دأبت التلفزة المغربية على تقديم باقة من المسلسلات اٍبان وطيلة شهر رمضان من كل سنة , وجرت العادة ان يحتدم السباق والمنافسة بين المخرجين المغاربة للفوز بتمرير الانتاج خلال هذا الشهر المبارك لان نسبة المشاهدة تكون عالية .

هذا السباق الشريف كان دائما يتأرجح بين المتوسط ودون المستوسط ,وشاءت الاقدار أن تمر برامج التلفزة المغربية باٍرهاصات واٍكراهات عديدة تعود غالبيتها الى المستوى المتواضع للمخرجين رغم أن غالبيتهم اٍن لم نقل كلهم درسوا الاخراج خارج الوطن , من جهة ثانية كان التنسيق والملائمة بين الاخراج والانتماء الثقافي لديهم يغيب في غالب الاعمال الفنية .

كرس المخرجون وصانعو الافلام والمسلسلات المغربية زمنا طويلا لاكتساب الحبكة وممارسة العمل الانتاجي للوصول الى مستوى مقبول على الصعيد المحلي ,والذي يفضي مستقبلا الى التتويج الدولي عبر المشاركات في المهرجانات الدولية للافلام بشكل عام .

عادة أقوم بالنقذ البناء دون محابات ودون مغالات ,ولا أتردد في متابعة الجديد على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية , لكن هذه المرة والحق يقال حقق المخرج المغربي قفزة كبيرة على مستوى انتاج المسلسلات الرمضانية , واخص بالذكر مسلسل - ياقوت وعنبر - والذي أبان عن علو كعب المخرج وكاتب السيناريو والممثلين بدون استثناء في الادوار التي تقمصوها, والجميل في الفيلم أنه نال اٍعجاب الجميع داخل المغرب وخارجه , كما أنه ولأول مرة تحقق في مسلسل تبلغ حلاقاته 30 حلقة , مؤشرات تنم عن تقدم كبير في الحبكة والتسلسل وأسلوب التشويق مع تجميع الطبقة الميسورة والطبقة الفقيرة في قالب اجتماعي تراجيدي بشكل يثير الشفقة تارة والاسى تارة أخرى طيلة مجريات الحلقات ,وهي في الحاصل ظواهر اجتماعية متواجدة في أوساط المجتمع المغربي .

مسلسل - ياقوت وعنبر - هو بداية لعهد سينمائي وتلفزي جديد مليئ بالمسرات على مستوى الاخراج والكتابة والتمثيل . يمكن أن يعطي للمغرب قفزة نوعية في السنوات المقبلة ان شاء الله .

جميل أن يكون اٍنتاج مغربي وتكون مواضيع الحلقات مستوحات من الثقافة المغربية وان يكون الممثلون والممثلات مغاربة . وعلى ذكر الممثلين , يصعب كثيرا أن نمنح البطولة لشخص معين في مسلسل - ياقوت وعنبر - لأن الادوار كانت مقسمة بالتساوي وكل واحد كان بطلا في دوره .

هنيئا للمغرب والمغاربة بهذا العمل الرائع والذي يرجع فيه الفضل الى المعهد العالي للمسرح والتنشيط , والذي يهيئ ويكون الناشئة في مجال المسرح والتمثيل ,والى نباهة المخرجين المبدعين والغيورين الذين تشبعوا بالثقافة المغربية بكل مشاربها وحمولاتها , حيث تم توظيفها بذكاء كبير .

ربما آن الأوان لتشييد مدرسة الاخراج بلون وطني , يدرس فيها الاخراج التلفزي والسينمائي ,وتدرس فيها أيضا الحرف والمهن المرتبطة بهذا المجال الفني ,والذي يمكن أن يشكل رافعة أساسية في التنمية البشرية .

المشكلة الكبيرة في هذا المجال في المغرب هو التفاوت والتباين المجالي , حيث لا يعقل أن يتوجب على كل مغربي يريد ممارسة الثمثيل والفن والمشاركة في أي عمل فني , أن يكون من قاطني الدار البيضاء , أو مراكش , أو الرباط , أو طنجة - تطوان .

مع كامل الاسف هناك مواهب وشباب لا ينقصهم الا الصقل , لكن تواجدهم في مدن نائية تجعل حضوضهم ضعيفة وربما منعدمة , بالدليل والحجة فالشاب الذي تقمص دور حمودة مثلا في مسلسل - ياقوت وعنبر - ازداد بقرية باقليم أزيلال ,ولو لم يرحل الى الدار البيضاء لما شارك في المسلسل .



محمد بونوار