ﺑﻌد أن ﻛﺎﻧت اﻟدوﻟﺔ ﺗﺣﺗﻛر وﺗﺳﯾطر ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺗﺻﺎد ﻣن ﺧﻼل ﺗدﺧﻠﮭﺎ اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ ﺗﻧظﯾم ھذا اﻟﻘطﺎع، ﻓﻘد أﺿﺣت ﺗﺣرر هذا المجال اﻟﺣﯾوي ﻟﻠﺧواص، ﻣﻣﺎ ﻓرض ﻋﻠﯾﮭﺎ أن ﺗطور وﺳﺎﺋﻠﮭﺎ اﻹدارﯾﺔ اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ، وﺗظﮭر ﻓﻲ ﺻورة ﺟدﯾدة، ھﺎﺗﮫ اﻟﺻورة اﻟﺟدﯾدة ھﻲ اﻟﺳﻠطﺎت اﻹدارﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ، وﻓﻲ ﺻورﺗﮭﺎ اﻷﺑرز ﺳﻠطﺎت اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي، اﻟﺗﻲ ظﮭرت ﻓﻲ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘرن 19 ﻛﮭﯾﺋﺎت ووﻛﺎﻻت، ﺛم ﺑﻌد اﻷزﻣﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻟﺳﻧﺔ 1929 كمفهوم الضبط الاقتصادي الذي تم تأصيله في فرنسا من طرف مجلس الدولة.

ظﮭور ھذا اﻟﻣﻔﮭوم ﻟﯾس ﻣرده ﻓﻘط إﻟﻰ ﺗﺣرﯾر اﻟدوﻟﺔ ﻟﻠﻘطﺎع اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ورﻏﺑﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺗدﺧل ﻓﯾﮫ ﺑوﺳﺎﺋل أﺧرى، ﺑل ﻛذﻟك إﻟﻰ ﺗﻌﻘد ھذا اﻟﻘطﺎع ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻷﺧﯾرة، ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ ھﯾﺋﺎت ﻣﺗﺧﺻﺻﺔ تُبَرِّر ﺗﺣرﯾر اﻟدوﻟﺔ للاقتصاد ورﻏﺑﺗﮭﺎ ﻓﻲ تدبيره ﺑوﺳﺎﺋل أﺧرى، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﻘده، ﺣﯾث ﺗﻘوم ھﺎﺗﮫ اﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺑﺿﺑط ﻣﺟﺎﻻت ﻣﺗﻌددة داﺧل اﻟﻘطﺎع اﻻﻗﺗﺻﺎدي.

هذه اﻟﮭﯾﺋﺎت أو اﻟوﻛﺎﻻت أو اﻟﻣﺟﺎﻟس أو اﻟﺳﻠطﺎت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ، ﯾﻧص اﻟﻣﺷرع ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺗﮭﺎ، إذ ﻻ ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻠﺗﺳﻠﺳل اﻹداري اﻟﮭرﻣﻲ، وﯾﺣدد اﻟﻣﮭﺎم اﻟﺗﻲ ﺗﺿطﻠﻊ ﺑﮭﺎ. إذ دﻓﻊ تَبَنِي اﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟﮭذا اﻟﻣﻔﮭوم اﻟﺟدﯾد، ﺑﺎﻟﺑﻌض إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﻣﯾﻼد ﻓرع ﻗﺎﻧوﻧﻲ ﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻻﻗﺗﺻﺎدي: ھو ﻗﺎﻧون اﻟﺿﺑط.

ﻓﺄﺻﺑﺣت اﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت ﺑﯾن اﻟﻔﯾﻧﺔ واﻷﺧرى ﺗﺗدﺧل، إﻣﺎ ﻹدﺧﺎل ﺗﻌدﯾﻼت ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺎت ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة، وإﻣﺎ ﻟﺧﻠق ھﯾﺋﺎت ﺟدﯾدة ﻟﺿﺑط ﻗطﺎع ﺑرزت أھﻣﯾﺗﮫ. ﻓﺑﻌد أن ﻛﺎن ﻋددھﺎ ﻗﻠﯾﻼ، ﺻﺎر اﻟﯾوم ﻓﻲ ﺗزاﯾد ﻣﻠﺣوظ.

ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻟﻣﻐرﺑﻲ ﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ، وﺑﺎﻟﺧﺻوص ﻓرﻧﺳﺎ، ﺣﯾث أدﺧل ﻓﻲ اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻋﻘود اﻷﺧﯾرة اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻣن أھﻣﮭﺎ اﻟﮭﯾﺋﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻟﺳوق اﻟرﺳﺎﻣﯾل وﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ.

ﻣن ھﻧﺎ ﺗﺑرز أھﻣﯾﺔ هذه السلطات، ﻓﺎﻷﻣر ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻣﻔﮭوم ﺟدﯾد ما زال اﻟﺟدل ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺄﺻﯾﻠﮫ اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ المفاهيمي. ﻓﺎﻷھﻣﯾﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ، إذن، ﺗﺑرز ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ إرﺟﺎع اﻟﻣﻔﮭوم ﻟﺟذوره اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ لتأصيله ووﺿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﺧﺎﻧﺔ اﻟﻣﻔﺎھﯾﻣﯾﺔ اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ.

أﻣﺎ ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ، ﻓﻠﺳﻧﺎ ﺑﺻدد دراﺳﺔ ﻧﺻوص ﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ﺟﺎﻣدة، ﺑل ﻟﮭﺎ اﻣﺗداد ﻣؤﺳﺳﺎﺗﻲ ﻣن ﺧﻼل اﻟﮭﯾﺋﺎت واﻟﻣﺟﺎﻟس اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻟﺳﻠطﺎت اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ﺣﯾث ﺳﻧﺣﺎول إﺑراز دور ھﺎﺗﮫ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﻓﻲ ﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎد، ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻﻼﺣﯾﺎت واﻻﺧﺗﺻﺎﺻﺎت اﻟﺗﻲ ﺧوﻟﮭﺎ اﻟﻣﺷرع ﻟﮭﺎ.

المطلب الأول: سلطات الضبط الاقتصادي بين المفهوم والنشأة

ﺳﻠطﺎت اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي ھﻲ آﻟﯾﺎت ﺟدﯾدة ﻟﻣواﻛﺑﺔ اﻟﺗطور اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻟﻠدوﻟﺔ، اﻟﺗﻲ ﻟم تبق ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻣن ﺣﯾث وﺳﺎﺋﻠﮭﺎ، ﺑل ﺳﻌت إﻟﻰ ﺧﻠق ﺳﻠطﺎت ﺟدﯾدة ذات طﺑﯾﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻘوم ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺿﺑط.

ﻟذا ﺳﻧﺣﺎول ﺑدءا ﺗﻌرﯾف ﻣﻔﮭوم اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻟﺗﺿﺎرب اﻟﻘﺎﺋم حوله، ﺛم ﺳﻧﻛﻣل ﺗﺣدﯾد ﻣﺎھﯾﺔ ھذا اﻟﻣﻔﮭوم ﺑﺎﻟﺗطرق لظروف نشأته وولادته.

الفقرة الأولى: التضارب حول مفهوم سلطات الضبط الاقتصادي

ﯾﻌﺗﺑر ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي La régulation économique ﺣدﯾث اﻟظﮭور ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ، ﺣﯾث ﻧﺟده ﻓﻲ ﺧطﺎب اﻟﻣﺳؤوﻟﯾن اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن ﻋن اﻟﻘطﺎﻋﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ، وﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻣراﻓق اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ. ﻓﺎﻟﻣﻔﮭوم ﻧﺷﺄ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﺛم أﺿﺣﻰ ﻣﻔﮭوﻣﺎ ﻗﺎﻧوﻧﯾﺎ ﺗؤطره اﻟدول بقوانين في إطار ما أصبح يعرف في التشريعات المقارنة بقانون الضبط la régulation Le droit de.

مصطلح الضبط The régulation من أصل إنجليزي، يعود ظهوره إلى سنة 1933 بمناسبة ما سمي بالمعطى الجديد، وهذا مباشرة بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 1929، والتدهور الكبير الذي عرفه الاقتصاد العالمي، أين ظهرت الحاجة إلى وضع مجموعة من الهيئات من أجل رقابة اﻟﺳوق والسير الحسن للمنافسة، ومن ثمة تفادي الوضعيات الاحتكارية، فظهرت ضرورة إبداع هيئات قادرة على تأطير السوق، فتم إنشاء السلطات الإدارية المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية.

مصطلح الضبط régulation قد يلتبس مع مصطلح التنظيم réglementation، الأكيد أنهما ليسا ﺑﻣﺗرادﻓﯾن، ﺑل إن اﻟﻣﻔﮭوم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗد ﯾﻧظر إليه ﻛﺷﻛل ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺿﺑط. ﺑل إن ھﻧﺎك ﻣن اﻋﺗﺑر أن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺿﺑط ﯾﺗم القيام ﺑﮭﺎ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻣﻠﯾﺗﻲ اﻟﺗﻧظﯾم واﻟﻣراﻗﺑﺔ. ﻛﻣﺎ أنه ﯾﻣﻛن اﻋﺗﺑﺎر ﻛل ﻣﻔﮭوم ﻣﺳﺗﻘل ﻋن اﻵﺧر، إذ اﻟدوﻟﺔ ﻛﺎﻧت ﺗﺗدﺧل ﺑوﺳﺎﺋﻠﮭﺎ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﺗﻧظﯾم اﻟﻘطﺎﻋﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺣﺗﻛرھﺎ، ﻟﻛن ﺑﻌد ﺗﺣرﯾرھﺎ ﻟﮭذا اﻟﻘطﺎع أﺿﺣت ﺗﻘوم ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺿﺑط ﻣن ﺧﻼل ھﯾﺋﺎت إدارﯾﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ.

ﻛﻣﺎ ﯾﻧﺑﻐﻲ اﻟوﻗوف ﻋﻧد ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟذي ﻣﺎ يفتأ اﻟﻣﺷرع اﻟﻣﻐرﺑﻲ ﯾﺳﺗﻌﻣﻠﮫ ﻛﻣرادف ﻟﻣﺻطﻠﺢ Régulation، واﻟﺣﺎل أن ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﻘﻧﯾن ﻣن اﻟﺟذر اﻟﻠﻐوي ﻗﻧن، أي وﺿﻊ ﻗواﻧﯾن، أﻣﺎ ﻣﺻطﻠﺢ ﺿﺑط ﻓﮭو اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﮫ اﻟﯾوم ﻓﻲ اﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ، إذ ﯾﻌﻧﻲ ﻗﯾﺎم اﻟدوﻟﺔ ﻣن ﺧﻼل ھﯾﺋﺎت ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ بالرقابة والحكامة في اﻟﻣﺟﺎل اﻻﻗﺗﺻﺎدي.

ﺑﺎﻟﻌودة ﻟﻠدﺳﺗور اﻟﻣﻐرﺑﻲ ﻟﺳﻧﺔ 2011، ﻧﺟد اﻟﻣﺷرع اﻟدﺳﺗوري ﻓﻲ اﻟﻔﺻل 165 منه اﻟذي ﯾﻌﻧوﻧﮫ بـ "ھﯾﺋﺎت اﻟﺣﻛﺎﻣﺔ اﻟﺟﯾدة واﻟﺗﻘﻧﯾن"، ﻟﻛن ﺑﺎﻟرﺟوع ﻟﻠدﺳﺗور ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻧﺟده ﯾﻌﻧون ﻧﻔس اﻟﻔﺻل بـ:Les instances de bonne gouvernance et de régulation.

ﺛم ﯾﻌود اﻟدﺳﺗور وﯾﺳﺗﻌﻣل ﻣﺻطﻠﺢ ﺿﺑط ﻓﻲ اﻟﻔﺻل 166 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ اﻟذي ﺟﺎء فيه: "...ﺧاﺻﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺗﺣﻠﯾل وﺿﺑط وﺿﻌﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺳواق...".

واﻟظﺎھر أن ھذا اﻻﺳﺗﻌﻣﺎل ﻏﯾر اﻟﻣﺗطﺎﺑق ﺑﯾن اﻟﻧﺻﯾن ﻓﻲ اﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ، ﻻ ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ اﻟوﺛﯾﻘﺔ اﻟدﺳﺗورﯾﺔ ﺑل ﯾﻣﺗد ﻟﻠﻌدﯾد ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﻧظﻣﺔ ﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ﺣﯾث ﺟﺎء ﻓﻲ دﯾﺑﺎﺟﺔ اﻟﻘﺎﻧون 77.03 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري اﻟﺻﺎدر ﻓﻲ3 ﻓﺑراﯾر2005 ﻣﺎ يلي: "وﯾﺿﻊ ھذا اﻟﻧص اﻹطﺎر اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ اﻟذي ﯾﺣدد اﻟﻘواﻋد اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺿواﺑط اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟراﻣﯾﺔ إﻟﻰ ھﯾﻛﻠﺔ وﺗﻘﻧﯾن ﻗطﺎع اﻻﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري، ﺑﻐﯾﺔ ﻣواﻛﺑﺔ اﻟﺗطورات اﻟﻣﺗﻌددة واﻟﺗﺣوﻻت اﻟﺳرﯾﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌرﻓﮭﺎ ﺣﻘل اﻻﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ البصري.

أما في الصيغة الفرنسية لنفس القانون ‘Ainsi, ce texte fixe le cadre juridique qui détermine les principes généraux et les mécanismes essentiels nécessaires à la restructuration et à la réglementation du secteur audiovisuel pour qu’il soit plus en phase avec les développements multiples et les transformations rapides que connaît le paysage audiovisuel’

ﻛذﻟك اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 24-96 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺑرﯾد واﻟﻣواﺻﻼت اﻟﺻﺎدر ﻓﻲ 7ﻏﺷت 1997، اﻟذي ﺟﺎء ﻓﻲ مادته 27 ﻣﺎ ﯾﻠﻲ : "ﺗﺣدث ﻟدى اﻟوزﯾر اﻷول ﻣؤﺳﺳﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﺣت اﺳم "اﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟﻣواﺻﻼت" ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ وﺑﺎﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺎﻟﻲ." أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻓﯾﺳﻣﯾﮭﺎ اﻟﻘﺎﻧون: Agence nationale de réglementation des télécommunications.

ﻓﻣن ﺧﻼل اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾن أﻋﻼه، ﯾﺗﺿﺢ أن اﻟﻣﺷرع اﻟﻣﻐرﺑﻲ ﯾﺳﺗﻌﻣل ﻣﺻطﻠﺢ ﺗﻘﻧﯾن ھذه اﻟﻣرة ﻛﻣﺻطﻠﺢ ﻣطﺎﺑق لـ réglementation، واﻟﺣﺎل أن ھذا اﻻﺻطﻼح اﻷﺧﯾر ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗﻧظﯾم وﻟﯾس اﻟﺗﻘﻧﯾن، ﻟﻛن اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻷدق ھو اﻟﺿﺑط.

أﻣﺎ ﺑﺧﺻوص ﺗﻌرﯾف ﻣﻔﮭوم ﺳﻠطات اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ﻓﻧﺟد ﻣﺟﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻗد أورد اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت، ﺣﯾث ﻋرﻓﮭﺎ بكونها: "ﺳﻠطﺔ اﻟﺿﺑط ھﻲ وﺳﯾط ﺑﯾن اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻊ اﻟﻘواﻋد وﺑﯾن اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن ﻓﻲ اﻟﻘطﺎع، واﻟﺗﻲ ﺗﻘوم أﺳﺎﺳﺎ ﺑﻣراﻗﺑﺔ ﺗطﺑﯾق اﻟﻘواﻧﯾن، وفي ﺣﺎﻟﺔ ﺧرﻗﮭﺎ ﺗﺗدﺧل ﻓورا لتطبيقها".

كذلك عرفها بأنها: "مجموعة من الآليات المتضافرة فيما بينها لتنظيم أو الحفاظ على التوازن الاقتصادي في القطاعات التي ليس لها القدرة والوسائل لتقوم هي نفسها بذلك..".

اﻟﺿﺑط، إذن، ﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻘطﺎع اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ﻓﺑﻌد أن ﻛﺎﻧت اﻟدوﻟﺔ ﺗﺣﺗﻛر ﺗﻧظﯾم ﻗطﺎع اﻻﻗﺗﺻﺎد، ﻟم ﺗﻛن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ حينها ﻟﺧﻠق ھﯾﺋﺎت الضبط، ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ. وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى، ﻓﺈن ﻘطﺎع اﻻﻗﺗﺻﺎد أﺿﺣﻰ ﻣﻌﻘدا ﺑﻌد ﺗﺣرﯾره ﻣن طرف اﻟدوﻟﺔ، ﻓﻌﺟزت الأخيرة ﻋن اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻣﮭﺎﻣﮭﺎ ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋل اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻺدارة والتدبير.

الفقرة الثانية: نشأة سلطات الضبط الاقتصادي

يعود ظهور سلطات الضبط المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى عام 1889، والتي تعرف بالوكالات المستقلة Agencies independants أو لجان الضبط المستقلة Independants commission regulatory بإنشاء لجنة التجارة من طرف الكونغرس والتي هي تحت تسمية Commission commerce interstate، إلا أنها أنشئت في البداية كسلطة تنفيذية خلال سنة 1887، والتي تدعى بالوكالة التنفيذية Agency executive، وبعد مرور سنتين أصبحت سلطة ضبط مستقلة.

فالملاحظ أن هاته الهيئات ظهرت قبل التأصيل لمفهوم الضبط الاقتصادي، هذا المفهوم الذي برز بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 1929.

وتتعدد الوكالات المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تبلغ اليوم حوالي 57 سلطة نذكر منها: اللجنة الفيدرالية للتجارة ولجنة ضبط الطاقة النووية ولجنة الأمن والصرف واللجنة الفيدرالية للاتصالات.

أما في فرنسا فكانت أول لجنة تم إنشاؤها في فرنسا والتي يمكن تصنيفها كسلطة إدارية مستقلة، هي لجنة الرقابة على البنوك التي تم إنشاؤها في عام 1941، وثاني لجنة عام 1950، وهي اللجنة المشتركة المتعادلة للتمثيل والإعلانات ومكاتب الصحافة، ولقد شهد عام 1975 بداية الانطلاقة الحقيقية لسلطات الضبط الاقتصادية حيث تم في الفترة الممتدة من عام 1975 إلى 1987 إنشاء حوالي 13 منظمة تنتمي إلى السلطات الإدارية المستقلة.

أما اليوم، فعدد الهيئات المستقلة في فرنسا هو 34 سلطة ضبط مستقلة منها: مجلس المنافسة واللجنة المصرفية ووسيط الجمهورية ولجنة ضبط للطاقة. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد أعد مشروع قانون سنة 2015، تمت المصادقة عليه رسميا بعد ذلك، يتعلق بسلطة ضبط الاتصالات الإلكترونية والبريد، إذ أصبح الأمر يرتبط بالضبط الإلكتروني والرقمي.

وبالمغرب، فقد نشأت هيئات مستقلة للضبط الاقتصادي في العقد الأخير من القرن 20، حيث أنشئت الهيئة المنظمة لسوق الرساميل –مجلس القيم المنقولة سابقا- سنة 1993 التي ستصبح الهيئة المغربية لسوق الرساميل سنة 2013، ثم الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 1997، لتتعد بعد ذلك الهيئات المستقلة بالمغرب كمجلس المنافسة في سنة 2014، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في سنة 2005.

المطلب الثاني: الأساس التنظيمي لسلطات الضبط الاقتصادي

ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺧطﺄ اﻟﻣﻔﺎھﯾﻣﻲ اﻟذي ﺳﻘط ﻓﯾﮫ اﻟﻣﺷرع ﻓﻲ إطﺎر ﺗﺑوﯾب اﻟﻔﺻول ﻣن 165 إﻟﻰ 167 ﻣن اﻟدﺳﺗور اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺿﺑط ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ، اﻟﻣﻼﺣظ ھو أن ﻧﻔس اﻷﻣر وﻗﻊ فيه اﻟﻣﺷرع ﻣﺟددا، ﺣﯾث أﻧﮫ ﺑﺎﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﯾﺳﻣﻲ اﻟﮭﯾئة اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻟﻼﺗﺻﺎل السمعي اﻟﺑﺻري ﺑﻣﺻطﻠﺢ اﻟﮭﯾئة، ﻟﻛن ﺑﺎﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ autorité، واﻷﻣر ﻧﻔسه ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻔﺻول 166 و167 ﻣن اﻟدﺳﺗور، ﻓﻣﻔﮭوم اﻟﺳﻠطﺔ اﺻطﻼﺣﺎ ھو ﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻘرﯾر واﻟﺗﻧﻔﯾذ، أﻣﺎ اﻟﮭﯾئة ﻓدورھﺎ اﺳﺗﺷﺎري دون أن تمنح لها مساحة ﺗﻘرﯾرية غالبا.

وﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إلى أن اﻟﻣﺷرع ﻗد اﺳﺗدرك اﻷﻣر ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 20.13 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ، ﺣﯾث ﯾؤﻛد ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﯾﻌﺗﺑر ﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ھﯾئة ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻣﻛﻠﻔﺔ ﻓﻲ إطﺎر ﺗﻧظﯾم ﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﺣرة وﻣﺷروﻋﺔ ﺑﺿﻣﺎن اﻟﺷﻔﺎﻓﯾﺔ واﻹﻧﺻﺎف ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺗﺣﻠﯾل وﺿﺑط وﺿﻌﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺳواق، وﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أﻛد ﻋﻠﻰ ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺿﺑط ھذه اﻟﻣرة ﺑﺈﺷﺎرة ﺻرﯾﺣﺔ.

ﺑﻘﻲ أن نتطرق، وﺑﺗﻔﺻﯾل، ﻟﻺطﺎر اﻟﺗﻧظﯾﻣﻲ ﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﺿﺑط الاﻗﺗﺻﺎدي، ﻛﻲ ﻧﺣﯾط بطبيعة ھذا اﻟﻣﻔﮭوم اﻟﺟدﯾد.

الفقرة الأولى: طبيعة سلطات الضبط الاقتصادي

تنقسم سلطات الضبط المستقلة إلى سلطات ذات طابع إداري وأخرى ذات طابع اقتصادي –تجاري-، وليس خطأ أن نستعمل عبارة –سلطات الضبط المستقلة- للدلالة على السلطات الإدارية المستقلة، لكن العكس ليس صحيح لأن العبارة الأولى أشمل من الثانية، فإضافة إلى وجود سلطات ذات طابع إداري، نجد أيضا سلطات ذات طابع اقتصادي.

فمجلس الدولة الفرنسي قد أضفى الطابع الإداري على هاته السلطات، إذ يسميها السلطات الإدارية المستقلةLes autorités administratives indépendantes، ويعتبر الضبط الاقتصادي شكلا من أشكالها.

فإضفاء الطابع الإداري على هاته الهيئات مرده إلى أمرين:

أولا: من حيث طبيعة الوظائف المسندة لسلطات الضبط، مثلا مجلس المنافسة، تعتبر الأعمال التي يقوم بها، من أجل السهر على تطبيق قواعد المنافسة في السوق والعمل على احترامها والتي تتخذ شكل قرارات إدارية إلزامية، بمثابة أعمال إدارية، كانت تؤول من قبل إلى وزير المالية.

ثانيا: من حيث خضوع الأعمال الصادرة عنها لرقابة القضاء الإداري، حيث يرى مجلس الدولة الفرنسي أن تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في الطعون المقدمة لبطلان قرارات هذه السلطات يعتبر معيارا للتأكد من تمتع هذه الأخيرة بالطبيعة الإدارية، وتجعل من قضاء الإلغاء القادر وحده على خلق التوازن بين الرقابة الزجرية لهذه السلطات من جهة، وضرورة حماية الفاعل الاقتصادي من جهة ثانية.

وفي ما يتعلق بسؤال الاستقلال وسلطات الضبط الاقتصادي، واستنادا إلى ما ذكرناه أعلاه، لا يمكن إلا أن نُقر باستقلاليتها التامة –نظريا-، وكونها خروجا عن الشكل العادي للإدارة. إلا أنه واقعا، خصوصا على مستوى غموض الإطار القانوني المنظم لها، زيادة على الرقابة المالية التي تخضع لها، وأمام التمثيلية القوية للسلطتين التنفيذية والتشريعية على المستوى الهيكلي، نتساءل أكثر في موضوع الاستقلالية، رغم الحديث القائم كونها تخضع فقط للرقابة القضائية على مستوى قراراتها الإدارية، بناء على كونها ملزمة بتعليل جميع ما تتخذه من اجراءات وتدابير، ما يجعلها خاضعة فقط لرقابة القاضي الإداري على مستوى الإلغاء.

الفقرة الثانية: السياق القانوني المؤطر لسلطات الضبط

أﻣﺎ بخصوص اﻹطﺎر القانوني ﻟﺳﻠطﺎت الضبط اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ﻻ ﺑد ﻣن اﻟﺗذﻛﯾر بأﻧﮭﺎ ﺟﺎءت ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﻓﻘط على مستوى النص الدستوري. وﺑﺎﻟرﺟوع ﻟﻠﻧﺻوص اﻟﻣﻧظﻣﺔ ﻟﮭﺎ، ﻧﻼﺣظ أﻧﮫ ﻟﯾس ھﻧﺎك ﻗﺎﻧون ﻣوﺣد ﻣﺣدث ﻟﮭﺎ، ﺑل ﯾﺧﺗﻠف أﺳﻠوب إﺣداﺛﮭﺎ ﺑﺎﺧﺗﻼف دورھﺎ ومجال تدخلها، إذ اﻷھم أنه ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ اﻟﺳﮭر ﻋﻠﻰ اﺣﺗرام ﻗواﻋد اﻟﺿﺑط والرقابة اﻻﻗﺗﺻﺎدية.

ﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر، ﻧﺟد أن ﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ أﺣدث ﺑﻘﺎﻧون 06.99 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺣرﯾﺔ اﻷﺳﻌﺎر واﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ اﻟذي ﺗم ﻧﺳﺧﮫ ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ﻗﺎﻧون 104.12، ثم بقانون رقم 20.13، وھو ھﯾئة ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺣرة وﻣﺷروﻋﺔ ﺑﺿﻣﺎن اﻟﺷﻔﺎﻓﯾﺔ واﻹﻧﺻﺎف ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺗﺣﻠﯾل وﺿﺑط وﺿﻌﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺳواق، وﻣراﻗﺑﺔ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻣﻧﺎﻓﯾﺔ ﻟﮭﺎ واﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻣﺷروﻋﺔ، وﻋﻣﻠﯾﺎت اﻟﺗرﻛﯾز اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺣﺗﻛﺎر، وﻣن ﺗﺟﻠﯾﺎت اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻣﺳﺗﻘل ﻟﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﺗﻣﺗﻌﮫ ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺎﻟﻲ، وھذا ﻣﺎ أﻛدت ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻔﻘرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 20.13 أﻧﮫ "ﯾﺗﻣﺗﻊ ﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻻﻋﺗﺑﺎرﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺎﻟﻲ".

ﻟﻛن ﺗﻣﺗﻊ ﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﺑﺎﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺎﻟﻲ، ﻻ ﯾﻣﻧﻊ ﺧﺿوﻋﮫ ﻟﻣراﻗﺑﺔ ﻣﺎﻟﯾﺔ ﺗﻣﺎرﺳﮭﺎ اﻟدوﻟﺔ ﻣﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ وزارة اﻻﻗﺗﺻﺎد واﻟﻣﺎﻟﯾﺔ، وذﻟك ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 69.00 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣراﻗﺑﺔ اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺷآت اﻟﻌﺎﻣﺔ وھﯾﺋﺎت أﺧرى، ﻛﻣﺎ ﯾﺧﺿﻊ ﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ إﻟﻰ رﻗﺎﺑﺔ اﻟﻣﻔﺗﺷﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻣﺎﻟﯾﺔ، وذﻟك طﺑﻘﺎ ﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟظﮭﯾر اﻟﺷرﯾف رﻗم 1.59.269 اﻟﺻﺎدر ﻓﻲ 14 أﺑرﯾل 1960، وﯾﺧﺿﻊ ﻛذﻟك ﻟرﻗﺎﺑﺔ اﻟﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺣﺳﺎﺑﺎت، وذﻟك طﺑﻘﺎ ﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻘﺎﻧون 62.99 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣدوﻧﺔ اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ، وطﺑﻘﺎ أﯾﺿﺎ ﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻔﻘرة اﻷﺧﯾرة ﻣن اﻟﻣﺎدة 15 ﻣن اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 20.13 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣﺟﻠس اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ.

أﻣﺎ في ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﮭﯾﺄة اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻟﺳوق اﻟرﺳﺎﻣﯾل، ﻓﻘد ﺗم إﺣداﺛﮭﺎ بموجب اﻟﻘﺎﻧون رقم 43.12 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﮭﯾﺋﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻟﺳوق اﻟرﺳﺎﻣﯾل ﺑﻌد أن كانت تسمى ﺑﻣﺟﻠس اﻟﻘﯾم اﻟﻣﻧﻘوﻟﺔ.

ﻛذﻟك ﻧﺟد اﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟﻣواﺻﻼت اﻟﺗﻲ تم إﺣداﺛﮭﺎ ﺑﻣوﺟب اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 24.96 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺑرﯾد واﻟﻣواﺻﻼت، ﻓﮭﻲ ﻣؤﺳﺳﺔ ﻋﺎﻣﺔ تحت اﺳم اﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟﻣواﺻﻼت، ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺎﻟﻲ اﺳﺗﻧﺎدا ﻟﻠﻣﺎدة 27 ﻣن اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟﻣواﺻﻼت، ﻟﻛﻧﮭﺎ ﻣﻊ ذﻟك ﺗﺑﻘﻰ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟوﺻﺎﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ، وﯾﻛون اﻟﻐرض ﻣن ھذه اﻟوﺻﺎﯾﺔ ﺿﻣﺎن ﺗﻘﯾد اﻷﺟﮭزة اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ ﻟﻠوﻛﺎﻟﺔ ﺑﺄﺣﻛﺎم ھذا اﻟﻘﺎﻧون، وﺧﺎﺻﺔ ﻛل ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﮭﺎم اﻟﻣﺳﻧدة إﻟﯾﮭﺎ، ﻛﻣﺎ ﺗﺧﺿﻊ اﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟﻣواﺻﻼت ﻟﻠﻣراﻗﺑﺔ اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ طﺑﻘﺎ ﻟﻠﺗﺷرﯾﻊ اﻟﺟﺎري ﺑﮫ اﻟﻌﻣل.

أﻣﺎ في ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﮭﯾئة اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻟﻼﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري، ﻓﮭﻲ ﺗﻌﺗﺑر ﻣؤﺳﺳﺔ دﺳﺗورﯾﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن وﺿﺑط ﻣﺟﺎل اﻻﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري، اﺳﺗﻧﺎدا ﻟﻠﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 11.15 اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺈﻋﺎدة ﺗﻧظﯾم اﻟﮭﯾئة اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻟﻼﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري، ﻛﻣﺎ ﺗﺗﻣﺗﻊ اﻟﮭﯾئة ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟﻣﺎﻟﻲ، وﺗﺗﺄﻟف ﻣن اﻟﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻼﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري، وﻣن اﻟﻣدﯾرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻼﺗﺻﺎل اﻟﺳﻣﻌﻲ اﻟﺑﺻري اﺳﺗﻧﺎدا ﻟﻠﻣﺎدة 2 ﻣن ﻧﻔس اﻟﻘﺎﻧون.

وﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إلى أن اﻟﻣﺷرع ﻟم ﯾﺿف اﻟﺻﺑﻐﺔ اﻹدارﯾﺔ ﻟﻛل اﻟﮭﯾﺋﺎت، ﺑل ﻓﻘط ﻟﻠوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣواﻧﺊ واﻟوﻛﺎﻟﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﺗﻘﻧﯾن اﻟﻣواﺻﻼت، اﻟﻠﺗين ﺗﻌﺗﺑران ﻣؤﺳﺳﺗﯾن ﻋﻣوﻣﯾﺗﯾن.

في ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺳؤال الاستقلالية وﺳﻠطﺎت اﻟﺿﺑط اﻻﻗﺗﺻﺎدي، ﻓﺣﺳب ﺗﺳﻣﯾﺔ ھذه اﻟﺳﻠطﺎت -ﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ أن نخلص ﺑﺄن اﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺗﮭﺎ نسبية -رغم تسميتها الخاضغة-، والمغامرة بالقول إنها ليست تابعة ﻟﺳﻠطﺔ ﻣن اﻟﺳﻠطﺎت، ﻷن ھذه اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﺗوﺣﻲ ﺑأن ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺳﻠطﺎت ﯾﺧرج ﻋن اﻟﻧطﺎق اﻟﻌﺎدي ﻟﻠﺳﻠطﺎت اﻹدارﯾﺔ اﻟﻌﺎدﯾﺔ، ﻓﮭﻲ تسوق بكونها ﺛورة ﺗﻘﻠب رأﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘب ﻛل اﻟﻣﻧطق اﻟذي اﻋﺗدﻧﺎه ﻓﻲ اﻟﺗﺳﯾﯾر اﻹداري، وﻓﻲ ﺿﺑط اﻟﮭﯾﺎﻛل واﻟﮭﯾﺋﺎت واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻹدارﯾﺔ، ﺣﺗﻰ أﻧﮭﺎ ﻗد ﺗﻌﺑر ﻋن ﺷﻛل ﺟدﯾد وﻣﻔﮭوم ﻣﺳﺗﺟد للرقابة.

وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن اﻟﻐﻣوض اﻟذي ما زاﻟت تكتسيه ھذه اﻟﺳﻠطﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ، وأﯾﺿﺎ اﻟرﻗﺎﺑﺔ اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺿﻊ ﻟﮭﺎ، إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺗﻣﺛﯾﻠﯾﺔ اﻟﻘوﯾﺔ للسلطة التنفيذية ﻓﻲ ھﯾﺎﻛل ھﺎﺗﮫ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت، أي ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﺷﻛﯾﻠﺔ ﻣن ﺧﻼل وﺟود ﻣﻣﺛﻠﯾن ﻋن اﻟﻘطﺎع وﻣﻣﺛﻠﯾن ﻋن السلطة التنفيذية، وأﯾﺿﺎ ﺗﻌدد اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻣؤطرة ﻟﮭذه اﻟﺳﻠطﺎت، ﯾﻌﯾد اﻟﺷك ﻓﻲ ﻣوﺿوع اﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ رﻏم اﻟﻧص اﻟﺻرﯾﺢ ﺑﺎﻻﺳﺗﻘﻼل ﻟﺑﻌض اﻟﻣؤﺳﺳﺎت.

في الختام، صحيح أن فعل التشريع عامة، لم تعد تَحكمه الضوابط القانونية فقط، بل أضحت الرؤى الاقتصادية محددا أساسيا. بمعنى آخر تجاوزا لطرح هوبس القائل بأن القانون تصنعه السلطة وليس الحكمة كما ذكر الأستاذ Gentot، ليؤكد هذا الأخير أن سلطات الضبط يمكنها نقض هذه الفكرة، إذا استطاعت بدعم ومراقبة القاضي، أن تصالح بين الحكمة والسلطة.

وقياسا على ذلك يمكن التساؤل كما فعل الأستاذ حسن طارق في مؤلفه –هيئات الحكامة في الدستور-، عما إذا كانت هيئات الحكامة الجيدة كما يفضل تسميتها، قد تُصالح بين الاستشارة وبين التمثيل، وبين وظيفة الضبط والتقنين وبين احترام الاختيار الديمقراطي، وبين الحكامة. ذلك هو السؤال المحدد في نظره!

 

سعيد اشتاتو