اليوم كل الخبراء والمتتبعين يتحدثون عن العالم بعد جائحة كوفيد 19، ما مصير الاقتصاد

العالمي بعدها؟ و ما مصير الاتحاد الأوربي؟ و ما مصير موازين القوى بين الدول العظمى

أمريكا والصين خصوصا؟ وهل لا تزال للولايات المتحدة ما يؤهلها للانفراد بقيادة العالم،

أم حان الوقت لتخلي مكانتها للصين، أو لاقتسام الريادة معها؟ ترى هل يتم ذلك بشكل

حضاري أم يجنحان إلى الحروب القذرة، طبعا ليست عسكرية فزمنها بين الكبار قد ولى مع

الحرب العالمية الثانية؟

أمام هذه الجائحة هل تظل القطاعات على حالها، أم سيتم إعادة ترتيبها بحيث يصبح لقطاع

الصحة الأولوية على بقية القطاعات، ابتداء من العنصر البشري المؤهل تأهيلا عاليا يمكنه

من التصدي لمثل هذه الجوائح التي يظهر أنها الحرب المستقبلية، إلى الأجهزة الطبية جد

المتطورة للكشف عنها قبل استفحالها، إلى المستشفيات والمعاهد والمختبرات بطاقات

استيعابية كافية، و أكيد معه قطاع التربية و التعليم بصفة عامة باعتباره قاطرة كل

القطاعات و محضن البحث العلمي المعمق؟

إذا كان هذا على مستوى الدول العظمى و المحاور التابعة لهذه القوة أو تلك، فماذا عن

كل دولة على حدة؟

المنطق يفرض أن كل الدول ستعيد النظر في ترتيب أولوياتها على ضوء تحديات هذه

الجائحة، التي اجتاحت في وقت قياسي كل بلاد المعمور بدون استثناء. فأضحت كل دولة

تسابق الزمن في محاولة لاحتوائه كي لا يخرج عن السيطرة. فأصبح شعار كل واحدة هو

نفسي نفسي، حتى رأينا بإيطاليا من يحرق علم الاتحاد الأوربي بما أن دوله تركت بلادهم

تواجه الموت بمفردها.

فاتضح للعيان أن الكلمة كانت للدول التي تولي للقطاع الصحي ما يوازي أهميته مثل المانيا

التي واجهت الوباء في بدايته بثلاثين الف سرير مجهز لاستقبال المصابين، مقارنة بدول لم

يتجاوز عدد اسرتها خمسة الاف سرير، مما جعل اطباء مجموعة منها يجدون انفسهم امام

معضلة انسانية تقشعر لها الابدان، لما اضطروا أمام الخصاص ليميزوا بين من له الحق

في الحياة فيمدونه بسرير ويسعفونه بالأوكسجين، ومن يتركونه لحاله يواجه مصيره بسبب

سنه، علما فالحق في الحياة حق إنساني للجميع بدون ميز. فعلى من تقع مسؤولية هؤلاء

الأبرياء ليحرموا من حقهم المقدس هذا؟ ألم يكن الأحرى بالنسبة لمن يتهافتون على كراسي

المسؤولية أن يكون همهم هو ضمان هذا الحق؟

فهل بقي مما يتذرع به المشرعون لتهميش القطاعات الحيوية من صحة وتعليم و تقليص

ميزانيتهما إلى حدود دنيا باعتبارهما قطاعات استهلاكية غير منتجة، مقارنة بما يشرعونه

لأنفسهم من تعويضات وزيادات و تقاعد مريح مدى الحياة. فمن وجدناه في الساحة وجها

لوجه ضد هذا العدو الفتاك، غير رجال الصحة ونسائه في المستشفيات المدنية والعسكرية،

وكذا السلطات الأمنية في الشوارع لضمان تطبيق الحجر الصحي وحالة الطوارئ حرصا

على حياة المواطنين، و رجال التعليم في البيوت متحملين تكلفة استمرار التعليم عن بعد

لشريحة عريضة من التلاميذ ابتداء من استعمال حواسيبهم الشخصية و هواتفهم إلى التعبئة

فضلا عن مساهمتهم بكل أريحية في صندوق الدعم لمواجهة جائحة كورونا؟

و من الدول إلى الأفراد، أعتقد أنه يستحيل أن تمر هذه الجائحة المدمرة بما خلفته من

ضحايا في الأ رواح، وبما فرضته على البشرية جمعاء من حجر صحي ألزمنا المكوث

بالبيوت فانقطعت الصلات حتى بذوي القربى و الأرحام حفاظا على أنفسنا وأنفسهم،

و أغلقت المدارس أبوابها وشلت حركة وسائل النقل وتوقف دوران عجلة مجموعة من

القطاعات كالسياحة وغيرها فضلا عن التزام النظافة في كل وقت وحين وكذا الكمامات،

ألا يفرض كل هذا وغيره ان يسائل كل واحد نفسه، عن نظامه الغذائي بما يوفر للجسم من

مناعة. فالعبرة مع هذه الجائحة وبعدها ستكون بنوعيته وبغناه وليس بكمه، ومكان تناوله

بالمطاعم الفاخرة أو بجلبه منها بأغلى ثمن. ستكون مناسبة أيضا لإعادة النظر في علاقاتنا

الاجتماعية، وفي كثرة حركتنا بغير لزوم و ارتيادنا للأماكن المكتظة، وحتى في طريقة

تحياتنا لبعضنا من عناق وغيرها. وبالجملة ستكون مناسبة لإعادة النظر في كل جوانب

حياتنا من أدنى مستوياتها إلى أرقاها.


بوسلهام عميمر