من يكون حي سيدي يوسف بن علي؟ هل هو نحن؟ أبناؤه، في شتات الوطن؟ أم هو، كل القابضين على جمره، بين ساكن ومسكون، ومهاجر ومهجر، وسائح ومقيم؟

سيدي يوسف بن علي، المجال والتاريخ والديمغرافيا، والمقاومة.. كل ذلك وأكثر، هو سيدي يوسف بن علي!

المواليد الكثر، السابقون واللاحقون، وأجيال عرمرم من اليواقيت والحنايا، أشواق السنين الغابرة، (واد ايسيل) و(الماسي حدائق القصر) و(باب احمر) و(لكحيلي) و(سوق الربيع)، كلها مكائد الطفولة، ومفاتنها الوعرة، وشراشفها الغامضة، هي سيدي يوسف بن علي! وأكثر.. لو يعلمون؟!

هل يحتاج النص التاريخي إلى ملهم عبقري كبير، ليذكرنا، عمن يرى حيا بكامل هذا البهاء، وشامل تلك الصفات، كي ينضم إلينا، أخيرا، بين حدبة الماضي، واستعاداته الثاوية، وأسرار المتون الجديدة، التي قفزت إلى الزمن، مورقة ومتحلقة بالنوازل والأحداث والقضايا الشعبية الكبيرة؟

هل يكون الفتيان الظرفاء، المقامرون بوحشة الجائحة، نيرانها المصطلية في واجهة الجوع والعطش والمصير المجهول، منقادون في صراع الكذب، وتدجين الحقائق، وتوهيمها، وتحفيزها على التخمر في البديهية العاقرة، لا يدركون حجم الخسارات التي راكمتها حشود الأهالي في حي النضال الصعب، والتحدي الذي لا ينتهي، لمجرد سلطة كابحة، سرعان ما تزول بزوال سيدها المتنطع؟!

تلك الحشود التي استرخصت الأنفس والجسوم والملاذات الفئوية، كي تحفر عميقا في تاريخ قضية الكرامة، وقضية الوجود كله؟!

لا أعتقد. قطعا، لن يكون الفتيان الجحودون، الناقمون على الواقع الجديد لحي البواسل، قادرون على لم شعث التاريخ، أو قراءة جزء صغير من حواشيه الكثة والكاشطة! القاصمة لدهر ولى ودهور لاحقة!

إنهم صغار، في العمر، وفي سيرورة الحركة الزمنية، وفي قطائعها وأشراطها المعرفية، والثقافية، والإيكولوجية، والنفسية، والترابية.. إلخ، ولا يخمنون حتى، كيف يأكلون ثوم المرارة بأفواه اللقطاء!

ولهذا، هم لا يدركون حتما، ما يقصفون، وما يستبيحون، من عراء الحقيقة، أو لبسها وجنونها، سوى ما يخالونه تسفيها أو توتيرا لمذهبيات يائسة، منغلقة، منقوصة ومتهافتة!

وأعجب، لو أن صمت أهل النخوة، ممن أحزنهم إفك القوم وأحقادهم، كان تجسيدا لمماحكة عابرة، أو نوعا من تحويل الصراع السياسي، مثلا، إلى بوق لترداد القشور والبقايا التافهة، مما تلوكه العوام وصبيانهم!

ماذا بعد، هل تقبلون، يا شباب سيدي يوسف بن علي، ويا أشاوس التاريخ المهضوم؟

أتقبلون، بأقل من نظر المجد الذي تكللته أزمنة حقيقة بالتفكيك وإعادة القراءة؟

نعم، سأقولها، وبملء الإرادة والعبارة، وكامل الحرية والعدالة، إن سيدي يوسف بن علي، تاريخا وأرضا وبشرا، كان ولا يزال جذوة للتغيير، وواجهة فارقة للتحولات الجيوسياسية، والاجتماعية والثقافية بمدينة سبعة رجال.

وإن ترسيخ الاعتقاد بتنقيه وتطهيره، من بواعث الفقر والبطالة والجهل، سبة على من يدعي ويزعم. بل إن الأمر لا يعدو أن يكون تقسيما يعكس العنصرية وتقويض السلم الاجتماعي، الذي لا يأتمن مواطنة المواطنين، ومساواتهم في الحقوق والواجبات.

ولا يمكن ترتيب هذه المداخل، دون تجسيرها على باقي قضايا المجتمع، في كلياته وتفصيلاته الدقيقة.

وليس من العقل في شيء، أن تتمذهب الفوارق الاجتماعية في ظرفية صعبة وشاقة كالتي نعيش قصتها راهنا، بكل مفارقاتها وتناقضاتها، ولا تقيس مواجع الناس ومآسيهم، وهي تخفي بين عوالقها أسئلة الكمون وتداعياته على المجتمع والإنسان.

إذ الذي كان الداعي لتحقير جزء من مدينة مراكش، هو نفسه القاصر على فهم خصوصية المدينة، قيمها وتاريخها، وحضورها الاعتباري، ومآلاتها في التنمية وتحقيق الطفرات، وصناعة الإنسان.

فهل نعي ما تحصده العقول الصغيرة، عندما تعزل نفسها، عن الانتماء للوطن، والاستنهاض بمقدراته الكلية، وتحويل انتصاراته إلى مبعث لتجسيد التلاحم والوحدة الوطنية ومواجهة صعاب الحياة، بيد واحدة وصوت واحد وصدر واحد.

 

مصطفى غلمان