سؤال يتبادر إلى ذهن الكثير من المهتمين بالبحث التربوي، ويفرض نفسه بقوة في خضم التصريحات التي تتوالى على منابر التواصل الاجتماعي الرسمية منها وغير الرسمية. ومن المؤكد أن الجواب عن هذا السؤال الكبير يتطلب دراسة علمية رصينة يتقاطع فيها ما هو تربوي- بيداغوجي وما هو اجتماعي- نفسي.. على أساس أن التعليم عن بعد أصبح ظاهرة تربوية كونية في ظل جائحة كورونا التي ضربت العالم على "حين غفلة"، ولم تفرق بين دول الشمال ودول الجنوب، ولا بين صناع القرار ومستهلكي اتخاذ القرار.

التجربة المغربية لا تخرج عن هذا السياق العام، وإن كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد أكد في دعامته العاشرة على الاستعانة بالتعليم عن بعد في المستويين: الإعدادي والثانوي خاصة في المناطق المعزولة. ومما لا شك فيه أن الحكومة المغربية قد اتخذت القرار السليم سواء تعلق الأمر بالتدابير الاحترازية والإجراءات الاستعجالية للتخفيف من آثار الجائحة، أو اعتبار التعليم عن بعد حلا "مؤقتا" لا مناص من خوضه؛ إذ لا بديل عنه في ظل الجائحة.

إن القرار الذي اتخذته الوزارة المعنية يعكس – من جانب آخر ولا شك - التخبط الذي فرضته إكراهات المرحلة، والنتائج التي لا ترقى إلى المستوى المأمول لدى التلاميذ خاصة في المستويين الابتدائي والإعدادي.

وأسباب الإكراهات يمكن أن يُنظر إليها من زوايا متعددة سواء على مستوى البنيات الأساسية المتعلقة بوصول المعلومة عن طريق القنوات الوطنية، أو على مستوى استخدام الإنترنيت وتمكينها لكافة التلاميذ، أو حجم التكوين الذي خضع له كل من المدرسين والمتعلمين، ناهيك عن الفوارق الاجتماعية التي قد تُحدث أعطابا فادحة من شأنها أن تُخلَّ بمبدأ تكافؤ الفرص..

ومن المؤكد أيضا أن التعليم عن بعد لا يمكن بحال من الأحوال أن يستغني عن دور الأستاذ باعتباره فاعلا أساسيا ضمن المنظومة التعليمية، ولا عن قاعة الدرس برمزيتها الجماعية والحضورية التي تكرس مبدأ التعليم عن قرب؛ وأعتقد أن هذه المسألة في غاية الأهمية بالنظر إلى المستويين الابتدائي والإعدادي. وما زلت أركز على هذين المستويين باعتبارهما الرافعة الأساسية للمنظومة التعليمية.

وإذا كان التعليم عن بعد قد أخفق في بعض الجوانب بالنظر إلى العوامل السابقة الذكر.. فإنه قد حقق بعض المنجزات التي يمكن اعتبارها إيجابية على مستوى التعليم العالي، وبدرجة أقل لدى تلاميذ التعليم الثانوي خاصة في بعض المواد بحسب التخصصات.

إن من أهم منجزات التعليم عن بعد أنه أتاح للمتعلمين مساحة من الحرية في تلقي المعلومة لم تكن متيسرة للجميع، ومرونة في اختيار الجدولة الزمنية المناسبة.. ولا شك أن هذا الفضاء يخلق جوا من الحافزية والرغبة الذاتية قد تحول دون تحققيها الطريقة التقليدية التي لا تعبأ في كثير من الأحيان بالنفسيات المتباينة والوضعيات المعقدة..

إن سؤال النجاح أو الإخفاق لمنظومة التعليم عن بعد تبقى رهينة التجربة الراهنة في زمن كورونا، وما يترتب عن ذلك من إنجاز دراسات علمية تخصصية ترصد كل مستوى من مستويات التعليم ببلادنا على حدة، وَفق بروتوكول تدبيري يحدد الآفاق المستقبلية، ويرسم بعناية فائقة الطفرة بين التعليم التقليدي والتعليم عن بعد. مع الأخذ بعين الاعتبار الرمزية الجماعية والحضورية لقاعة الدرس التي تعد الحاضنة الأساسية لتحقيق القيم التربوية التي نص عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مبادئه الأساسية.

 

يحيى صالحي