في كثير من الأحيان، تنتابني حالة نوستالجيا ممزوجة بالفضول، أُلفي معها نفسي مسمرا أمام شاشة الحاسوب، باحثا في يوتيوب عن لقطات تعود للمغرب القديم، أو وثائقيات تاريخية تخص موروث البلد من تقاليد ولباس وغيرها. وفي كل مرة أتساءل عن عدم وجود قناة تلفزية تعنى بتاريخ المغرب، فتعرض لنا الأرشيف السّمعي البصريّ للمملكة، ما سيسهم بلا شك في حفظ الذاكرة الجماعيّة.

الفيديوهات القديمة، بما هي صور متحركة، لها دورها القوي في إحياء الماضي بطريقة أكثر واقعية، ويزداد وقعها إذا اقترنت بتسجيل صوتي من نفس الحقبة التي صورت فيها. ونحن لدينا أرشيف يستحق الإظهار أمام المغاربة وبقية العالم، ولن يتأتى له ذلك ما دام لم يأخذ حقه الكامل في الإعلام التلفزي.

تصوروا معي إطلاق قناة تلفزية يكون اسمها "المغرب زمان" أو "تاريخ المغرب Morocco History TV" أو "أرشيف المغرب" أو "المغرب الآن وقبل Morocco Now & Before"، وتكون قوام برمجتها وثائقيات حول المغرب، سواء كانت تحتوي على مقاطع مصورة في فترة قديمة أو صور ثابتة شاهدة على العصر، وإفادات أشخاص عاشوا أحداثا ماضية، أو تصريحات منقولة عن أحفاد من عاشوها، إضافة إلى آراء من قرؤوا كتب التاريخ وتفحصوها... يمكن للبرامج أيضا أن تكون وثائقيات فيها مشاهد تمثيلية تحاكي فترة معينة، مستندة إلى ما جاء في الأرشيف المكتوب لتجسيد المكان والناس والأشياء بشكل يلامس النص ويعكسه بصريا كالمرآة.

صحيح أن إنتاج مثل هذه الأفلام الوثائقية يتطلب كفاءات بشرية وموارد لوجيستية كبيرة، لكن الاستثمار فيها أمر حتمي إن أردنا فعلا التعريف بالتراث وترويجه لدى أجيال اليوم ولدى المشاهد البسيط، الذي يميل إلى استهلاك المادة الإعلامية الجاهزة عبر التلفاز؛ وهذا الاستثمار سيكون أفضل من ترك الخطاطات والمنشورات العتيقة تبلى عند مؤسسة "أرشيف المغرب"، وتبقى حكرا على ردهات المتاحف ورفوف المكتبات وشغف ثلة من الباحثين.

يجب إعادة إنتاج تاريخنا بما يلائم عصر المعلومة والثورة التكنولوجية الذي نعيش فيه، ونقل التاريخ إلى شاشة التلفاز هو أقل ما يمكن فعله في هذا الصدد.

من جهة أخرى، يمكن أيضا تعزيز محتوى القناة المأمول إنشاؤها بتنظيم حملة وطنية لتجميع الأرشيف السمعي البصري من عند الأفراد الذين يحتفظون بأشرطة قديمة تعبر عن وقائع تراثية كالأعراس والمواسم.... أو توثق حالة أماكن مر عليها الدهر فتغيرت أو اندثرت، كالشوارع والأسواق والمآثر والبنايات...؛ من منا مثلا لا تستهويه رؤية ما كانت عليه المدن المغربية في بدايات القرن الماضي؟...كيف كانت معيشة الناس وكيف كانوا يلبسون؟، إلخ.

لا ننسى أن قنواتنا التلفزية أنتجت ومازالت تنتج عدة برامج وثائقية ومسلسلات درامية ذات طابع تاريخي يمكن استغلالها في تطعيم جدولة قناتنا المنتظرة، أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، "أمودو"، "أودماون"، "أغنية في البال"، "الهودج"، "شجرة الزاوية"، "جنان الكرمة"، "أفراح صغيرة"... كما يلزم التفتيش عن كل الفيديوهات والصور والوثائق المتعلقة بالمغرب القديم الموجودة في ملكية الأشخاص أو المؤسسات الثقافية الأجنبية وغيرها، ومن ثم شراؤها ورقمنتها وتخزينها، بعد إعداد نسخ منها تبث تلفزيا ليعاينها الجمهور. وربما تأتي المؤسسة الوطنية للأرشيف INA (فرنسا) على رأس الجهات الواجب التواصل معها في إطار هذه العملية.

أتمنى أن نحظى يوما ما بفرصة مشاهدة قناة خاصة بتاريخ مغربنا الحبيب، ويكون موعد افتتاحها مواكبا لاحتفالات الأمم المتحدة بيومها العالمي للتراث السمعي والبصري. وستكون القناة مكملة للجهود التي تقوم بها مؤسسة "أرشيف المغرب" بغية تدارك ما ضاع من الأرشيف الوطني خلال العقود الماضية.

 

أسامة حمامة