بدأت الاحتجاجات المستمرة في الولايات المتحدة منذ أكثر من أسبوعين تقطف أولى ثمارها، وشرعت ولايات عدة في الاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين الذين مازالوا يخرجون بالآلاف إلى شوارع مختلف المدن الأمريكية احتجاجا على العنصرية.

واشتعلت شرارة الاحتجاجات بعد وفاة المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد أربعة عناصر من الشرطة في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا شمال البلاد، ما أثار موجة غضب واسعة طالبت بإصلاح أجهزة الشرطة وتقويض صلاحيات التدخل، وكذا دعم المجتمعات الهشة، خصوصا الأمريكيين من أصول أفريقية.

وتطالب الحركة الاحتجاجية الحالية بإبعاد عناصر الشرطة عن المؤسسات التعليمية، وإنشاء مجالس لمراقبة عمل الشرطة تتمتع بسلطة استدعاء عناصر الأمن الذين يشتبه في تورطهم بارتكاب انتهاكات، وكذا نزع سلاح الشرطة في التصدي للجرائم غير العنيفة.

ومع استمرار هذه الاحتجاجات للأسبوع الثالث، بدأت ولايات عدة تشرع قوانين تستجيب لبعض المطالب التي يرفعها المتظاهرون، فيما يتحرك الديمقراطيون بالكونغرس لسن قوانين تسير في الاتجاه ذاته.

تشريع في الكونغرس

على الصعيد الفيدرالي، يناقش مجلس النواب مقترح قانون قدمه الحزب الديمقراطي الذي يتمتع بالأغلبية في المجلس، يقوم بتقويض تدخلات أجهزة إنفاذ القانون، ويمنع أن تكون هذه التدخلات بناء على العرق أو الدين.

وبعد أن تعرض جورج فلويد للخنق من قبل شرطة مينيابوليس، فإن هذا المقترح يحظر على الشرطة خنق المشبه فيهم الذين يتم توقيفهم، كما يحظر على عناصر الأمن طرق البيوت دون التوفر على مذكرة قضائية، خصوصا في القضايا المتعلقة باستعمال المخدرات.

وفي الوقت الذي ينص فيه هذا المقترح على أن يتم الحد من استعمال المعدات العسكرية في أجهزة الشرطة، فإنه يفرض كذلك على وكالات إنفاذ القانون المحلية وعلى صعيد الولايات الإبلاغ عن استخدام القوة وفق بيانات مصنفة حسب العرق والجنس والإعاقة والدين والعمر.

وتفاعلا مع الجدل الدائر حول تواجد مجموعة من "التماثيل الكونفدرالية" التي تجسد شخصيات كانت تدافع عن العبودية في الولايات المتحدة، دعت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى إسقاط 11 تمثالا من هذه التماثيل في مبنى الكونغرس، قائلة في رسالة موجهة إلى اللجنة المشتركة لمكتبة الكونغرس إن "التماثيل يجب أن تمثل أعلى مثلنا كأمريكيين وما نطمح أن نكون كأمة، في حين إن هذه التماثيل تحيي الكراهية وليس التراث".

تحركات محلية

وتشهد البلاد تحركات أوسع على مستوى البرلمانات المحلية، وكذا بأقسام الشرطة في مختلف المدن، بغية تعديل القوانين في الولايات والمدن، وذلك استجابة لجزء من المطالب المرفوعة خلال هذه الاحتجاجات.

ففي الخامس من الشهر الجاري، أعلنت سلطات منهاتن بمدينة نيويورك أنها لن تتابع مئات المحتجين الذين تم اعتقالهم على خلفية خرق حظر التجول، في وقت أقر فيه المشرعون في الولاية خمسة قوانين، يحمل واحد منها اسم اريك غارنر، وهو مواطن أمريكي فقد حياته على يد الشرطة سنة 2014، يمنع خنق المشتبه فيهم الذين يتم توقيفهم من قبل الشرطة.

وسارت مدينة لوس أنجلس في ولاية كاليفورنيا في الاتجاه نفسه؛ إذ أعلنت أنها لن تتابع المحتجين قضائيا، وستخفض الميزانية المخصصة للشرطة بـ 150 مليون دولار واستثمارها في المجتمعات الهشة من السود.

أما في العاصمة الأمريكية واشنطن، فقد أقر مجلس العاصمة خلال الأسبوع الجاري قانونا يقضي بعدم توظيف عناصر الشرطة من الذين سبق أن قاموا بمخالفات في ولايات أخرى، وإلزام الشرطة بنشر الصور التي تلتقط بالكاميرات الجسدية، ومنعها من استعمال مهيجات كميائية أو الرصاص المطاطي ضد المتظاهرين الذين يحتجون بشكل سلمي.

وذكر جهاز الشرطة في مدينة دنفر بولاية كولورادو أنه أحدث تعديلا يمنع خنق الأشخاص، مع ضرورة إخبار عناصر الشرطة لرؤسائهم في أي وقت يشهرون فيه سلاحهم، وليس فقط حينما يطلقون النار، كما كان عليه الحال في السابق، في حين أعلنت مدينة كنساس، إحدى أكبر مدن ولاية ميسوري جنوب البلاد، اعتمادها على وكالة مستقلة للتحقيق في حوادث إطلاق النار التي تقوم بها الشرطة.

ترامب ومطالب المحتجين

ومقابل هذه التحركات، أبدى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معارضة لتقليص أي ميزانيات مخصصة لوكالات إنفاذ القانون، معلنا وقوفه إلى جانب أقسام الشرطة في جميع الولايات.

وخصص ترامب خلال الأسبوعين الماضيين حيزا من أجندته لاستقبال نقابات الشرطة، وشدد على وقوفه إلى جانبها وضد أي جهود لتقليص الميزانيات المخصصة لها، فيما أصدر بيانا، الأربعاء، يؤكد فيه أنه لن يغير أسماء قواعد عسكرية تحمل أسماء قادة كانوا يدافعون عن "حق البيض في امتلاك العبيد"، يصل عددها إلى 10 قواعد عسكرية.

وغرد الرئيس الأمريكي، في مناسبات عدة خلال الأيام الأخيرة، مدافعا عن قراراته؛ إذ قال، الأربعاء، إن القواعد المسماة باسم الجنرالات الكونفدراليين "أصبحت جزءا من التراث الأمريكي العظيم، وتاريخ النصر والحرية"، وفق تعبيره.

وأضاف: "قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتدريب ونشر أبطالنا على هذه الأراضي المقدسة، وفازت في حربين عالميتين. وبالتالي، فإن إدارتي لن تفكر أبدا في إعادة تسمية هذه المنشآت العسكرية الرائعة والأسطورية".