حل الضيف الثقيل "كورونا" بالمغرب كباقي دول العالم وخلط أوراق التعليم كما الاقتصاد، والاجتماع، وتحرك السياسيون المسؤولون عن كل قطاع لبناء "تصوراتهم وسيناريوهاتهم" وفق منحنى كوفيد 19 وقد كان ولا يزال قطاع التربية والتعليم من أهم القطاعات التي استأثرت باهتمام المجتمع المغربي. تساءلت الأسر عن مآل فلذات أكبادها، التي تدرس في جميع، أو بعض الأسلاك التعليمية. خاصة وأن الدراسة توقفت بفعل الجائحة في متم الأسدوس الأول وبداية الأسدوس الثاني(الدورة الثانية). نجح من سعفته الظروف، أوبدل مجهوده الأقصى لنيل المراتب الشرفة، وتعثر من لم تسعفه الظروف، أو لطارئ معين قد يكون؛ بيداغوجيا أو ديداكتيكيا، أو نفسيا، أو مرضا عضويا، أو أسريا أو اجتماعيا متعلق بالفقر والحاجة والعوز...

طالبت الوزارة المدرسين والأطر التربوية اعتماد التعليم عن بعد في جو شبه صعب؛ نظرا لغياب أية تجربة مسبقة في ميدان التعلم والتعليم التكنولوجي بين الطاقم التدريسي والمتعلمين المغاربة، وأعني هنا القاعدة الشعبية المغربية التي لو لم يتم مدّهم بالمحفظة المدرسية لما تمكنوا من متابعة دراستهم(مليون محفظة مثلا) القاعدة الشعبية التي تكافح أسرهم لضمان قوت يومهم، الذي سيبقى ناقصا بالطبع إلا لسد رمقهم كيفما كان ذلك. فمن أين لهذه القاعدة الشعبية من التلاميذ لاسيما القرويين منهم، بالهواتف الذكية، والحواسيب والشاشات الإليكترونية؟! بل أين الأنترنيت وصبيبها اليومي والدائم لتتبع الدراسة عن بعد ؟! وهنا نسائل الوزارة التي تعتزم توزيع حوالي مليون كراسة على التلاميد القرويين، وشبه الحضريين، من سيشرح لهم تلك الكراسات إذا لم يكن هو الأستاذ؟! وكيف سيتواصل المتعلمون بأساتذتهم عن بعد؟! لماذا لم تفكر الوزارة في اقتناء الحواسيب والشاشات الإليكترونبة للمتعلمين عوض الكراسات، لأنهم لم يقرؤوا بعد، ولم يستوعبوا كتبهم الكثيرة التي في محافظهم ؟! هذا إذا لم يكن من وراء ذلك ربح الناشرين وبعض اللوبيات التجارية فقط، دون مراعاة كيفية تعلم وإفادة المتعلمين، والاقتصار على الكم الذي سيزيد من الضغوط عليهم وليس تيسير العملية التعليمية التعلمية!!

إذا كانت الإحصائيات التي تشير وحسب الجهات المعنية بأن التعلم عن بعد ناجح، وقد حقق الكثير فهذا الأمر بلا شك يتعلق بالمجال الحضري حيث يتواجد أبناء الميسورين ممن تتوفر فيهم شروط وامكانيات التعلم التكنولوجي، وحيث صبيب الأنترنيت مضمونا وظروف المعيشة ملائما كمًّا وكيفا..أما العالم القروي و الشبه حالضري فالأمور شبه كارثية إلى كارثية - سأل أحد التربويون تلميذا فيما إذا كان يتابع دراسته عن بعد فأجابه:  لا أعرف أين وضعت محفظت- وأبوه لا يملك هاتفا ذكيا بعد فما باله هو!!..حدث ولا حرج عن حال جل القرويين..

ففي الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة متى سيتم رفع الحجر الصحي لعودة أبنائهم لقاعات التحصيل الدراسي، والاستفادة من الدروس الحضورية التي لم ينعموا بها مثل أقرانهم ممن تابعوا بعضها عن بعد، ومنهم من عزم على الكد والمثابرة لتعويض ما لحقهم من تعثرات في الأسدوس الأول؛ لسبب أو لآخر، خرجت علينا الوزارة بلسان الوزير لتحسم أمر النجاح لمن سعفتهم كل الظروف في الفروض الحضورية للمراقبة المستمرة للمستوى الابتدائي والإعدادي، لتضرب بذلك عرض الحائط مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين؛ بين من سعفتهم الظروف في الدورة الأولى ومن لم تسعفهم وعقدوا آمالهم على الأسدوس الثاني!!

أليس من الضحك والبكاء معا والعيب والارتجالية كذلك دعوة هؤلاء المتعلمين، خاصة من حكم عليهم "بالسقوط" والتعثر إلى مواصلة التعلم عن بعد، والإجتهاد بداعي أن الدراسة لم تنته بعد وستستمر إلى نهاية شهر يونيو، بينما الوزارة قررت وحسمت في أمر النجاح وانتهى الأمر في نظر التلميذ؟!! فأي اجتهاد وتعلم ومتابعة تطالبه يا سعادة الوزير من متعلم وتلميذ حكمت عليه مسبقا على قرار نجاحه وسقوطه قبل نهاية السنة والمقرر الدراسيين ؟! وأية كراسات سيقرأ ولماذا أصلا؟!!  فبالنسبة إليه انتهى الأمر والموسم الدراسي بحصوله على نتيجة نجاحه أو سقوطه!!. 

من هنا يظهر لكل ذي عقل سليم أن قرار الوزارة بالفصل في نجاح وسقوط بعض المتعلمين قبل نهاية الموسم الدراسي على حد لسان الوزير، وفي خضم إنتاج الكراسات والمطالبة بمواصلة التعلم عن بعد، أمر مُرتَجَل فيه، وسابق عن أوانه، سيدركه  المحكوم عليه بالتعثر-المتعلم والتلميذ الصغير- قبل الكبير ،وقبل الآباء والأولياء، وقبل المحللين وسيعتبره ظلما وغير متكافئ، وغير عادل.

كان بالامكان إعلان حالة نجاح شامل لفلذات أكبادنا أمام ما أصاب الجميع من حجر صحي قوَّض حرية الجميع، وحماس المتعلم الصغير للاجتهاد في قادم فروضه وامتحاناته المعلقة، ومراعاة لظروفه كيفما كانت، ودعما له نفسيا، وتشجيعا له مستقبلا لبدل كل جهوده، وإشعاره أن هناك دولة ووزارة تفكر في خيره وما يسعده مهما حصل.

ما أصاب البلاد بالطبع شيء فريد من نوعه وما يحدث هو تجربة جديدة بما لها من تعثرات ونجاحات في شتى الميادين ولكن لا ينبغي أن تكون هذه التجربة فرصة لزرع الغبن والبغضاء في أي أحد خاصة فلذات أكبادنا من المتعلمين الصغار، مستقبل هذا البلد الطيب المعطاء، ولا حتى في تلك الأسر التي لم تنل بعد دعمها المشروع من صندوق الجائحة للتضامن؛ لأن لها أبناء ينتظرون العويل والقوت والتدريس وغيرها من متطلبات العيش الكريم، لاسيما في شهر الصيام والتعطيل عن العمل..



مولاي علي الإدريسي