برامج متعددة وبأسماء يصعب عليك نطقها، أما هدفها فواحد البحث عن نمذجة الإنسان وجعله يثقن أساليب وطرق للعيش وفق إيقاع معين، لنجعله داخل مربع محدد مسبقا، حتى إمكانية اتساع محيطه فإنها مشمولة بعدة معيقات وترهات يصعب على أي فرد تلبية مقاييسها ومعاييرها. كل مدرسة، وكل معهد، وكل جامعة، وكل فضاء من فضاءاتنا المتعددة، وضعنا فيها برامج للانتقاء. أليس في برامج الانتقاء إقصاء لطاقات وكفاءات جعلتها نظمنا -في الأصل- غير قادرة على تحقيق إمكانية ولوج نماذجنا؟ أليس في برامج الانتقاء إقصاء لمفكر ولعالم ولأنسان فاعل حيث أن نظمنا من جعلته يعيش الإقصاء والتهميش؟ كيف يمكن وضع نفس المعايير للانتقاء لفئة تعيش كل أنواع التفاوتات؟

معذرة أبنائي وبناتي، المنطق يحتم علي كأستاذة-باحثة وفاعلة مدنية مؤمنة بالعدل والمساواة ودولة الحق والقانون أن أرفض منطق الانتقاء القبلي لأن فيه إقصاء آخر لكم/لكن. فلا يعقل أولا، أن يتم انتقاء شخصين للولوج لأي خدمة أو مصلحة أو حق من الحقوق، وهما في الأصل لم يحصلا على نفس الخدمة والمصلحة والحق، حيث تعرض واحد منهما لتهميش جراء ظروف اجتماعية واقتصادية عصيبة ليس هو المتحكم فيها، ورغم ذلك جعلته يثابر ويكون قادرا على العطاء، ليأتي برنامج الانتقاء ويلعب دور الجلاد ليهزمه بقسوة وبعنف.

لا يعقل أن تطالب بالمساواة والعدل والشفافية في نظام تعليمي تشوبه عدة تفاوتات واختلالات بين المناطق والقرى والمداشير والجبال، حيث أن العامل الجغرافي والاقتصادي للمنطقة يؤثر على مستوى القدرات والمهارات المكتسبة للتلميذ(ة). سيقول قائل، انظر أين يتم تسجيل أعلى المعدلات؟ بالفعل، يتم تسجيل أعلى المعدلات في مناطق التي يتم نعتها بالمهمشة والفقيرة وهي استثناءات تسجل هنا أو هناك؛ بيد أن المسار المحتوم حسب الانتماء الجغرافي والوضعية الاجتماعية والاقتصادية للتلميذ(ة) تحدد جزءا كبيرا من مستقبله. هل يمكن وضع معايير يتم استحضار فيها كل الأبعاد الذاتية والموضوعية للانتقاء؟ قطعا، لا يمكن. الممكن هو قبول الجميع، لأن التعليم حق، والوطن يحتاج إلى كل أبنائه وبناته.

معذرة أبنائي وبناتي، أثناء الانتقاء يتم الحكم على مستقبلك وما أنت قادر(ة) على تحقيقه(ها) من خلال "ماض" دراسي يعتريه عدة مشاكل، فيه ما هو متعلق بظروفك النفسية والعائلية، وفيه ما هو مرتبط بمحيطك الخارجي (الثقافي، الاقتصادي والاجتماعي وغيرها) الذي أنت لست المحدد له. أثناء الانتقاء لا يتم مراعاة الهوامش والتفاوتات المجالية والاجتماعية. يتم نسيان كل شيء كأن كل المجالات متساوية وتستفيد بشكل عادل ومتساو من توزيع الثروات.

معذرة أبنائي وبناتي، أثناء الانتقاء يتم الحكم على مستقبلك وما أنت قادر(ة) على تحقيقه(ها) في غياب للمحاسبة والمراقبة والعقاب، حيث لازال نظامنا التعليمي تشوبه الزبونية والمحسوبية وغياب الكفاءات.

معذرة أبنائي وبناتي، ندفعكم/كن إلى الاكتئاب أو الانزواء أو الانتحار جراء كل الضغوطات التي تمارس عليكم/كن لأنكم/كن مطالبون ومطالبات بالحصول على أعلى المعدلات، لتسقط المهارات والكفاءات والإبداعات والخ من نظامنا التربوي والتعليمي بهذه الطريقة في التقييم والانتقاء.

لا يمكن الحكم على الفرد جراء نقطة معلقة في ورقة ارتبطت بظروف معينة هي في كثير من الأحيان خارج عن إرادة المُتعلم، من حسن الحظ أن هناك من استطاع أن يحقق ويرتقي خارج منطق الانتقاء وأصبح رمزا نستشهد به(ها) اليوم، بعدما تعرض للتهميش وربما للتَهْجير. وها نحن اليوم، نعترف به(ها) لأنه(ها) فعلا أحدث/ت منعطفا أو قفزة في التاريخ الإنساني...

أبنائي وبناتي، لا تستسلموا/ن. حققوا/ن غايتكم/كن مهما ارتفعت الأمواج، فلن تجعل منكم/كن إلاّ إنسانا وإنسانة يحترموا/ن ذواتهم/هن ووطنهم/هن...

ألم يحن الأوان لنجعل نظامنا التعليمي يرتكز فعليا وعمليا على مبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة ومنح الامتيازات الإيجابية لمن يعرفوا ويعرفن التهميش والإقصاء؟ ألم يحن الأوان أن نجعل التعليم ضمن أولوياتنا الوطنية؟ ألم يحن الأوان أن نعيد النظر في التعليم الخصوصي، وفي مجالات تدخله واشتغاله حتى لا يأزم الأوضاع ويعمق الفوارق ويخلق هوامش جديدة خاصة أن النظام التعليمي المحلي والعالمي ينحو في اتجاه الرقمنة...

 

عائشة العلوي