ترتكب الولايات المتحدة خطأ فادحا مقصودا حين تكتفي بموقف المتردد إزاء ما يجري في ليبيا.

ما تقوم به تركيا من تحشيد لجيوش مرتزقتها هناك يلقي بظلال من الشك على موقف الولايات المتحدة الذي قد لا يخرج عن نطاق مناكدة الروس الذين أفصحوا عن موقفهم المنحاز.

ذلك ما حدث في سوريا والآن نراه يتكرر في ليبيا وهو ما يعني بالضرورة أن البلد الذي يشهد حربا بين أطراف محلية سيكون في وقت قريب مأوى جديدا للارهابيين الذين لن تتخلص تركيا منهم عن طريق الزج بهم في الحرب الليبية حسب بل أنهم سيكونون أيضا أدواتها في أية تسويات سياسية، يمكن أن تقع على حساب الليبيين.

سبقت ليبيا الجميع إلى مصالحها في ذلك البلد النفطي. لا لأن اردوغان غرر بطرف ليبي هو حكومة الوفاق في طرابلس بل لأن ذلك الطرف كان مستعدا للقبول بصيغة التدخل التركي عن طريق التنظيمات الارهابية بسبب تركيبة القوات التي كانت قد استعملتها حكومة الوفاق في الدفاع عن بقائها وهي تركيبة يغلب عليها طابع التنظيمات العقائدية التي تعود في أصولها إلى تنظيم القاعدة. وليس وجود عبدالحكيم بلحاج باعتباره قائدا للمجلس العسكري في طرابلس ظاهرة استثنائية.

ليس مهما هنا التذكير أن بلحاج قد سبق وضعه على لائحة الارهاب الأميركية. هناك عشرات من أمثاله كانت حكومة الوفاق ولا تزال تعتمد عليهم في إدارة حربها التي لا تريد لها أن تتوقف.

لا يخيف خطر تحول ليبيا إلى سوريا ثانية تركيا وبالتأكيد أنه لا يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في موقفها.

غير أن ليبيا ليست سوريا من جهة الأطراف الدولية التي لم تعبر عن شعورها بالقلق إزاء ما يجري بل أنها عبرت عن استعدادها للتدخل إذا ما أصرت تركيا على النظر بطريقة أحادية إلى المسألة الليبية.

على الأقل هناك فرنسا ومصر. دولتان معنيتان بما يمكن أن ينتج عن التدخل التركي من تفش للإرهاب ستكون عواقبه وخيمة.

ليست روسيا وحدها في الجانب الآخر لكي تمارس الولايات المتحدة نوعا من الرضا عن الإزعاج التركي. هناك دول صديقة للولايات المتحدة يهمها أن لا يستمر ذلك الإزعاج وهو ما قد يشكل مصدر حرج بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يستعد للانتخابات. 

سيكون الرجل ملزما على الخوض في ما يُعتقد أنه ضوء أخضر، كان قد قدمه لتركيا لكي تستمر في تدخلها في الحرب الليبية. وهو تدخل استعملت فيه تركيا جيوشا من المرتزقة التي يُشك أن عددا كبيرا من منتسبيها هم أعضاء سابقون في تنظيم داعش الارهابي.

ذلك يعني أن ترامب قد ورط الولايات المتحدة في رعاية ودعم التنظيمات الارهابية وهو ما لا يمكن السكوت عليه بالنسبة لخصومه. سيكون ذلك الخطأ بالنسبة لفرنسا قضية محورية، يمكنها أن تضع من خلالها رئاسة ترامب على المحك من خلال إعلامها.

شيء من اللامعقول أن تتبع دولة عظمى مثل الولايات المتحدة دولة تسيطر على رئيسها أحلام القرون الوسطى في مشروع، يمكن أن يكون حاضنة جديدة للإرهاب.

ذلك ما يشكل فضيحة. ليس لترامب وحده ولا للولايات المتحدة وحدها بل للعالم الغربي كله. ذلك ما يحتم على دول حلف الناتو أن تحاول انقاذ الموقف. فما من شيء أسوأ بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي أن يكون موقفها من الارهاب مصدرا للإختلاف مع الولايات المتحدة.

فهل يمكن توقع استمرار الصمت الأميركي بذريعة إزعاج روسيا؟

ربما ستكون ليبيا مناسبة تؤكد من خلالها أوروبا على استقلالها عن الموقف الأميركي وبالأخص على مستوى النظر إلى الإرهاب. وهو ما يمكن أن يشكل بداية لمحور سياسي جديد لن تقوى تركيا على مقاومته.

فاروق يوسف