من العسير أن تنتقد حزبا يستطيع كُبَرَاؤُه أن يلبسوا الحق بالباطل وأن يكتموا الحق وهم يعلمون، ومن الصعوبة أن تجعلهم يعتذرون عن الفضائح التي لا يكلون من ارتكابها إذا كانوا أصلا يفتخرون بها ويعتزون بفعلها ويُنَوِّهون بمرتكبيها بلا أدنى خجل أو تردد أو خوف من انقلاب الرأي العام عليهم؛ وهذا إذا دل على شيء، فإنما يدل على أن هذا الحزب أمَّن رصيده الانتخابي بقوم لم يعد في رؤوسهم عقول تفكر أو تتأمل أو تتدبر؛ قوم ضاعت صفاتهم الإنسانية في متاهة حزب ادعى الدين وهو أبعد الناس عنه.

لعلك، أيها القارئ الكريم، قد فطنتَ إلى أنني أقصد بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة الذي وصف كارثة الرميد وأمكراز على أنها خرق قانوني وليس خرقا لمبادئ النزاهة والشفافية، كما نوَّه بمسارعة هذا الأخير باستدراك خرقه للقانون بعد انفجار قنبلة الفضيحة في وجه صاحبه بيوم واحد لا ثاني له.

بدوري، ومن موقع الكاتب المتأمل والمنصف، أُنَوِّه بفرعون الذي سارع إلى التوبة إلى الله بمجرد أن أدركه الغرق قائلا: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين.

كما أؤكد على أن تنصل فرعون من التزامات التحدي الذي جمع سحرته بموسى كان خرقا لقانون التحدي؛ لكنه لم يمس أبدا مبادئ الشفافية والنزاهة، حيث إن الحادثة تمت على أعين الجميع بكل شفافية ونزاهة.

بل إن إبليس نفسه حينما رفض أن يسجد لآدم، إنما خرق بذلك القانون الإلاهي المتمثل في وجوب طاعة المخلوق للخالق بدون إعمال عقل أو تردد أو جدال، وقد أُخرج آدم عليه السلام من الجنة لخرقه قانون عدم الأكل من الشجرة الخبيثة، كما أن الاختطاف والاغتصاب والتعذيب وقتل النفس ليست إلا خرقا للقانون، فلماذا يتعامل حزب العدالة مع مفهوم خرق القانون من طرف وزيريه بسذاجة واستغباء للرأي العام وكأن وزيريه ألقيا بقشور موز على قارعة الطريق، أو أنهما عبرا الطريق من غير المكان المخصص للراجلين.

إن تهرب الشخص العادي من تصريح مُشَغليه لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يُعتبر جناية وليست جنحة، إذ أنه يدخل في خانة التهرب الضريبي المقيت، وفي كثير من الدول الغربية يكون عقوبتها الحبس لبضع سنوات، والغرامة بعشرات الملايين. فبالأحرى أن يقوم به وزير حقوق الإنسان ووزير الشغل، فبالأحرى أن يكون الوزيران من حزب يدعي المرجعية الإسلامية التي تنهل من السنة النبوية العطرة حركاتها وسكناتها ومواقفها وبلاغاتها، وقد أوصى الرسول الكريم بأن يُعطى الأجير حقه قبل أن يجف عرقُه، وليس حينما يأتي أجلُه.

للأسف الشديد، لم نعد أمام حزب تتناسل فضائحه في كل جزء من مليون جزء من الثانية، ولم نعد بصدد جماعة أرضت خواطر جميع الفضائح بلا تمييز أو زبونية، بل إننا أمام حزب لا يقبل الشيطان أن ينخرط فيه، بحكم أن هذا الأخير لا يقبل من المناصب إلا أن يكون قائدا، وهو الشيء الذي يعجز عن تحقيقه في الحزب المعلوم لوجود أساتذة أكثر كفاءة وأشد حنكة. هذا ما يجعل من حزب العدالة والتنمية حزبا معصوما من وساوس الشيطان.

 

نورالدين زاوش