عرض كتاب: "مظاهر يقظة المغرب الحديث" للأستاذ محمد المنوني

تقديم:

كتاب "مظاهر يقظة المغرب الحديث" من تلك الكتب التي تتحول قراءتها إلى كتابة ثانية؛ فالمؤلف، رحمه الله، "يورط" قارئه منذ البداية، في عالمه، ليظل متلبسا بالوثيقة التاريخية – الحاضرة حضورا مكثفا – يوظفها في تأسيس الخلاصات، والمشاركة في إعادة بناء مرحلة، لا يزال تأثيرها فاعلا في مغرب اليوم.

تنهي الكتاب، وهو لا ينتهي، وقد وقر في نفسك أنك لم تقرأ تاريخا جافا، وإنما رحلت عبر الزمن، لتعاود مع أسلافك ممارسة الحياة في القرن التاسع عشر، وأوائل العشرين، بكل ملابساتها.

وحينما تُنضِج الكتابة التاريخية، القراءة إلى هذا المستوى، فإن أقل ما يقال فيها أنها مدرسة، ليس للتاريخ فقط، وإنما للتربية على المواطنة أيضا.

كلما أعدت قراءة هذا العرض، الذي أنجزته سنة 1990 لمجلة "بصمات. ع:5/ جامعة الحسن الثاني. المحمدية"، إلا وشدني الحنين إلى معاودة قراءة الكتاب، وتحريض القراء عليه.

وإذ أفعل اليوم - مرقما العرض الورقي - تفرض علي يقظةٌ أخرى نفسها؛ يقظة مغرب ما بعد كورونا؛ وأتساءل: هل هي ممكنة بعد كل هذا الخراب الاقتصادي القهري، والعنت الاجتماعي، والرهبة من الغد؟

يجيبني المرحوم المنوني، من خلال كتابه المرجعي القيم: نعم إنها ممكنة؛ فما دام المغرب قد استيقظ من قرون من السبات، فكيف لا يستيقظ من غفوة ثلاثة أشهر؟

ولد بمكناس سنة 1915 وتوفي بالرباط سنة 1999

الحلقة الأولى:

يقع الكتاب في جزأين: صدرت الطبعة الأولى من الجزء الأول عن مطبعة الأمنية بالرباط، سنة 1973 (من منشورات وزارة الأوقاف).

وصدرت ط2، المزيدة والمنقحة، والمعززة بالجزء الثاني، عن دار الغرب الإسلامي، بيروت؛ وشركة النشر والتوزيع "المدارس" الدار البيضاء، سنة 1985.

عرض الجزء الأول:

بعد الإشارة إلى رصيد المغرب الحربي، الذي مكنه من فرض هيمنته على دول الغرب، إلى أواخر القرن الثامن عشر، يقارب المدخل "حالة المغرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر" عبر ثلاث محطات بارزة:

كارثة الأسطول المغربي. مأساة الجزائر. تدهور الاقتصاد الغربي.

ابتدأت كارثة الأسطول –"بعد تاريخ مجيد" – بمنع رؤسائه من "الجهاد في البحر" وتوزيع "بعض قطعه على الإيالات المجاورة للمغرب، مثل الجزائر وطرابلس" وبلغت أوجها بتغريق ما تبقى منه.

وسواء تعلق الأمر بالمنع والتفكيك (المولى سليمان)، أو بالتغريق (المولى عبد الرحمن)، فإن المؤلف يرى أن "هذا القرار الخطير" جاء نتيجة "ضغط ماكر من بعض الدول التي ضاقت بالأساطيل العربية العتيدة، فصارت تستعمل مختلف الأساليب لتدميرها: مرة باسم منع القرصنة، ومرة بهجوم سافر عليها؛ حتى تبقى الشواطئ التي تقلق بال هذه الدول مكشوفة".

أما مأساة الجزائر (1830) التي ترتب عنها اندحار الجيش المغربي –التقليدي – في موقعة إسلي (1844)، أمام جيش فرنسي حديث التسليح والتنظيم، فقد جعلت المغرب "يعيش في هذا العهد المظلم تحت تهديد مستمر لاستقلاله".

وبخصوص المسألة الاقتصادية، يجد المؤلف في إغراق السوق الداخلية بالمنتوجات الأوروبية - المصنعة آليا – خصوصا في مجال النسيج، تفسيرا لما أصاب الاقتصاد المغربي التقليدي من تدهور في هذه المرحلة.

الطور الأول:

يربط المؤلف مظاهر اليقظة في هذا الطور، بكارثة الجزائر، وما ترتب عنها من أوضاع في غاية الخطورة: "الانحطاط الذي وصل إليه الجيش المغربي"، "جار قوي لاحد لأطماعه التوسعية"، "واجب فك الجارة الأسيرة".

لقد ولد تفاعل هذه الأوضاع على الساحة المغربية "انبعاثا جديدا، ويقظة في البلاد، كانت النواة الأولى والحَجرة الأساسية للوطنية المغربية الحديثة". يتخذ هذا الانبعاث مظاهر شتى يختار منها المؤلف في هذا الطور، مجال الكتابة، نثرا وشعرا، من خلال استعراض مقتطفات من أعمال مجموعة من الأسماء ذات الدور الفاعل:

*الكردودي الفاسي، ت 1851: قاضي طنجة وصاحب كتاب: "كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على هذه الأمة". ركزت اقتباسات المؤلف، من هذا الكتاب، على: تنظيم الجيش والدعوة إلى الحياة النيابية؛ كما أورد له قصيدة يستنكر فيها تصرفات بعض المحميين والأجانب بطنجة.

*ابن عزوز، أواخر القرن 13هـ: صاحب مخطوط بعنوان: "رسالة العبد الضعيف إلى السلطان الشريف" وموضوعه تنظيم الجيش.

*التسولي، المدعو "مديدش" صاحب جوابين – البسيط والوجيز- على أسئلة رفعها إلى علماء فاس الأمير عبد القادر الجزائري. ضمَّن المؤلف جوابه "البسيط" "عدة توجيهات وأفكار، تتناول واقع الحياة إذاك بالمغرب"؛ بما في ذلك تنظيم الجيش وواجب الدفاع عن الجزائر.

*الوزير محمد بن محمد بن إدريس، ت في 1847م: له قصائد في الدعوة إلى الجهاد، أورد منها المؤلف عددا من النماذج.

*الوزير محمد غريط، ت في 1863م: صاحب قصائد في واقعتي الجزائر وتطوان.

*محمد بن الشيخ سيدي الشنقيطي، ت في 1867؛ شاعر من شنقيط أورده المؤلف ليدلل على أن بلاد شنقيط لم تتخلف، بدورها، عن الدعوة لـ "الاستعداد لمقاومة التوسع الاستعماري".

يترك المؤلف هذا الطور، بعد أن يؤكد أن المحاولات الأولى، المحدودة، لتجديد المغرب – خصوصا تنظيم الجيش والتعليم – بدأت على عهد السلطان المولى عبد الرحمن، وأرجأ بسطها إلى الطور الثاني "لتتناسق مع المحاولات التي بذلت.. من طرف محمد الرابع، وابنه المولى الحسن الأول، خلال الطور الثاني".

الطور الثاني: 1860-1900

يتبع

 

رمضان مصباح الإدريسي