ضربة تلو أخرى في عمق إيران تدمر أهدافا إستراتيجية، لم يكشف عن مصدرها. ما زال التكتم خيار "ولاية الفقيه" ومازال الرأي العام مترقبا لحظة إعلان طهران عن الفاعل، وما سيحصل بعد تسمية الفاعل الخفي، رد عسكري مزلزل أم صفقة سرية تحتوي تداعيات الكارثة؟

القدرة في اتخاذ القرار أصعب امتحان يحاصر "ولاية الفقيه" الآن في قاعة مغلقة، لا تكشف عن حقيقة الفوضى أو التردد في مواجهة تحديات كبرى اخترقت كل الحواجز والجدران العازلة، وضرب مقومات القوة التي تتسلح بها المنظومة السياسية الحاكمة، وتساوم بها القوى الكبرى من أجل فرض شرط وجودها المتحكم في الشرق الأوسط.

انخفضت حدة خطاب "ولاية الفقيه" في مجابهة أعدائها إلى أدنى درجاتها، وتحاشت التصعيد الذي يمهد "افتراضا" لتنفيذ رد حاسم على استهداف سيادتها، والتزمت الصمت إزاء حرائق منشآتها النووية التي عزلتها عن العالم، وفرضت عليها الحصار المطبق، وأدخلتها في أزمات سياسية واقتصادية وأمنية.

الآلة الإعلامية التي تستقي مادتها من مركز القرار السياسي، أضحت بلا محتوى مقنع، تنفي تفاصيل حدوث هجمات نارية تارة وتأكده تارة أخرى بقصة خبرية ناقصة لا تستحق إذاعتها.

بوادر الانهيار طفت على السطح، انهيار أولي في قدرة الأجهزة الاستخباراتية على رصد الخطر قبل بلوغ هدفه، وشل قدرات مصدره، وكأنها اطمأنت أن أسلحة إيران النووية والتقليدية محل تفاوض سياسي يبعدها عن مرمى الضربات العسكرية النوعية.

يدرك العالم ما تخفيه إيران في غياب القدرة على الرد، هو إرادة دولية في القضاء كليا على قدرتها النووية وتعطيل عمل أسلحتها التقليدية، تتولى أميركا و"إسرائيل" تنفيذها دون تردد، قبل عقد من الزمن عندما اخترقتا الأمن النووي الإيراني بين عامي 2009 و2010، قبل الإستيلاء على المعلومات النووية عام 2018 في عملية اعترفت بها إسرائيل وأخفتها إيران عن الرأي العام، وامتنعت عن القيام بأي رد يذكر.

إيران في ظل حكم "ولاية الفقيه" لن تضع في خططها الإستراتيجية مواجهة الولايات المتحدة  أو إسرائيل مكتفية بحرب إعلامية في مواجهتهما، وبخطاب شعبوي لا يطبق فوق أرض الواقع.

إيران لم تلتزم وحدها الصمت، فإسرائيل وأميركا اللتان كشفتا عن هجمات سابقة ضد منشآت نووية أرادتها طهران قوة تساوم بها في نيل مكاسب جيوستراتيجية في الشرق الأوسط، التزمتا الصمت أيضا بانتظار ما ستكشف عنه "ولاية الفقيه".

رسائل أطلقتها طهران عبر وسائل إعلامية، تتوعد فيها بالرد على الجهة التي نفذت الهجمات التي ضربت منشآتها النووية والعسكرية، بعد التأكد من هويتها، وكأنها تبعد عن أنظارها الفاعل الأميركي – الإسرائيلي الذي تتحاشى الاحتكاك به بشكل مباشر خوفا من ردة فعله المدمرة، متجهة إلى اتهام طرف عربي لم تسمه بعد، تراه هدفا أسهل يحفظ ماء وجهها.

لكن الرد على الطرف العربي لم يكن بتلك السهولة التي تتوخاها إيران أمام إعلان قائد القيادة المركزية الأميركية أن أي هجوم مباشر أو غير مباشر ضد هدف أميركي أو ضد شريك أو حليف أميركي سيجعل الأمر مؤلما على آيات "ولاية الفقيه".

فأي خيار أمام "ولاية الفقيه" المتمرسة في دهاليز الدبلوماسية السرية، لوقف الهجمات المتلاحقة غير السير نحو إبرام صفقة تنازلات سرية مع واشنطن وتل أبيب على حساب الأمن القومي العربي؟