حق للمغربيات وللمغاربة أن يفتخروا بالعالم منصف السلاوي وبغيره.

ولعل الحاجة إلى الفخر والفرح تفسر أنه بمجرد ما انتشر خبر اعتماد الإدارة الأمريكية العالم منصف رئيسا لفريق البحث عن لقاح أمريكي ضد فيروس كورونا المستجد في أقرب وقت، وحتى قبل أن يصبح ذلك حدثا رسميا، ولأنه من أصول مغربية، راج الخبر وصور وحكايات مسار منصف في المغرب أكثر ربما من الولايات المتحدة نفسها.

ذاك الرواج وتلك التعليقات والبحث والتقصي والإبداع في تقديم الموضوع، تحتاج إلى قراءة من زوايا متعددة التخصصات.

بيد أن أي قراءة لن تنفي أن كل ما وقع إنما يعبر عن تطلع كثيرين بوطنية صادقة، وغالبا بوعي يجسد الانتماء لبلد يطمحون ألا يحدثهم عنه إلا البؤس والفاقة والفساد والهشاشة والاستبداد... وأن يتخلصوا ـ ولو إلى حين ـ من صقيع كل أنواع "الحكرة"، بما فيها غبن أخبار الترتيب المتدني لمغربهم في كثير مما ترتب فيه الدول.

افتخار منقوع في المرارة والحسرة

سيتعزز ذاك الطموح الواقعي أو الوهمي ـ حسب مستوى العلاقة بالعمل من أجل التغييرـ بأحاسيس الفخر والافتخار ومشاعر العزة والاعتزاز، وتزداد أكثر عندما يعبر صانعو التألق أنفسهم بمغربيتهم القحة وعنها.

وفي حالة منصف، ستستمر الصورة في إنتاج الكلمات والتعبيرات والصور والمشاعر، لأنه في بداية قصة ومسار جديدين، ومن ثمة لا بأس أن يرفع كثير منا الدعوات والتضرع إلى الخالق والتعبير عن خالص المتمنيات ليكون منقذ البشرية هو منصف المغربي.

يفتخر الناس في العالم أجمع بصور العبقرية عندما تنبع من بلادهم أو تنبت بجوارهم، إنما في حالتنا صاحبت المرارة ذاك الافتخار، بل هناك من عبر عن الألم الذي اعتصره وهو يشاهد صورة منصف جوار رئيس أكبر دولة في العالم، استحضارا لصور أخرى غائبة ويتخيلها لمنصف السلاوي ضمن منظر أو ديكور مغربي.

أما من اطلع على سيرة ومواقف الرجل إزاء بلده الأصل فتزداد حسرته، بل ويزداد سخطه، ومما جاء في شهادة للدكتور كمال المسعودي، كتبها مؤخرا حول دعم تطوعي له ولزميله لأنهما مغربيان في بلجيكا من قبل منصف السلاوي: "وأتذكر جيدا ما حكى لنا... فحين عاد للمغرب حاملا دكتوراه وهو متحمس لخدمته فتوجه نحو كلية الطب بالرباط ليقترح عليهم أن يقدم محاضرة في اختصاصه بشكل تطوعي... سيخبر (منصف) بأن المحاضرة ألغيت بدون أن يقدم له أي مبرر... كرر منصف نفس العرض لكلية الطب بالبيضاء وكان الصمت المطبق هو الجواب..."، والشهادة ككل تحتاج إلى التعميم والنقاش وأخذ العبر من فحواها.

إعلام قصص النجاح

ماضي منصف السلاوي مع بلاده تحدثت عنه بإسهاب وسائط التواصل الرقمي، عكس غالبية وسائل الإعلام المغربي التي تعودت أن تقدم الكثير من صور وقصص النجاح في المهجر، غالبا بطريقة من جعل المغرب "شريكا" للولايات المتحدة في البحث عن لقاح لكورونا المستجد بعد تنصيب منصف.

قصص النجاح تمكن مسؤولينا على الإعلام من الهروب من صور الألم والمعاناة والقهر التي تنتجها الهجرة والغربة في صفوف مواطناتنا ومواطنينا، أو حتى للتغطية عليها.

من ثمة، رددت وسائل إعلامنا أكثر من غيرها عبارة "تنصيب العالم المغربي"، فأغلب وسائل إعلام العالم تقدم منصف عالما دون أصل ولا جنسية، علما أن لمنصف ثلاث جنسيات، وتقدمه ضمن رهانات أخرى ومختلفة، منها ما يتعلق بالصراع والتسابق لإنتاج اللقاح الموعود وما يتعلق بشخص ترامب وبسياساته وانتخاباته.

رنين عبارة "العالم المغربي" ليس بدون نشوة يصاحبها حذر من أن يحولها البعض إلى رغوة شبيهة برغوة جعة فاسدة.

لن يذكر هذا الاعلام أن البلد الذي يحصل فيه المرء على الكرامة يصبح وطنا وعشقا، أما عندما يحصل فيه على التألق ويساعده على النبوغ فذاك أكثر من وطن هو بالأحرى محراب للاعتزاز وواحة للسمو.

استيلاء المسؤولين على الصور

يبرع مسؤولونا في تحويل الصور السلبية إلى صور إيجابية وتوظيفها لصالحهم، ألا يحق لهم في النهاية الفخر مثل باقي المغاربة؟ يتعمدون القفز على أن صور منصف السلاوي الإيجابية تحمل في الوقت نفسه معاني وصورا أخرى سلبية جعلت كثيرا من المغاربة يشعرون بالفخر والحسرة في الوقت ذاته.

لا يخجل مسؤولونا من أن كل نابغ ومتألق مغربي بالخارج إنما يؤكد خيباتهم وفشلهم الذريع، وعوض الخجل والتساؤل والمساءلة تنتصب وقاحة استغلال تلك الصور وضمها للرصيد السياسي لأولئك المسؤولين.

يتناسى المسؤولون ما وقع لمنصف السلاوي، كنموذج والحالات كثيرة، ليضطر إلى الهجرة في البداية، ثم ليتم صده لأنه يحمل رائحة المعارضة حتى عن التطوع بعلمه لصالح بلده؟

يركب المسؤولون...

يتناسى المسؤولون مسؤولياتهم عن النسبة العالية للهجرة من المغرب، التي تعد من أعلى نسب الهجرة في العالم، فالمغرب يعاني من نزيف الهجرة وهجرة الكفاءات خسائر بملايير تتجاوز بأكثر من الضعف ـ على الأقل ـ كل ما يجنيه من عملة صعبة، ليس فقط عبر ما يرسله المغتربون أو يصرفونه خلال عطلهم، بل من كل موارد العملة الصعبة؟

والخطير هو أن النزيف سيستمر وربما بنسب أعلى؛ فحسب بحث وطني أنجزته مؤخرا المندوبية السامية للتخطيط ـ وهي حريصة على عدم تقديم "الاحصائيات والأرقام الصارخة" ـ فإن ربع المغاربة يرغبون في الهجرة إلى أوروبا، وبالضبط حوالي 23 في المائة من المستجوبين من عينات مجتمعية مختلفة شملهم البحث.

يتناسون المسؤولية على الاغتيال المنظم والتدريجي لمستقبل المغرب؟

يتناسى المسؤولون عدم مواجهة أسباب الهجرة، وهي صارخة لأنها بنيوية ومرتبطة بضرورات العيش والحياة، ودوافع متلازمة مع الحقوق الإنسانية ومع التحولات المجتمعية الكبرى!

يتناسوا مسؤوليتهم عن هجرة جل الخريجين والأطر من مختلف التخصصات؛ فقد هاجر سنة 2019 ما يزيد عن 600 خريج من المهندسين فقط، إضافة إلى عدم عودة الطلبة الذين يتوجهون إلى الدراسة بالخارج!

يتناسون ذلك وغيره... ويعملون على تملك صورة تألق المواطن بالداخل والخارج وتقديمها على أنها من نعمهم على الوطن!

وهذا ضلع فقط من أضلاع ومكونات معادلة ضخمة اسمها علاقة مغاربة الخارج بالوطن وتقدمه.

محمد العوني