ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية نقلا عن قرار حكومي اليوم الجمعة أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء محادثات مع دمشق بشأن تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سوريا.

وتملك روسيا منشأتين عسكريتين دائمتين في سوريا هما قاعدة حميم الجوية في محافظة اللاذقية والتي استخدمت لشن ضربات جوية على القوات المعارضة للرئيس بشار الأسد وقاعدة بحرية في طرطوس على البحر المتوسط.

وجاءت اتفاقيتي ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية كثمرة للجهد الروسي ضمن خطط التمدد في المنطقة وإعادة التوازن الإقليمي والدولي.

ومن المتوقع أن لا تمانع دمشق التي تلقت دعما عسكريا سخيا من روسيا منذ تدخلها في سبتمبر/ايلول 2015 حين أوشك النظام السوري على السقوط مع اقتراب المعارضة المسلحة من معظم معاقله.

وفي المقابل فإن الخطوة الروسية الأخيرة تؤكد بما لا يدع للشك أن موسكو ماضية في تثبيت أقدامها بشكل دائم في سوريا بعد المكاسب الميدانية التي حققتها قوات الجيش السوري بإسناد جوي ودعم على الأرض من القوات الروسية.

ولكن التوسع الروسي في سوريا من شأنه أن يثير غضب إيران التي تبحث هي بدورها عن تعزيز وجودها مستفيدة من الدعم العسكري الذي قدمته لحليفها الأسد.

وفي سبتمبر/ايلول من العام الماضي أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن توسيع قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية السورية، مشيرة إلى أن 30 مقاتلة من طراز سوخوي وطائرة هليكوبتر موجودة في تلك القاعدة الجوية.

وكانت موسكو أعلنت بعد مرور سنة على الوجود الروسي في سوريا (بدأ 2015) عزمها توسيع قاعدة حميميم، بغرض تحويلها إلى قاعدة جوية عسكرية مجهزة بشكل متكامل.

وفي 5 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدمير طائرتين مسيرتين، فوق حميميم. مشيرة إلى أن عدد الطائرات التي أسقطت خلال شهر بلغ 47 طائرة.

وثمة تقارير تشير إلى تنافس روسي إيراني على الكعكة السورية وخاصة على عقود الاعمار ومشاريع الطاقة، وهو مسألة باتت على الأرجح خلافية بين حليفي الأسد ومحرجة في الوقت ذاته للنظام السوري حيث يجد نفسه ملزما بإرضاء الطرفين حفاظا على زخم الدعم الذي يحصل عليه.

ورجح التدخل الروسي والدعم الإيراني كفة الأسد في الحرب الدائرة منذ العام 2011 وأصبحت دمشق في موقع قوة بعد أن استعادت السيطرة على معظم الأراضي السورية، فيما تواصل قواتها بدعم روسي معارك لاستعادة السيطرة على آخر جيب للمعارضة في ادلب.

وتتواجد في سوريا حاليا أكثر من دولة متدخلة وسط نزاع على النفوذ وتأمين المصالح تعزز على مل الفراغ الأميركي بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب سحب قواته من سوريا والإبقاء على قوة قتالية في حقول النفط.

وتسعى تركيا بدورها لتأمين موطئ قدم دائم في سوريا عبر السيطرة على المناطق المتأخمة لحدودها ودعم فصائل موالية لها وسلطة محلية مؤقتة تدير تلك المنطقة.

وكانت دمشق قد روجت في السابق للاتفاقية التي وقعتها مع موسكو في 2017 لاستغلال ميناء طرطوس لمدة 49 سنة تحت عناوين فضفاضة بوصفها بداية لانفراج الأزمة الاقتصادية وفك الحصار وانتهاء أزمة الوقود وهي في الأصل اتفاقية عسكرية تؤبد الوجود الروسي في سوريا من بوابة التعاون التجاري وتشكل أيضا مكافأة لموسكو على دعمها العسكري الذي أتاح للنظام السوري الصمود طيلة ثماني سنوات من الحرب الأهلية التي كادت تسقط الرئيس بشار الأسد.

وكان نائب رئيس الوزراء الروسي حينها يوري بوريسوف، قد أعلن بعد اجتماعه مع الأسد أن ميناء طرطوس سيتم تأجيره إلى روسيا لمدة 49 عاما وسيتم تشغيله أمام العمليات التجارية الروسية.

وأحيط هذا الإعلان بهالة إعلامية وتصدر المشهد الإعلامي والسياسي وكان يمكن أن تكون الاتفاقية أمرا طبيعيا وممارسة دولية متعارف عليها تجاريا بحساب مدى استفادة طرفي الاتفاق، إلا أن وضع اتفاقية طرطوس مختلف تماما عما يراد إظهاره سواء من الجانب الروسي أو الجانب السوري أو كليهما.

لكن هذه الاتفاقية مختلفة الشكل والمضمون وهي بالأساس عسكرية حتى وان كانت عناوينها تجارية.

وعمد طرفا الاتفاق إلى إدخال هذه الاتفاقية في متاهة التفاصيل التجارية التي تخفي في طياتها المضامين العسكرية.

والاسم الرسمي للاتفاقية هو"توسيع أراضي المركز اللوجستي للبحرية التابعة للاتحاد الروسي في ميناء طرطوس وزيارات السفن العسكرية للاتحاد الروسي إلى البحر الإقليمي والمياه الداخلية و موانئ الجمهورية العربية السورية"

هذه الاتفاقية اعتمدها مجلس الدوما في العام 2017 وقام مجلس الإتحاد بالموافقة عليها في الفترة ذاتها لتصبح قانونا إتحاديا رسميا لتدخل حيز التنفيذ الرسمي في 2018 وتم اعتمادها بناء على معاهدة الصداقة والتعاون بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والجمهورية العربية السورية في 8 أكتوبر/تشرين الأول 1980.

والاتفاق المبرم بين حكومة اتحاد الجمهوريات السوفياتية والحكومة السورية يتعلق بدخول السفن الحربية السوفياتية وسفن الإمداد إلى المياه الإقليمية والموانئ السورية وإنشاء نقطة لوجستية سوفياتية في منطقة ميناء طرطوس الموقعة في العام 1983.

ويشير نص الاتفاقية إلى المنشآت العسكرية الروسية بمصطلح "مرافق الدعم اللوجستي" بدلا من قواعد العسكرية وهي صياغة مطابق للغة المستخدمة في العهد السوفياتي، لينقلها الصحفيون والإعلاميون بنفس الصيغة.

والواضح أنه سوف يبدأ تشغيل ميناء طرطوس أمام العمليات التجارية الروسية للتغطية على الطبيعة العسكرية التامة للمنشأة.

وتحيل قراءة للمواد التي تضمنتها اتفاقية تأجير روسيا لميناء طرطوس إلى أنها تقفز على مبادئ الندية وسيادة الأراضي السورية، حيث تنص المادة 25 على مدة الاستغلال وهي 49 سنة قابلة للتجديد تلقائيا لـ25 سنة أخرى ما لم يطلب أحد الأطراف إنهاءها عبر كتاب نوايا تنقله القنوات الدبلوماسية، فيما تنص المادة الثانية على أنّ يتسلّم الطرف الروسي مجانا طوال مدة هذه الاتفاقية الأراضي وقطع المناطق المائية المشار إليها في المخطط وفقا للملاحق السرية ذات الصلة

وتشمل الاتفاقية إضافة إلى مسائل تتعلق بالممتلكات المنقولة وغير المنقولة وتشغيل مراكز الخدمات اللوجستية (القواعد العسكرية)، أراضي المنطقة الساحلية ومنطقة المياه في ميناء طرطوس والمنطقة الأمامية (منطقة وقوف المنشآت العائمة) وهي تشمل سطح الأرض كما تشمل سطح البحر وقاع البحر.

ولا يمكن وفقا لمواد الاتفاقية للجانب السوري إقامة أو بناء أي منشأة مجاورة لطرطوس إلا باتفاق مع الطرف الروسي وبموافقته.

وتشير الاتفاقية أيضا إلى أن العدد الأقصى المسموح بتواجده في وقت واحد للسفن الحربية الروسية هو 11 سفينة بما فيها سفن بمحركات نووية. ويمكن اذا احتاج الطرف الروسي إلى عقارات إضافية للاستخدام المؤقت أن يحصل عليها مجانا من الجانب السوري.

كما نصت الاتفاقية على أن جميع العقارات التي بناها الطرف الروسي على الأرض السورية هي ملك له.

كما يحق لمواطني الاتحاد الروسي من موظفي وأفراد وموظفين وأفراد الطاقم والمقاولين وأسرهم العبور بحرية حدود سوريا من دون أن يخضع هؤلاء أو من يصلون إلى سوريا على متن السفن الحربية الروسية للتفتيش من قبل سلطات الحدود أو الجمارك السورية.

وثمة مواد أخرى تشير إلى أنه لا سلطة لدمشق على كل ما يتعلق بالمنشأة الروسية، حيث تحدثت المادة التاسعة من الاتفاقية عن الحصانات والامتيازات ولا يحق للسلطات السورية الدخول للمنشآت الروسية بدون موافقة قائد المنشأة.

وتمارس روسيا ولايتها الكاملة حسب الاتفاقية على كامل مرافق منشآتها وأفرادها وأطقمها وأسرهم.