بعد تخريب تمثال تاجر رقيق في مدينة بريستول، لا يتوقف المتظاهرون ضد العنصرية في بريطانيا عند حد ما، إذ صاروا يستهدفون بقية رموز الماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، وذلك منذ أن بدأوا تحركاتهم المنبثقة من الاحتجاجات الأميركية على وفاة جورج فلويد.

وفي سياق إحياء ذكرى فلويد، الأميركي من أصل إفريقي الذي توفي اختناقاً على يد شرطي أبيض، تجمّع آلاف المتظاهرين مساء الثلاثاء في مدينة اكسفورد الجامعية حول تمثال سسيل رودس، السياسي الاستعماري الذي كان يعدّ قطباً في قطاع المناجم والناشط في القرن الـ 19 في جنوب إفريقيا على وجه الخصوص.

تشاركوا هناك في الهتاف "أسقطوه!" و"أنهوا الاستعمار"، وذلك قبل جلوسهم قبالة التمثال صامتين، يرفعون قبضاتهم لمدة 8 دقائق و46 ثانية، وهي المدة الزمنية التي قضاها فلويد تحت ركبة الشرطي.

واعتبر سيلفانس لاي (44 عاماً) أنّ "هذا التمثال انعكاس للذهنية الاستعمارية"، مشيراً خلال حديثه إلى فرانس برس إلى أنّه كان يفضّل بدلاً منه وجود نصب تذكاري للاسقف الاسود الجنوب إفريقي دسموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام.

وترافق ذلك مع إعداد عرائض عبر الانترنت، إحداها بعنوان "يجب أن يسقط رودس 2.0" جمعت 120 ألف توقيع حتى مساء الثلاثاء.

وتحت الشعار نفسه، جرى تنظيم حراك مماثل في 2016، ولكن من دون نجاح، إذ إنّ كلية اوريل التابعة لجامعة اكسفورد قررت في حينه الحفاظ على التمثال الذي يزيّن إحدى الواجهات.

ويعدّ رودس أحد مهندسي التوسع الاستعماري للامبراطورية البريطانية في إفريقيا الجنوبية. وثمة عبارة أدنى التمثال تكرّم هذا الرجل الذي أعطى جزءا من ثروته للجامعة.

وفي رسالة مفتوحة وجّهت إلى إدارة الجامعة، يتهم طلاب هذه المؤسسة بإخفاقها في التصدي "للعنصرية المؤسساتية".

وأشارت سوزان براون، رئيسة المجلس البلدي في أكسفورد، إلى أنّها طلبت من الجامعة سحب التمثال، معتبرة أنّ "الأفعال الرمزية تكون ذات أهمية في بعض الأحيان".

وكتبت ليلى موران، النائب العمّالي عن اكسفورد، في موقع تويتر أنّ "الوقت حان لنقاش وطني صريح حول الإرث الاستعماري في المملكة المتحدة"، لافتة إلى تأييدها إزاحة تمثال سسيل رودس "العنصري الأبيض الذي لا يمثل قيم اكسفورد في 2020".

ولا يعدّ النقاش حول الماضي الاستعماري للمملكة المتحدة جديداً، كما ثمة ضغوط قديمة تتعرض لها لندن من أجل إعادة أعمال شهيرة على غرار رسومات البارثينون الاثيني المعروضة في المتحف البريطاني في العاصمة.

ومنذ وفاة جورج فلويد، تضاعف الغضب. فالأحد، جرى إسقاط تمثال ادوارد كولستون، تاجر الرقيق في نهاية القرن ال17 الذي موّل عدّة مؤسسات في بريستول في جنوب-غرب انكلترا، ورماه المتظاهرون في المياه.

إزالة تمثال في لندن

وفي مقطع فيديو، قال رئيس الوزراء بوريس جونسون إنّه "يفهم" المتظاهرين، مشيرا إلى انّ وفاة جورج فلويد "أيقظت غضبا وشعورا بالظلم لا يمكن إنكاره"، وسط تنديده بالاعتداءات على الشرطة وبأعمال التخريب.

ويحذو آخرون في بريطانيا حذو الناشطين في اكسفورد. ففي منطقة دوكلاندز في لندن، أزيل وسط التصفيق والهتاف نصب لتاجر الرقيق روبرت ميليغان بواسطة رافعة، حسب فيديو نشر على موقع تويتر.

وقال رئيس البلدية العمّالي جون بيغو "علينا (...) الحديث حول ما يمكننا تعلمه مما يجري وحول كيفية جعل مجتمعنا أكثر تماسكاً".

تزامناً، جرى في ويلز إطلاق حملات تستهدف تماثيل تكرّم توماس بيكتون، الجنرال في الجيش البريطاني الشهير باتجاره بالرقيق في الكاريبي.

وفي أدنبره في اسكتلندا، يطرح تمثال لهنري دنداس، السياسي الذي سعى إلى تأخير إلغاء العبودية، أزمة. وكما هي الحال في أكسفورد، أعلن نواب محليون في كارديف وادنبره، تأييدهم إزالة هذه التماثيل.

وبالنسبة إلى صادق خان، رئيس بلدية لندن، فإنّ المتظاهرين ألقوا الضوء مجدداً على التعددية ضمن المجال العام. وقال في بيان يكشف تشكيل لجنة بالخصوص، "تماثيلنا، الأسماء الملحقة بطرقاتنا وفضاءاتنا العامة، تعكس عهدا مضى (...) لا يمكن للأمر أن يستمر".

وفي نهاية الأسبوع، استهدف متظاهرون تماثيل لوينستون تشيرشل، رئيس الوزراء المحافظ الأسبق وبطل الحرب العالمية الثانية الذي تثير عدة تصريحات له حول المسائل العرقية الجدال.

وعلى بعد بضعة أمتار من تمثال لتشيرشل، تحلق متظاهرون مساء الثلاثاء حول تمثال لنلسون مانديلا لإحياء ذكرى جورج فلويد. ثم تحرّكوا باتجاه دوانينغ ستريت، هاتفين "لا للشرطة العنصرية".

وبالعودة إلى تمثال بريستول، فقد اقترح الفنان بانكسي، وهو إبن المدينة، إعادة التمثال إلى قاعدته وإرفاقه بتماثيل برونزية لمتظاهرين يسقطونه.