راهنت وزارة التعليم والتكوين المهني على التعليم عن بعد لمواجهة تداعيات أزمة كورونا على قطاع التعليم وإنجاز المقررات الدراسية. رهان طموح في حد ذاته لكنه طوباوي وغير واقعي لم يأخذ في الاعتبار الظروف المادية والاجتماعية لمناطق المغرب النائية والمهمشة.

لقد استبعدت الوزارة هذه الظروف أو استسهلتها من منطلق أن البث التلفزي يغطي كل التراب الوطني ويعفي الأسر المعوزة من توفير الأجهزة الإلكترونية لأبنائها. طبعا لم يكن اعتماد التعليم عن بعد اختيارا للوزارة بل حلا فرضته الجائحة لتجنب تعثر العملية التعليمية التعلمية. كان تفاؤل وزير التعليم يبشّر بإمكانية متابعة جميع التلاميذ دروسهم عن بعد وتحصيل ولو الحد الأدنى من المعلومات المبرمجة خلال ما تبقى من السنة الدراسية. لكن سرعان ما اكتشف حقيقة فشل هذه العلمية بعد شهرين من الحجر الصحي ليعلن عُقمها والاكتفاء باجتياز التلاميذ امتحانات الباكالوريا فيما درسوه حضوريا بالأقسام. وهذا إقرار رسمي بالفشل.

وقرار الوزير هذا، إن كان له وجه إيجابي لكونه طمأن تلاميذ العالم القروي على مصيرهم الدراسي هذا العام وأزاح عن أسرهم هواجس التعثر والرسوب بسبب انعدام شروط تتبع الدروس عن بعد، فإن له وجوها سلبية تزيد من قلق التلاميذ وأسرهم نتيجة غياب تكافؤ الفرص في التحصيل الدراسي. ففي وقت يتابع تلاميذ المدن والمؤسسات الخصوصية الجادة دراستهم عن بعد بطريقة سلسة تمكّنهم من إنجاز المقررات الدراسية وتحصيل المعلومات والمهارات اللازمة التي تؤهلهم لفهم واستيعاب مقررات المستويات الأعلى، فإن تلاميذ القرى حّرموا من هذه الفرص؛ الأمر الذي سيؤثر سلبيا على مداركهم، خصوصا أن أجزاء مهمة من المقررات الدراسية لن يطلعوا عليها. لهذا فالوزارة مطالبة ببرمجة ما ضاع عن التلاميذ من دروس لتداركها في بداية الموسم الدراسي.

فضلا عن هذا فإن إعلان الوزارة إجراء الامتحانات في ما تم إنجازه حضوريا والاكتفاء بنقط المراقبة المستمرة بالنسبة للابتدائي والإعدادي يحرض التلاميذ على الاستغناء أو مقاطعة الدروس عن بعد ما دامت النتيجة محسومة مسبقا.

طبعا لا تتحمل وزارة التعليم وحدها مسؤولية فشل التعليم عند بعد، بل تتحمله الحكومة بكل قطاعاتها الوزارية. فالتعليم عن بعد يشترط توفر عاملين أساسيين هما: القدرة الشرائية للأسر حتى تتمكن من اقتناء الوسائل الإلكترونية لفائدة أبنائها (تلفاز، لوحات إلكترونية، هواتف ذكية) فضلا عن التغطية الكافية لشبكة الأنترنيت لعموم مناطق المغرب؛ وقد كشفت شكايات كثير من أولياء أمور التلاميذ عجزهم التام عن توفير هذه الوسائل بسبب الفقر الذي تعمّق أكثر بسبب سياسة التفقير الممنهج الذي اعتمدته حكومة البيجيدي.

العامل الثاني يتمثل في انعدام الكهرباء بعدد من المناطق رغم أن الحكومة سبق وصادقت عام 1995 على برنامج الكهربة القروية الشمولي (PERG) بهدف تسريع وتيرة كهربة البيوت القروية وولوجها إلى الشبكة العمومية في أفق عام 2010. لكن رغم الجهود المبذولة مازالت الشبكة لم تغط المناطق القروية 100%. وهذا يطرح السؤال على اللجنة الموضوعاتية لتقييم السياسات العمومية في مجال التنمية القروية، والتي تم تكوينها لغرض تقييم وتتبع إنجاز المشاريع الحكومية. فبعد 25 سنة من مصادقة الحكومة على برنامج الكهربة القروية الشمولي ها هي أزمة كورونا تكشف أن الحكومات لم تف بالتزاماتها وأن اللجنة الموضوعاتية تهاونت في أداء مهامها.

قد تكون للحكومات السابقة أعذارها بضعف الموارد المالية لتعميم ربط جميع القرى بالشبكة الكهربائية؛ بينما لا عذر لحكومة حزب العدالة والتنمية التي استفادت من عاملين رئيسيين: انتقال الناتج الداخلي الخام من 317 مليار درهم في 1995 إلى 982 مليار درهم في 2015، ثم الملايير (34 مليار على الأقل سنويا) التي توفرها الحكومة بعد إلغاء دعم المحروقات وعدد من المواد الأساسية؛ فحين كانت موارد الدولة محدودة عرفت عملية كهربة القرى تسريعا في الإنجاز بين 2002 و2007، حيث انتقلت النسبة من 55 % إلى 93 %، لتعرف ركودا اعتبارا من عام 2013 حيث ظلت في 99 % دون تغيير، ما يعني أن حكومة البيجيدي لم تبذل أي جهد يذكر في تعميم كهربة القرى، بل تعطّل البرنامج وتوقف.

إن التعليم عن بعد ينبغي أن يكون إستراتيجية حكومية واضحة وليست حلا اضطراريا لمواجهة أزمة ناتجة عن انتشار جائحة كورونا. وإذا كان وزير التعليم أقر أمام البرلمانيين حتمية التعليم عن بعد بقوله: "اليوم اكتشفنا أن التعليم عن بعد لا مفر منه..لا بد أن نمأسسه بمنهجية علمية رصينة، وعندنا دعامة قانونية ستؤطر هذه العملية هي القانون الإطار"، فإن مكونات الحكومة ملزمة بالانخراط في هذا الورش الذي أكد وباء كورونا أهميته في مواجهة الأزمة وضرورة دمقرطة الولوج إليه .

 

سعيد الكحل