في نفس السياق، وعرضا لباقي حلقات السلسلة، يجدر التذكير بإصرار على أن التلازم يبقى قائما بين انعدام المساءلة والاستبداد والتواطؤ والعمالة.. ويشتبك المشهد ويلتبس الأمر حتى يختلط بين المولّد والناتج، فيصبح السبب نتيجة، وتمسي النتيجة سببا،، وهكذا..

ونستمر في التدليل على هذا بإيراد ما توفر من أمثلة وقرائن وشواهد بين ثنايا هذه الكنطونات المسماة زورا دولا عربية,, نعرّض بما يسمونها "مؤسسات" وما هي في الحقيقة سوى أدوات بين مخالب المستبدين العملاء لأسيادهم وراء البحار، وأعوانهم الراضين بالفتات المنفلت بين شقوق الموائد: تحالف أردى البلدان من أعلى كيان كمؤسسة الدولة إلى أدنى كائن كمواطن فرد بسيط..

والنتيجة أن -على سبيل الذكر لا الحصر- "دولا" تدار بالمزاجات العاطفية،، وبئست "الدول" التي تعول على الانفعالات بدل الأفعال الممأسسة الخاضعة للقوانين المسطرة والهيآت الرسمية الكفيلة بالإلزام والمراقبة والمحاسبة..

كيانات توزع الهبات والعطايا على إفريقيا وأوربا وأمريكا،، وملايين الفقراء ومئات آلاف المحرومين، وعشرات آلاف المشردين من مواطنيها داخل حدودها،، وتقوم ببناء المستشفيات ومنشآت البنية التحتية في أدغال إفريقيا،، وتترك نساءها يلدن فوق الأرصفة أو أظهر الدواب، والمرضى ينقلون في النعوش والموتى في شاحنات القمامة!!!..

كيانات لها قدرة فائقة على استخدام أحسن وأبدع وأفيد ما برعت فيه الحضارة البشرية، ألا وهو تدوير النفايات، وذلك لما فيه من آثار فارقة على البيئة، وكذا ما يحتويه من ادخار للموارد النافذة...

لكن العرب، ولأنهم لا يحسنون حتى مجرد التقليد بله الإبداع، فقد أسقطوا التدوير المذكور على النفايات السياسية ذات الأثر التدميري على الكون ككل بكل مكوناته وأبعاده..

وهكذا، ولأنهم قد ميعوا -حد إفقاد أدنى قدر من الثقة والمصداقية- جميع المؤسسات بما فيها الوسيطة التي يمكن أن تكون واقيا عند حدوث الصدمات، ولربح حيز إضافي من الزمن المشارف على الانتهاء، "يبدعون" في استخدام مبدأ وتقنية التدوير، فيلجؤون إلى خلق آمال من ورق يروجونها كبديل ومنقذ من الردى والتردي المنظور في الفترة المقبلة،، ولو إلى أجل..

فمرة يصيغون الكرطون في شكل حزب، ومرة على هيأة شخص، وأخرى في صورة قانون، وموالية على شكل مبادرة... وفي كل مكون يغيرون الجلد.. فيعبثون مرة بالعقيدة، ومرة بالمذهب، وأخرى بالإيديولوجيا، وتالية بالموضة... لكنهم يتناسون أن "الأيام اكثر من البصل"..

إن سياسات الإلهاء، والهروب إلى الأمام، والتحالف مع الأشباح من أجل قطع الطريق على المطالبين بالحقوق، قد تطيل الوضع برهة، لكنها أكيدا لن تحل المشكل، ولن تترك المتنعمين يتنعمون إلى ما لا نهاية، والمحرومين محرومين إلى ما لا نهاية،، إن النهاية قريبة..

إن تدوير النفايات بـ 50 غرام بهارات لم ينقذ الموقف ولن يأتي بالنتيجة المرجوة ولو في حدودها الدنيا، وعليه جار تحضير الخلطة أو الوصفة البديلة، والتي يقينا لن يدوم مفعولها أكثر من سابقاتها..

كيانات تتفاخر بقرون من الوجود وتغرق في عجز مطلق في كل المجالات، لا خير فيها،، ولا أمل يرجى منها..



 سعيد المودني