كل مواطن هولندي متبرع بأعضائه بعد وفاته إلا أن يصرح بالنفي. منذ فاتح يوليوز الجاري يَـعتبر القانون الجديد السكوتَ عن التصريح برفض التبرع دليلا على القـبول به. انقسم الرأي العام حول هذا السؤال الأخلاقي حيث يتساءل البعض: هل أصبح جسدي ملكـا للدولـة؟ ذلك أن الإنسان الحديث يرى جسده ملكا له، فالحرية الذاتية تخوله التصرف في جسده كيفما يريد. بينما يعتقد المسلـم أن الجسد أمانة من الله تجب المحافظة عليه وصيانته، وأي ضرر يلحقه بهذا الجسد يستوجب العقوبة.

القول من زاوية جواز التبرع:

المحافظة على الحياة من مقاصد الشريعة. فبموافقتك على التبرع بأعضائك سـتُساعد على إحياء نفس كانت ستموت. بذلك سيُـكتب لك ثواب إحياء الإنسانية جمعاء: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة آية 32]. قد يحتاج المرء في قابل الأيام لعضو لنفسه أو أقاربه، حينها ستشتد حاجته لمن يتبرع عليه. لهذا لا يكون المسلم مصلحيا ينتهــز الأخذ ويرفض العطاء. إنما المؤمن كالنحلة تأخذ وتعطي. الميت لـم يعد يحتاج لأعضائه فأولى بها الحي الذي سينتفع بها. والتبرع إنما يحصل من مبدأ الإيثار والتصدق والإحسان. ويشترط عدم إلحاق ضرر بالمتبرع، ولا يجوز يبيعها، ويوصي بذلك قبل موته، وليست وحدة الدين شرطا بين الآخذ والمعطي.

القول من زاوية تحريم التبرع:

الأعضاء ليست مِلكا للمتبرع حتى يتصدق بها. بل أمانة مستودَعة عندك وليست لك. بمجرد ما يُزرع عضو في جسم آخر تقوم ذاكرة الجهاز المناعي الفطرية بردة فعل حادة مضادة للجسم الغريب. ولا يزال الباحثون جاهدين في تطوير أفضل أدوية لمنع رفض الجسد للعضو الدخيل حتى يتفادوا تكرار زرع العضو الذي يرفضه الجسد. بهذا يصارع المرء قانون الطبيعة في سيرورة الموت والحياة. في هذه العملية تغيير لخلق الله المحرم بنص القرآن: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ. [سورة النساء آية 11]. المُدْلِي بــ[نعم] للتبرع بأعضائه بعد موته قد لا يـنعم بموت هادئ أثناء الاحتضار وبالوعي الثابت بلحظة حاسمة تختزل حياة وتستقبل أخرى، يتعين فيها الـنطق بالشهادتين ووداع الأهل والوصية. في خضم تتداخل فيه كل الاعتبارات يدخل الفريق الطبي على الخط لنقل العضو لمن ينتظره ليتم ذلك في وقت محدد مرتبط بلحظة موت الدماغ الذي يمثل الضوء الأخضر للفريق لمباشرة العملية. الجسد يفترض أن يعامَل كما هو حي. كرامة الميت لا تقل عن كرامته وهو حي. وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [سورة الإسراء آية 70] فالتكريم يتعلق به حياً وميتاً.

من السابق لأوانه الانتهاء إلى رأي قطعي ذي بُــعد واحد يجعل التبرع عاديا لـتتحول الأعضاء إلى قِــطع غيار تفـقد بذلك كرامتها. وليس من الأخلاق أن يُحرَّم التبرع على الإطلاق. وقد ترك الشارع مساحة رمادية إذ لم يُحِـط الحياة كلها بقيود وتشريعات تفصيلية صارمة. إنما جعل الأصل في الأشياء الإباحة إلى أن يظهر دليل المنع واضح الدلالة. بين هذا وذاك تظل كرامة الإنـسـان هي قطب الرحى أينما وُجدت هناك تكمن حكمة الشرع. فإن استطعت أن تُوصِل بين أجزاء هذه الحلقـة المفرغة: تعريف موت الدماغ، وضمان أخلاقيات الاحتضار وعملية سرعة نقل العضو ستعرف جواب السؤال المطروح: هل سـتـتـبرع بأعضائك بعد وفاتك؟

 

سعيد أبجطيط