مما لا شك فيه أن الأسرة هي نواة المجتمع، والحاضنة الأولى للأفراد ومدرستهم الأولى، وهي أول وعاء تربوي وثقافي يحتضن الأبناء، وفي كنف هذه الأسرة يتربى الفرد ويكتسب عادات أسرته وثقافتهم، ثم يتسنى له بعد ذلك أن يبني قناعاته وميوله.

 هذا وقد كانت الأسرة المغربية نموذج للأسرة المتحابة، والتي يقوم فيها كل فرد بأداء مهمته كل في موقعه، فلأب عادة هو معيل الأسرة وصاحب الهيبة والمربي بشيء من العنف والرهبة التي يكنها الأبناء تجاه آبائهم، بينما الأم تكون هي المربية لأبنائها والملاذ لأسرارهم، أما الأبناء فيكنون كل التقدير والاحترام لآبائهم وكل الحب والمودة لأمهاتهم.

لكن مما يلاحظ في الإعلام المغربي اليوم، خصوصا في المسلسلات والبرامج التي تقدم في رمضان، هو أن هناك مجهودات حثيثة لهدم هذا المفهوم للأسرة المغربية حيث المودة والتعاون بين الزوجين والاحترام الذي يكنه الأبناء للوالدين، إلى مفهوم آخر يصور الأب على أنه ذلك العنصر الذي لا دور له داخل الأسرة، ذلك الفرد الجاهل الذي لا يفقه شيئا، وبشكل عام وأدق تصوير الرجل في مواقف يطغى عليها الجهل والتبلد، في المقابل تصوير المرأة على أنها معدن الذكاء، وذلك ملاحظ في غير ما مسلسل: كسلسلة رمانة وبرطال والسربة وغيرها من المسلسلات والبرامج، ومرد هذه الموجة في نظري هي التأثر المبالغ فيه بحقوق المرأة حتى عاد الأمر وكأن هناك صراع بين الجنسين حول الهيمنة.

كما تصور وسائل إعلامنا على أن العلاقة الزوجية مبنية على الصراع بين الرجل والمرأة، كل يريد أن يفرض ذاته ويكون القول قوله والفعل فعله... وهذا يتنافى كليا مع ما كانت عليه الأسرة المغربية الأصيلة والتي كانت توزع الأدوار بين أفرادها وتتكاتل لبناء صرح الأسرة بعيدا عن الهيمنة والسيطرة.

ومن مثالب إعلامنا اليوم جر الأبناء إلى الثورة على مفهوم الأسرة المغربية وذلك بالانسلاخ من كل احترام لمن هو أكبر سنا بمن في ذلك الوالدين، وهذا مشاهد في غير ما سلسلة كسلسلة سويحليفة ومواقف من الطفلة آية في سلسلة الكوبراتيف .

إن لوسائل الإعلام وما يعرض على الشاشة دور هام وخطير في قلب مفاهيم الناس وطريقة تعاملهم، فأصبحنا نرى أن كثيرا من الأبناء لم يعودوا يحترموا آباءهم ولا أمهاتهم، وذلك راجع لأسباب كثيرة ولعل أهمها في نظري هو ما غرسه هذا الإعلام في أذهان أطفالنا من مفهوم حرية فضفاضة تتجاوز كل الأعراف والأديان، وتطاول على الدين والأسرة وكذا المجتمع. ونرى أيضا استشراء الصراع بين الزوجين حول الهيمنة ، ولعل هذا من مسببات ارتفاع نسبة الطلاق.

إن مفهوم الأسرة المغربية المحافظة قائم على روح التعاون بين أفرادها كل في موقعه وكل يؤدي وظيفته، وليس على الصراع بين الرجل والمرأة والأبناء كل يحاول أن يكون هو رأس الأسرة وصاحب الكلمة، إن من يحاولون أن يبنوا لهذا المفهوم الجديد للأسرة القائم على الصراع إنما يهدمون المجتمع ، فلا مجتمع بدون أسر متحابة ومتآخية هدفها تربية النشء على الاحترام والخلق الرفيع والقيم الإنسانية بعيدا عن التنافس والصراع.



 الجعواني عبد العزيز