قبل عام أصدرت المحكمة الفيدرالية العليا في سويسرا قرارا بشأن ما إذا كان يتعين على الشركات الإسهام في دفع إيجار منازل الموظفين العاملين من البيت، لكن لم ينتبه كثيرون لهذا الحكم آنذاك.وفي القرار الصادر بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2019، قضت كبرى محاكم البلاد بأنه إذا طُلب من الموظف العمل من المنزل، فعلى الشركة دفع جزء من إيجار سكنه. وفي القضية المذكورة، لم يضطر الموظف صاحب الدعوى، الذي يعمل بدوام جزئي، لاستئجار شقة أكبر ولا التكفل بنفقات أخرى إضافية نتيجة للعمل من البيت. ورغم ذلك، قضت المحكمة بأنه يحق للموظف الحصول على 150 فرنكا سويسريا (157 دولارا) شهريا، لأن الشركة أصبحت توفر في إيجار مكاتبها.ويقول مارتن مولر، رئيس شؤون العاملين بشركة بستالوتسي القانونية في سويسرا والشريك فيها أيضا، إنه يتعين على جهة العمل "تعويض العامل مقابل استخدام سكنه لأغراض العمل حال عدم توافر مكان صالح للعمل".وشبّه مولر ذلك بالبدل الذي تدفعه الشركات مقابل استخدام الموظف سيارته الشخصية لأغراض العمل، مضيفا: "يتكفل الموظف بدفع تأمين السيارة وإلى ذلك (من التكاليف)، لكن القانون ينص على ضرورة إسهام جهة العمل بقسط (من التكاليف)".ورغم أن كثيرين لم ينتبهوا لهذا القرار في حينه، فقد تغير الأمر تماما بعد تفشي فيروس كورونا، إذ اضطر القسم الأكبر من الموظفين والعمال السويسريين للعمل من المنازل خلال الجائحة. وبالتالي، أثار هذا القرار جدلا كبيرا. وتساءل الناس عما إذا كان هذا الحكم يعني أن كل الموظفين الذين يعملون من منازلهم بسبب فيروس كورونا يجب أن يحصلوا على دعم مقابل ذلك.العمل من المنزل قد يؤثر سلباً على مستقبلك الوظيفي"بالتناسب مع الراتب"يقول مولر إن الأمر ليس كذلك تماما، إذ أن الحُكم لا يعطي تلقائيا جميع العاملين من المنازل الحق في التعويض، فالأمر يتوقف على ما إذا كان الموظف يعمل من المنزل باختياره أم لا. وإذا كان يُمكن للعامل العمل من مقر الشركة، فإنه لا يستحق الحصول على البدل.في زيورخ، تدفع الشركة الواحدة إيجارا سنويا لمكاتبها عن كل موظف، يتراوح بين 3000 و5000 فرنك (3148-5247 دولارا)، بحسب فرع الهيئة السويسرية للمستأجرين في المدينة.لكن مولر يقول إن التعويض الذي يحصل عليه الموظف نظير عمله من المنزل لا يتحدد وفق تكلفة مساحة المكتب، بل وفقا لمرتبه. وسبق وأن صاغ مولر عقودا شملت بدل إيجار (بعضها قبل الحكم الصادر)، وكان ذلك غالبا لشركات أجنبية تعين موظفين في سويسرا دون أن يكون لها مقر فعلي.يقول مولر: "يجب أن يتناسب البدل مع الراتب، وإلا فإن السلطات الضريبية قد تعتبر هذا البدل دخلا. وبالنسبة للموظف الذي يعمل بدوام كامل فإن البدل يتراوح بين 250 و500 فرنك سويسري".ورغم أن كثيرين من الموظفين السويسريين لم يجدوا بديلا سوى العمل من المنزل خلال فترة الإغلاق، يقول مولر إن الخبراء القانونيين يجمعون تقريبا على أن الحكم لا ينطبق على الوضع المستجد الراهن. ويقول مولر: "خلال أزمة تفشي فيروس كورونا، احتفظ أصحاب العمل بمكاتبهم وظلت أماكن الموظفين قائمة؛ أي لم توفر جهة العمل أموالا من وراء ذلك". ويشير إلى أنه كان من مصلحة الموظفين أن يعملوا من منازلهم للحفاظ على سلامتهم.خسارة محتملةويقول فريدي غروتر، المتحدث باسم اتحاد العمل السويسري، إنه على الرغم من ما أثارته التقارير الأولى للإعلام من قلق بين الشركات من تبعات فورية لهذا الحكم، فقد تراجع القلق بعد ذلك. لكن غروتر يشير إلى أن شركات كثيرة تدرس إمكانية منح العاملين "بدل إيجار" أثناء العمل من المنزل، في إطار تحديد شكل العمل المنتظم من المنزل في مرحلة ما بعد السيطرة على وباء كورونا.ويشير غروتر إلى أن بدل الإيجار قد لا يكون مفيدا دائما من الناحية المالية للموظف، نظرا لأن ذلك قد يعني "إلغاء بدلات أخرى يتلقاها العامل كبدل طعام أو بدل انتقال". ويمكن أن يعني ذلك أيضا قدرا أقل من المال إذا انخفضت الرواتب المرتبطة بالحياة في مدن تكاليفها المعيشية باهظة، وذلك عندما يكون الموظفون عن بُعد يقيمون في مناطق ذات تكاليف معيشية منخفضة، كما اقترح مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي لشركة فيسبوك.ويتوقع غروتر انتشار العمل من المنزل بشكل أوسع، لكنه لا يعتقد أن الشركات ستهرول للتخلص من مكاتبها في المستقبل القريب. ويعتقد أن هذا التحول قد يحدث عندما تفكر الشركات في نقل أو تجديد مقاراتها، أما الآن فإن "التوجه بين جهات العمل هو السعي لإعادة الموظفين بشكل آمن لمكاتبهم".اختر منزلك!لكن آخرين يعتقدون أن بدل الإيجار سيصبح أكثر انتشارا بسبب التغيرات التي أحدثها كوفيد-19. ويقول توماس غايزر، أستاذ القانون بجامعة سانت غيلين، إن "الكثيرين من أرباب العمل اكتشفوا فائدة العمل من المنزل وعدم ضرورة وجود الموظفين دائما في المكتب". وعلى الرغم من أنه مازال من المبكر ترقب أثر ذلك على سوق العقارات، يعتقد غايزر أن التحول نحو العمل عن بُعد سيؤثر في اختيار الناس لسكنهم.وقد ظهرت بوادر ذلك بالفعل، فقد أخذت سيلين زيمب، التي تبلغ من العمر 24 عاما، في الاعتبار تزايد احتمال العمل من المنزل حين كانت بصدد اختيار شقة تتقاسمها مع شقيقتها بدءا من يوليو/تموز. وكانت الشقيقتان تعتزمان الانتقال لشقة مكونة من حجرتين قرب زيورخ، لكنهما عدلتا عن ذلك باستئجار شقة بحجرة إضافية لاستخدامها كمكتب. وبدلا من دفع إيجار أكبر، تغلبت الشقيقتان على ذلك باستئجار شقة في مكان أرخص. تقول زيمب: "بسبب الحجرة الإضافية، اخترنا شقة على بُعد 20 دقيقة وليس 10 دقائق فقط (من المدينة)".ولا تتوقع زيمب، التي ما زالت أعمال شركتها تُدار من مقرها، أن تسهم الشركة في الإيجار الذي تدفعه لشقتها، لكنها أخذت في اعتبارها حين استأجرت الشقة احتمال العمل من المنزل في المستقبل. ومن المؤكد أن حكم المحكمة العليا سيكون له دور في مراجعة الشركات القرارات التي ستتخذها في مرحلة ما بعد كورونا.ويتوقع غايزر أن يصبح من المعتاد تكفل جهة العمل بجزء من إيجار الموظف الذي يعمل من منزله، قائلا: "أعتقد أن الأمر سيكون أكثر شيوعا مع التغطية الإعلامية المكثفة التي حظي بها هذا الحكم".يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife.