بالتأكيد لو أن إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، رحمه الله، وبالطريقة التي جرى فيها تفجير ميناء بيروت البحري يوم الثلاثاء الماضي لم تتم "لفلفته" حتى الآن وعلى مدى خمسة عشر عاماً وهذا مع أن الإثباتات كانت ولا تزال متوفرة على أن المجرمين الذين إرتكبوا عملياًّ الجريمة الأخيرة سيحاولون التملص منها كما تملصوا من تلك التي سبقتها التي مرّت عليها كل هذه السنوات الطويلة.

لقد ثبت ومنذ لحظة تفجير موكب الشهيد رفيق الحريري بتلك الطريقة الهمجية والبشعة أن القاتل هو نفسه الذي حوّل ميناء بيروت إلى "مستودع" للمتفجرات التي تشبه القنابل النووية وهكذا ومع ذلك فإنّ القتلة المنفذين بقوا يسرحون ويمرحون وبقوا يلوذون بحماية "دولة" ضاحية بيروت الجنوبية وأيضاً بحماية الجوار السيء الذي إحترف عمليات القتل والإغتيالات لمعارضيه ومناوئيه وهذا مع أن هضبة الجولان بقيت تكابد أوجاع الإحتلال الإسرائيلي كل هذه السنوات الطويلة.

وهنا فقد إتضح ومنذ أن مزق إنفجار الثلاثاء الماضي أجساد مئات اللبنانيين الأبرياء أن الفاعل الحقيقي "عملياًّ" هو نفسه الذي إرتكب جريمة إغتيال ذلك الرجل العظيم والكفاءة السياسية المرهفة والعالية رفيق الحريري وأنّ ليس المتوقع وفقط لا بل المؤكد أنّ من إرتكب هذه الجريمة السابقة هو نفسه فعلياًّ من إرتكب هذه الجريمة الأخيرة وطالب اللبنانيين بالصمت والسكوت وتحمل أوجاعاً لا تتحملها رواسي الجبال وكما جرى في المرات السابقة.

إنه غير متوقع أن تفعل الجهات اللبنانية التي من المفترض أنها المسؤولة عن أمن اللبنانيين وعن صيانة أرواحهم وكراماتهم ما لم تفعله بعد جريمة إغتيال رفيق الحريري وذلك مع أن المجرم الحقيقي هذه المرة أيضاً هو نفسه المجرم السابق ومع "أن المريب يكاد يقول خذوني" فهذا البلد الجميل بات مستباحاً منذ أن نبتت فيه دويلات طائفية ومذهبية تابعة لقوى إقليمية قريبة وبعيدة وإلاّ ما معنى أن تبدأ عمليات لفلفة هذه الجريمة المرعبة الأخيرة قبل التأكد من أعداد الضحايا الأبرياء الذين لا يزال بعضهم مدفونين تحت الأتربة وبعضهم الآخر لا يزال في أعماق مياه البحر الأبيض المتوسط.

إنّ هذا البلد الجميل لبنان، قد بات بحاجة بعد هذه الضربة الدامية الموجعة إلى حماية دولية وإلى تخليصه من كل هذه الأورام السياسية السرطانية.. أما وأن "تسلم الجرة" هذه المرة أيضاً كما سلمت في مرة ومرات سابقة فإن هذا يعني أنه سيتختفي نهائياً ذلك النشيد الوطني الجميل الذي جاء فيه: "هالكم أرزه .. العاجئين الكون.. وقبل ما كانوا هون ما كانش كون" وهكذا فإن اللبنانيين الطيبين ما عادوا يتحملون كل هذه الويلات والتحديات التي تضغط على صدورهم.. وإنه على العرب.. العرب الفعليين والحقيقيين أنْ لا يتركوا بلاد الأرز وهذا الوطن الجميل للمجرمين والطامعين الذين دأبوا على السعي لإعادة حركة التاريخ إلى الوراء ولسنوات طويلة!!.