أظهرت وفاة المناضل عبدالرحمن اليوسفي رحمه الله الوزير الأول السابق لحكومة التناوب بالمغرب،أن هناك ظاهرة تلازم جميع المجتمعات يمينهم ويسارهم،(مقلدين وحداثيين اسلاميين وعلمانيين )  وهي ظاهرة تقديس الأشخاص و تجميع كل الانجازات في شخصهم، وهي ظاهرة انسانية عالمية وقديمة تهم جميع البلدان وخاصةالعربية والإسلامية.

وتشمل عملية التقديس السياسيين والعلماء، والفنانين والرياضيين، والجماعات والحركات والاحزاب، وحتى الأماكن والازمان.

    نعم، إن الاحترام ورد الاعتبار والكرامة واجبة، إلا ان تعظيم مالم يعظمة الشرع وتقديس مالم يقدسه، واعتقاد العصمة لمن لاعصمة له، فهذا خلل اعتقادي، وتخلف اجتماعي، وتحقير للعقل البشري.

          إن الاهتمام بالمتميزين وتقدير العلماء والسياسيين الأحياء منهم والأموات، يجب أن لايصل إلى درجة التقديس والعصمة، (كما يفعل الشيعة باعتقاد عصمة ائمتهم)، كما لايجب  تغييب الفعل الجماعي الذي كان وراء نجاح كل شخص او فشله دون نكران أهمية القائد، فكل ابن ءادم خطاء، الا انه  ينبغي كذلك التفريق بين الشخص وأفعاله واقوله،  فالشخص له احترامه وكرامته قال تعالى :( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ولكن أفعاله واقواله واراؤه قد يعتريها الخطأ والصواب.

     إن التعظيم المبالغ فيه لبعض القادة والزعماء القدماء والمتأخرين الأحياء منهم والأموات، وعدم تقديرهم حق قدرهم، يربي في الأمة ثقافة انتطار الشخص المعجزة المخلص للأمة، والمحقق لامجادها لوحده، ويربي فيها الانتطارية والتواكل والتسويف وانتظار المهدي المنتظر، ويغرس فيها التعصب المقيت والمزيد من التفرقة والتشتت،ويزكي اسباب النزاع والتشردم بدل التعاون والاتحاد.

     وينعكس هذا التعصب والتقديس بشكل سلبي كذلك على مجال البحث العلمي والفقهي وقضايا الدين والدنيا، بحيث يتم حصر الفهم السليم عند عالم واحد أو مذهب واحد أو جماعة معينة واحدة، وغيرها فمصيره العداء والسب والشتم والخيانة...

كما لايتم استحضار ان أي انجاز، علمي كان او سياسي فهو تراكمي، فكل انجاز هو امتداد واستفادة من المتقدمين(من اخفاقاتهم او نجاحاتهم).

     فالدين الإسلامي ضد الغلو في التعظيم والتقديس فهذا سيد البشر صلى الله عليه وسلم يقول :(لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم) اي تغلوا في مدحي إلى درجة التقديس فالقداسة لله عز وجل، الا ان هذا لايعني التطاول عليه، والقدح في سيرته عليه افضل الصلاة والسلام. فهو حبيبنا ونبينا.

  وهؤلاء المُقدَّسُون والمُعَظَّمون جدا من طرف اتباعهم يقرون بأنفسهم، بالنقص وعدم الكمال، فقد قال الإمام مالك رحمه الله (كلٌ يُؤخذ من كلامه ويُرد إلاّ صاحب هذا القبر) . وخاصة في الاراء التي لادليل قطعي وصريح عليها، فمابالك في المجالات الاجتهادية الدنيوية الأخرى.

  وهذا ما أكده ابو بكر رضي الله عنه في المجال السياسي لما تولى الخلافة فقال (أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة.... ولم يقل كما قال فرعون: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).

    الا ان البعد الزمني وعدم المعاشرة والمعاصرة-  في بعض الأحيان - يزيد  من قدسية الشخص وتعظيمه، لأ ننا لم تُتَح لنا الفرصة لمعاينته في واقعه ومعايشة نجاحاته واخفاقاته وقراراته، وبالتالي يصلنا عنه غالبا نجاحاته وانحازاته وخاصة بالنسبة للسياسيين.

وخير دليل على ذلك عدم الإجماع على  الشخصيات والزعامات في عصرنا الحالي إذ توجد هناك مفارقات عجيبة وغريبة فالشخص كلما تم تعظيمه من جهة تم تقويمه من جهة أخرى.

فمصطفى كمال اتاتورك ليس هو أردوغان عند الأتراك وعند العالم، وعبد الرحمان اليوسفي ليس هو عبد الإله بنكيران، والشيخ حمزة الصوفي ليس هو الشيخ عبد السلام ياسين، وعباس المدني ليس هو راشد الغنوشي، وربيع المدخلي ليس هو يوسف القرضاوي، وصدام حسين ليس هو ابن سلمان، ومحمود عباس ليس هو خالد مشعل، والسيسي ليس هو قيس سعيد،والسراج ليس هو حفتر والفايد ليس هو عصيد، ورونالدوليس هو ميسي... وانا ليس هو أنت .

      فلكل اتباعه ومعجبوه ومحبوه ومريدوه، كما له كارهوه ومنتقدوه، إلا أن الأشكال ليس هنا، بل في العقلية التي تحاول إخراجهم من بشريتهم ومحاولة الرقي بهم إلى منزلة القداسة والعصمة، فكل ابن ءادم خطاء، و أن الخطر والسلبي يكمن في عدم التفريق بين الشخص وأفعاله واقوله، فالشخص يُعجَب بافعاله وانجازاته وماقدمه للبشرية من إضافة مادية ومعنوية، و يُنتقَد لافعاله واقواله وتصرفاته وسياساته لعمومية بشكل علمي بناء، وليس بإعمال العاطفة العمياء، مع الاحترام والأخد بأدب الخلاف والحوار، وبدون سب وشتم.

فالبعض لايقبل ان يُنتَقَد زعيمه من اليمين أو من  اليسار- اقصد النقد البناء-  فبمحرد النقد تصبح عدوا (اتحدث دائما عن النقد البناء العلمي وليس الافتراء على الشخص مهما كان توجهه). مع العلم ان اغلب الانتقادات في وقتنا الحاضر اغلبها سفسطائي وموجه، ربما حتى بعض المنتقدين لايعرفون أصلا من ينتقدون، وبعض المقدِّسين والمعظِّمين لايعرفون من يعظمون، ربما يؤدون وظائف ومهام أسندت إليهم،  الا أن كل هذا لايمنع من الاحترام، ةلايبيح النهش في أعراض الناس وخاصة العلماء، فكما يقال احترم تحترم.

 

 قال رسول الله ﷺ: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا).



 ابراهيم ادعدي