لا تُوجَدْ مَهَمَّة أكثر إلحاحاً منذ مطلع فجر الألفية الجديدة من إنتاج معرفة متعمقة بالاقتصاد السياسي للرأسمالية، معرفة ليس فقط بالتطور الرأسمالي في الوضع الراهن، بل أيضاً بماضي الرأسمالية ومسارها الممكن في المستقبل.

فلكل مجتمع طريقته الخاصة في تنظيم حياته المادية التي تسمح له بتكوين نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي يحدد علاقاته بين بعضه البعض، وعلاقاته مع السلطة.

هذا هو الأمر بالنسبة للرأسمالية التي حلَّت محل الإقطاعية كنظام اقتصادي ونمط إنتاج في بعض أنحاء أوربا الغربية بين عامي 1800-1400، فمع قيام الثورة الصناعية، حدث انقلاب هائل في نمط ووسائل الإنتاج التقليدي وفرضت الرأسمالية تقسيماً جديداً للعمل يختلف بشكل كامل عن التقسيمات التي كانت سائدة في ظل المجتمعات الزراعية الإقطاعية.

اعتمدت هذه التقسيمات على مبادئ أساسية أهمها: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، المبادرة الفردية، الـمـنـافسـة الـحـرة، تـقـسـيـم الـعـمـل، تخصيص الموارد عبر آلية السوق دون الحاجة إلى تدخل مركزي من الدولة.

كما ركزت الرأسمالية على تقسيم المجتمع إلى طبقتين أساسيتين: طبقة مالكي وسائل الإنتاج من أصحاب الأراضي، المصانع، سواء كانوا أفراد أو شركات أو مؤسسات، وطبقة البروليتاريا المجبرة على بيع قوة عملها لأن ليس لأفرادها وسائل الإنتاج ولا رأس المال الذي يتيح لهم العمل لحسابهم الخاص.

إن النظرية الرأسمالية تقوم في المجمل على فكرتين رئيسيتين: أولهما أن الحياة الاقتصادية تسير وفقاً لقوى طبيعية محددة، و بالتالي من الواجب استكشاف قوانينها العامة وقواعدها التي تصلح لتفسير مختلف الظواهر الاقتصادية، وثانيهما هو أن تلك القوانين الطبيعية كفيلة بضمان السعادة البشرية إذ عملت في جو حر أُتيح للجميع التمتع بالحريات الرأسمالية.أي باختصار الفكرة الأولى وضعت الأساس العلمي للاقتصاد الرأسمالي والفكرة الثانية وضعة أساسه المذهبي.

الحرية الاقتصادية: فهي ترى أن الشؤون الاقتصادية شبيهة بمختلف الظواهر الطبيعية الموجودة في الكون والمحكومة بقوانين، ومن الضروري اكتشاف هذه القوانين والانسجام

معها والأكثر من ذلك تركها تعمل ذاتياً دون تدخل يعيقها، فعملها الذاتي أي الفردي هو الكفيل بتحقيق أفضل النتائج.

مبدأ اليد الخفية: وهي امتداد للحرية الفردية فمن خلال دعم النشاط الداخلي على حساب النشاط الخارجي فإن الفرد لا ينشد إلا أمنه الخاص، وأثناء توجيهه لهذا النشاط بكيفية يكون فيها لمنتجه القيمة الأكبر فهو في هذه الحالة مدفوع بيد خفية كي يقدم غاية لم تكن في نيته ألبته في خدمة المجتمع، وبالتالي فمن خلال خدمة مصلحته الخاصة فهو يدفع مصلحة المجتمع إلى الأمام.

المحرك الأساسي للفرد: حيث يعتبر المحرك الأساسي للفرد هو الدافع الاقتصادي المعبر عنه بالرغبة الشخصية، و المنافسة التي تعد محرك للفعاليات الاقتصادية.

ميلاد الأمم والدول العصرية: إن التحولات الكبرى التي عرفتها أوربا في القرن السادس عشر أدى إلى ميلاد الأمم بالمفهوم العصري من خلال شعورها بوحدتها وكيانها وبالتضامن الذي يجمع سكانها وأقاليمها وظهور الأمة في وقت تدعم فيه الملكية والسلطة المركزية التي أسكتت تحديات الإقطاعيين المحليين واعتمدت على الطبقة البرجوازية الحديثة العهد بالوجود ومن هنا أصبح الملك يجسد المصلحة العامة وظهرت قوته الاقتصادية في توحيد النقود وبرفع الضرائب وإنشاء المشاريع الفلاحية والصناعية والتجارية وكذا قيامه بالحروب الخارجية والبحث عن أسواق ومستعمرات، فميلاد الأمة يعتبر من الناحية الاقتصادية حدثاً كبيراً لأنه اخرج الأقاليم من عزلتها وأزال الحدود؛ فأدى ذلك إلى اتساع رقعة الأسواق الوطنية والانفتاح الاجتماعي في حين أن دول العالم العربي لم تعرف هذه الظاهرة الشيء الذي حرمها من التنمية وبقائها خاضعة للبنية القبلية القروية والعصبيات الضيقة.

4. تراكم الأموال في يد التجار الكبار الصيارفة: هذه الظاهرة لم تكن معروفة من قبل؛ إذ كان المنتج يعيش في إطار ضيق وكان السيد الإقطاعي أو المؤسسات الدينية الذي استطاع أن يملك بعض الثروة التي استعملت في بناء القصور والكنائس فلما كثرت الأرباح في يد التجار واتسع نشاطهم اقبلوا على جمع الأموال واستعمالها في الاستثمارات وإنشاء المشاريع وصناعة السفن وتأسيس الشركات .

مرحلة الرأسمالية الصناعية:

وهي المحطة الثانية لتطور الرأسمالية، بدأت مع ظهور رأس المال الصناعي، وتحققت خلال الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى سبعينيات القرن التاسع عشر، نتيجة للثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا حيث اكتشفت تقنيات جديدة للإنتاج (كالمحرك البخاري وآلة الغزل) لتنتشرت هذه التقنيات فيما بعد في العديد من الدول الأوربية وأمريكا واليابان في فترات متفاوتة؛ فانجلترا جمعت كل الخصائص الأساسية التي تبعت هاته الفترة التاريخية التي تعلقت بمعطيات اقتصادية وديمغرافية واجتماعية وفكرية علماً أن عوامل الثورة الصناعية معقدة ومتداخلة لحد أن مؤرخي الحياة الاقتصادية اختلفوا في تحديد الأسباب الأساسية للتغيرات التي طرأت على الواقع الاقتصادي بمناسبة هذه الثورة، إلا أن مما شك فيه أن الاختراعات التقنية مَكَّنَتْ من استعمال وسائل تقنية جديدة زادت إنتاجية العمل بدخول الآلة ميدان الإنتاج وتعويض العنصر البشري، إلا أن النمو الهائل في المنتجات الصناعية نتيجة ثورة الماكينات سرعان ما أدى إلى ظهور الحاجة للبحث عن منافذ إضافية لهذه المنتجات خارج الحدود القومية للرأسمالية الصناعية المحلية.

مرحلة الرأسمالية ما بعد الصناعية:

وفي هذه المرحلة لم تتخل الرأسمالية عن التجارة أو الصناعة أو المال، بل تجاوزت ذلك كله إلى مرحلة أرقى من تطوير قوى الإنتاج استناداً إلى العلم والتقنية، فيما صار يعرف باسم (الثورة الصناعية الثالثة) أو (الثورة العلمية والتقنية في خدمة المشروعات). وانعكست آثار هذه الثورة على كل بقاع العالم؛ كتبعية وعبئا على العالم الثالث، وثروةً وسلطةً على دول المراكز الرأسمالية.

الرأسمالية ما قبل الاحتكارية أو رأسمالية المنافسة حيث كانت تغلب على النشاط الرأسمالي حرية الممارسة والمنافسة التامة بين المشروعات والأنشطة وقد جاءت المدرسة التقليدية (الكلاسيكية) لتؤكد على ضرورة إزالة كل الحواجز والعراقيل من أمام التطور العفوي للرأسمالية،في هذه المرحلة التي استمرت طوال القرن التاسع عشر هيمنت بريطانيا على الاقتصاد العالمي.

المرحلة الثانية: الرأسمالية الاحتكارية ففي أواخر القرن التاسع عشر، بدأت تظهر الاحتكارات الضخمة والشركات متعددة الجنسية (ولاسيما الاحتكارات النفطية والكهربائية والمعدنية في الولايات المتحدة).

وتمثل هذه المرحلة مرحلة النظام الدولي الحديث الذي استقر بعد الحرب العالمية الثانية، وكان يعكس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، التي بدأت قوتها المتفوقة تتضح آنذاك،ومع ظهور رأس المال المالي دخلت الرأسمالية مرحلة الإمبريالية، في ظل تلاحم مصالح الاحتكارات والطغمة مع سلطة الدولة.

بدأت هذه المرحلة مع دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث زادت درجة تركز الإنتاج ورأس المال، وأخذت المؤسسات الصناعية الكبيرة تزيح من أمامها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، منهية بذلك عصر رأسمالية المنافسة، وبرزت قوة رأس المال المالي، وهو رأسمال يستخدم في الصناعة بصورة أساسية، وتسيطر عليه البنوك والشركات الصناعية لاعبةَ الدور ألتسييري للحياة الاقتصادية باعتبارها الممول الأساسي للمؤسسات الكبرى التي اضطرت لاستعمال القروض البنكية ولإصدار الأسهم حتى تتمكن من جمع الموارد المالية استجابة لمتطلبات النمو



دغوغي عمر