عرف مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية إسهابا واسعا من حيث تناوُله الأكاديمي، سواء عن طريق مقالات علمية أو ندوات ومنصات أكاديمية رافقت هذا المولود التشريع منذ بزوغه لحيز الوجود، والذي اتسم باختلاف وتضارب الرؤى كل من موقعه وبحسب زوايا النظر إليه بين مؤيد ومعارض؛ ليشكل مادة دسمة لكل مهتم بالدراسات القانونية أو الاجتماعية وغيرها، وهي ظاهرة جد محمودة لوضع قانون جديد تحت المجهر العلمي لبحث مدى إمكانية نجاعته عمليا أو على الأقل الإحاطة ببعض جوانبه؟ ولما لا التفكير في تبني بعض مبادئه وتحويلها من مادة للتطبيق فقط إلى مادة للتنظير الأكاديمي ذي الأبعاد الاجتهادية.

ورجوعا لمرسوم قانون رقم 292.20.2 الصادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020 ) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وخاصة المادة الرابعة منه والتي جاء فيها أنه: "يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيھا حالة الطوارئ الصحية، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليھا في المادة الثالثة أعلاه؛ يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شھر إلى ثلاثة أشھر وبغرامة تتراوح بین 300 و 1300درھم أو بإحدى ھاتین العقوبتین، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائیة الأشد؛ یعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفیذ قرارات السلطات العمومیة المتخذة تطبیقا لھذا المرسوم بقانون، عن طریق العنف أو التھدید أو التدلیس أو الإكراه، وكل من قام بتحریض الغیر على مخالفة القرارات المذكورة في ھذه الفقرة، بواسطة الخطب أو الصیاح أو التھدیدات المفوه بھا في الأماكن أو الاجتماعات العمومیة، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبیع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعیة أو البصریة أو الإلكترونية، وأي وسيلة أخرى ستعمل لھذا الغرض دعامة إلكترونیة".

فإذا كانت هاته المقتضيات المشار إليها بمثابة أرضية تشريعية مسعفة لفرض الامتثال لضوابط حالة الطوارئ الصحية على كل المخالفين لها، فإن توظيفها العلمي والعملي في بعض الأحيان استلزم فرض قراءة دقيقة بعيدة عن منطق التسرع أو الإسهاب الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالمرجعية الحقيقية للنص أعلاه وتأويله في غير ما أعد له.

ذلك أن تقاطع مرسوم هذا القانون -بين الحاجة إليه من باب تأمين الشرعية الجنائية واستهلاكه غير الممنهج- أدى إلى إفراز إشكالات جد عميقة غيرت المسار الصحيح الذي ابتغاه المشرع من سنه، إذ أثرت أغلب الدراسات والمساهمات العلمية بل وحتى بعض التغطيات الإعلامية أو الإحصائيات بإشاعة ما يسمى جريمة "خرق حالة الطوارئ الصحية" وجدت لنفسها موطئ قدم متسق أثرت على المفهوم الحقيقي لمبدأ "الشرعية الجنائية " الذي يرتكز أساسا على القاعدة الفقهية القائلة بكون أن" لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".

Principe de légalité En droit pénal, le principe de légalité des délits et des peines dispose qu on ne peut être condamné pénalement qu en vertu d un texte pénal précis et clair (en latin, Nullum crimen, nulla pœna sine lege, c est-à-dire « [il n y a] aucun crime, aucune peine, sans loi».

أي أن مصدر الصفة غير المشروعة للفعل هو نص القانون إذ يقال له فقها "أساس التجريم أو صك التجريم"، وهو في نظر القانون الجزائي يشمل قانون العقوبات والقوانين المكملة له، ذلك أن من شأن إعمال هذا المبدأ أن يرتب ما يلي:

1-حصر مصادر التجريم والعقاب في النصوص التشريعية (ومنه لا يمكن اعتبار المقررات التنظيمية أو الإدارية نصا جنائيا...)؛

2-الالتزام بالتفسير الكاشف للنص الجنائي، أي أن هناك حدودا يرتبط مسعاها برسم معالم وحدود لخلق الجريمة والعقاب واستبعادها من دائرة التشبيه؛

3-حضر القياس، ومعناه له ارتباط وظيفي عند إعمال النص القانوني من قبل القاضي الذي تنحصر مهمته في تطبيق النص لا في خلق نص جنائي، كما يمكن معه الاجتهاد في التفسير أو ظروف التخفيف مع مراعاة القاعدة الضيقة بالمجال الجنائي.

ومنه يمكن أن نتساءل هل هناك جريمة منصوص عليها بموجب مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية تحت اسم "خرق حالة الطوارئ الصحية"؟ وهل هناك أساس قانوني سليم لهاته التسمية –أصلا- بإعمال مبدأ الشرعية الجنائية الذي يعد مبدأً دستورياً لا يقبل التجزيء أو حتى الاستثناء؟

إلا أنه وبالرجوع لمرسوم هذا القانون مع الأسف الشديد لا نجده ينص -قطعاً- على أي جريمة اسمها "خرق حالة الطوارئ الصحية "بالجزم واليقين. وإنما نص صراحة على تجريم عدم التقید بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها بالمادة الثالثة من نفس القانون بصريح ما جاء في المادة الرابعة منه، مما يجعل الفعل المجرم تشريعا -بالاحتكام إلى حرفية النص القانوني- هو عدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية، طبقا للمادة الرابعة والثالثة من نفس المرسوم، وليس جريمة خرق حالة الطوارئ الصحية طبقا للمادة الرابعة، لأن القول بكون المشرع قد جرم وعاقب عن خرق حالة الطوارئ الصحية يوحي بمخالفة جميع أحكام مرسوم قانون حالة الطوارئ بجميع مواده، والحال أنه كان صريحا في تجريمه فقط لعدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية.

ولو كانت إرادة المشرع تنصرف لتجريم ومعاقبة كل من خالف أحكام مرسوم قانون حالة الطوارئ من ألفه إلى يائه، لكان قد نص على ذلك صراحة وأعفانا من الخوض في هذا النقاش حول مدى إعمال مبدأ الشرعية الجنائية، في ظل مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية الذي يفرض على الجميع الالتزام بضرورة عدم التوسع في قواعد التجريم والعقاب، بل يحضر أي قياس يمكن تصريفه بهذا الشأن، مما يجعلنا ملزمين بضرورة التنبيه لهاته النقطة التي أجدها في غاية الأهمية، انتصارا لشرعية النص لا غير، ومن باب تصويب بعض التوجهات التي تظل محمودة في باب إعمال هذا النص أو توظيفه العلمي أو غيره، وكذا لعدم الانسياق وراء بعض التسميات التي تبتعد عن القانون أو سيادة شرعيته إذا ما استحضرنا أن التسميات التشريعية جزء لا يتجزأ من المفهوم العام لمبدأ الشرعية الجنائية، الذي يرى فيه جانب كبير من الفقه أنه شرع لصالح المجتمع والمتهم على حد سواء.

بيد أن مبدأ الشرعية الجنائية يعد من المبادئ القائمة الذات وغير القابلة للتجزيء تتفرع عنه شرعية شكلية، وتهم ضرورة الحفاظ على الاصطلاحات القانونية، وشرعية إجراءات وهي المسطرة المتبعة في إعمال النص، ثم شرعية موضوعية تهم مضمون النص، فإذا كان من المقبول استساغة استعمال هذه التسمية كشكل من أشكال التداول المجتمعي أو الشائع، غير الذي لا يشترط فيه ضرورة التقييد بالاصطلاحات القانونية الصحيحة إلا أنه لا يمكن تداولها من الناحية القانونية تحت ذريعة الخطأ الشائع أو أي ذريعة أخرى، لا سيما أن من شأن الارتكان لها المساس بشرعية النص الجنائي الذي يعد مبدأ دستوريا .

 

شريف الغيام