن نسبة المبادرات التشريعية المقدمة من طرف البرلمان خلال ولاية تشريعية بأكملها (2011/2016)، لا تتعدى نسبة 5% من مجموع القوانين المصادق عليها، وهو الأمر الذي يؤكد صحة ما أشرنا إليه سابقا، على أن مهمة البرلمان تتجلى أساسا في التصويت على مشاريع القوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية؛ بمعنى أن هذه الأخيرة تجمع بين ممارسة السلطتين، التشريعية والتنفيذية في أن واحد.

ثم إذا كانت مهمة البرلماني تتجلى في الغالب في التصويت على مشاريع القوانين التي تتقدم بها السلطة التنفيذية، فلماذا لا يتم تقليص عدد نواب ومستشاري البرلمان وأعضاء الحكومة انسجاما مع ما تقتضيه المرحلة من التضامن والتخفيف من أعباء ميزانية الدولة؟

كلنا نعلم أن عدد أعضاء البرلمان، نواب ومستشارين هو 515 عضوا؛ 395 نائبا برلمانيا و 120 مستشارا، وكل واحد من هؤلاء يتقاضي حوالي 35 ألف درهم في الشهر، إضافة إلى تعويضات التنقل والبنزين وامتيازات اشتراك الهاتف النقال وغيرها من الامتيازات الأخرى..

فعلى سبيل المثال، إذا تم تقليص عدد البرلمانيين إلى 20%؛ أي الاحتفاظ فقط ب 103 برلماني وتسريح 412 آخر، فإن الدولة ستوفر خلال سنة واحدة فقط، ما يناهز 20 مليار سنتيم، وخلال ولاية تشريعية كاملة (خمس سنوات)، ستوفر ما يقارب 100 مليار سنتيم، نحن في حاجة ماسة إليها أكثر من أي وقت مضى.

لكن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة شافية وكافية، كيف يمكن تقليص عدد أعضاء البرلمان، أو من له الحق في تقليص عدد أعضاء البرلمان؟

لا يمكننا الحديث هنا عن تقديم أحد أعضاء البرلمان أو الحكومة بمبادرة تشريعية تقضي بتقليص عدد أعضاء البرلمان؛ لأن هذا الأخير ولا الحكومة يمكنهما تشريع قانون لا يخدم مصلحتهما، وخير دليل على ذلك، قانون الإثراء الغير المشروع الذي عمر طويلا ولا زال يجوب دهاليز البرلمان دون أن تتم المصادقة عليه...

ومن تم تبقى المؤسسة الوحيدة التي يمكنها تقليص عدد أعضاء البرلمان وعدد أعضاء الحكومة على السواء، نظرا للوضع الاقتصادي الذي تمر منه المملكة بسبب جائحة كورونا، هي المؤسسة الملكية؛ فللملك بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة (الفصلين 41 و 42 من الدستور)، وفي نطاق الدستور، حق ممارسة التشريع عن طريق الأوامر والتوجيهات التي تترجمها الخطب الملكية والظهائر الشريفة التي تتخذ شكل قوانين أو مراسيم أو مناشير.

من الخطابات الملكية التي لها صبغة توجيهية في تشريع الدستور، ما جاء في خطاب 9 مارس 2011 بمناسبة تعيين جلالة الملك محمد السادس للجنة استشارية وكلت لها مهمة إعداد مضامين دستور 2011، إذ جاء فيه " وإننا نتوخى من هذه التوجهات العامة، وضع إطار مرجعي، لعمل اللجنة. بيد أن ذلك لا يعفيها من الاجتهاد الخلاق، لاقتراح منظومة دستورية متقدمة لمغرب الحاضر والمستقبل ".

من الخطابات الملكية التي تكتسي صبغة تقريرية في سن القوانين العادية، ما نص عليه خطاب جلالته بمناسبة عيد العرش يوم 30ـ07ـ2005 إذ جاء فيه : " فقد

قررنا بصفتنا ملكا ـ أميرا للمؤمنين، تخويل الطفل من أم مغربية حق الحصول على الجنسية المغربية.. كما نكلفها (الحكومة) أيضا بأن ترفع إلى نظرنا السامي اقتراحات عقلانية، لتعديل التشريع المتعلق بالجنسية، وملاءمته مع مدونة الأسرة، على ضوء تحقيق أهدافها النبيلة، المنشودة من قبل كل مكونات الأمة، وضرورة التنشئة على المواطنة المغربية المسؤولة".

إلى جانب التوجيهات والأوامر الملكية التي تترجمها الخطابات السامية لجلالة الملك في سن التشريعات، توجد آليات أخرى تكرس محورية المؤسسة الملكية ودورها في سن القوانين؛ إذ منح دستور 2011 الملك اختصاصات واسعة في مجال التشريع، تتمثل أساسا في ترأس جلالته للمجلس الوزاري الذي يتداول في مجموعة من مشاريع القوانين، سواء تعلق الأمر بمشاريع مراجعة الدستور أو مشاريع قوانين تنظيمية أو غيرها من مشاريع القوانين التي نص عليها الفصل 49 من الدستور.

كما ينص الفصل 51 من الدستور على أن " للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير، طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98.".

 

بناء على ما سبق، فإن للملك في نطاق الدستور، وما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد، حق التوجه بخطاب للأمة يأمر الحكومة من خلال توجيهاته السامية بالتداول في مشروع قانون يقضي بتقليص عدد أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان، بما يتناسب مع قرار رئيس الحكومة القاضي بتوقيف الوظيفة في مجالات عدة؛ لكي يشعر المواطن البسيط بنوع من العدالة، وأن القرارات التقشفية لا تستهدفه وحده هو.



عبد الرحمان أيت المقدم