العالم الافتراضي، فضاء واسع من الصعب التحكم فيه، ملايين الحسابات والصفحات الرسمية والوهمية، لها الكثير من المتابعين والمتفاعلين معها، بين معجب ومعترض، صفحات وحسابات قد تساهم في إثراء معلومات متابعيها وتقديم الكثير من الأمور المهمة التي تساهم في نشر الوعي الاجتماعي ونشر ثقافة إيجابية عن الكثير من المواضيع المهمة التي تساهم في رفع مستوى التفكير لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
من المؤكد أن نمط حياة الناس تغير، أصبحوا يقضون ساعات وساعات يتصفحون فيها الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي، يستقطبهم أخبار بعض الشخصيات وما تنشره، لكن المشكلة تكمن في سؤال مهم من تتابع؟ وماهومقدار الثقة التي تمنح للصفحة أو الحساب المتابع؟.

أتابع بشكل يومي أكثر الصفحات المتابعة والتفاعلات، هناك حالة من الانغماس والذوبان يعيشها البعض، إلى درجة أن هذه الصفحات تسيطر عليهم وعلى توجهاتهم الفكرية وعلى سلوكهم، يظهر ذلك جليا من خلال التعليقات التي تعكس مدى ارتباطهم بها.

*غالبا تبدأ بمجرد متابعة..وتنتهي بضحية لصفحات التجنيد*

قد ينتهي بالبعض أن يكون ضحية للكثير من الصفحات والحسابات، ويجد نفسه في ورطة حقيقية قد لا ينجو منها، تبدأ الأمور باستعطاف شريحة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول مواضيع حساسة ومؤثرة لإحكام السيطرة عليهم والتحكم في عواطفهم، من خلال مجموعة من الوسائل، كنشر فيديوهات مع مؤثرات صوتية لاستعطاف عدد كبير من رواد الفضاء الافتراضي وكسب ثقتهم ومغنطة أفكارهم وعاطفتهم ثم توجيه سلوكهم بالطريقة المرسوم لها.

إن محاولة تجنيد الشباب لأهداف مشبوهة لم يكن وليد اللحظة، بل هو قديم، لكن سرعة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في الوصول إلى شريحة كبيرة من الشباب الذي يفتقد المناعة الفكرية، فاستخدم عدد من الحسابات الجانب الديني بطريقة مسمومة، لتأليب الشباب على إخوانهم ونشر الفتن وتبني أفكار ضآلة ليس لها أي رابط بأي معتقد، فقط لها ارتباط وثيق بأجندات هدفها ضرب الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني للمجتمعات.

لابد أن أصحاب الصفحات والحسابات التي تسعى لتجنيد الشباب لأغراض تدميرية، يمتلكون الخبرة على كل كل المستويات؛ المستوى الديني والتكنولوجي والعلمي ولديهم مسح كامل عن الوضع الذي يعيشه المجتمع وما يحتاجه الشباب، فتكون أهدافهم مركزة على نقاط الضعف، ويحاولون أن يرسموا في خيال متابعيهم دولة أفلاطون التي يدعون لها تحت مسميات مختلفة قد تكون دينية مثلا، فيتم استخدام النصوص الدينية بطريقة مخالفة تماما، وغيرها من الوسائل والسبل لتنفيذ غايتهم.

أثبتت الأحداث الأخيرة المتعلقة بتنامي ظاهرة الإرهاب، أن عملية تجنيد الشباب كانت بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد متابعة هذه الصفحات يتم اختراق البنية الفكرية لهؤلاء الشباب والسيطرة عليهم كليا، وهناك من تم اختراق حياتهم وأجهزتهم الإلكترونية ليتم تهديدهم بها وبالتالي الإطباق عليهم من جميع الزوايا وتعبئتهم ليشكلوا قنابل موقوتةيتم تفجيرها في الوقت الذي يريده المتحكم.

*تحصين رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر البرامج التحسيسية والقوانين*

قد يعتقد البعض أن متابعة الحسابات والصفحات على الفضاء الافتراضي هي حرية فردية، فلكل شخص حق متابعة ما يشاء، وهو من باب المنطلق كلام صحيح وهذا هو الأصل، لكن المسألة تتعدى الحرية عندما تتعلق بأمن الدولة وضرب استقرار المجتمعات، هنا لابد من وضع حد لهذه التهديدات عبر مجموعة من الوسائل وتفعيلها لحماية أمن واستقرار المجتمع، من خلال تخصيص أجهزة خاصة لمتابعة الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة نشاطاتها وتلقي أي اخطارات أو تبليغات عن أي صفحة أو حساب مشبوه لحظره وكشف مخططاته لرواد المواقع الافتراضية وفضحه لبث الوعي الفردي والاجتماعي لمواجهتها، كما ينبغي تفعيل ذلك عبر تشريع مجموعة من القوانين الصارمة التي تعاقب كل من ينخرط في هذه الصفحات في إطار محاصرتها وحماية الشباب من الوقوع في شباكها.

النقطة الأهم بالنسبة لنا هو تأسيس جهاز مناعي قوي ليتمكن من محاربة الأفكار الضالة، عبر نبذ خطاب الكراهية ونشر خطاب التسامح وتفعيل سبل الحوار بين جميع شرائح المجتمع وبين مختلف الطوائف والأديان والثقافات لسد كل الثغرات أمام المتصيدين في المياه العكرة.