منذ ان وجد الانسان وهو يعمل ويسعى الى بناء مجموعة من القواعد والأنظمة التي تمكنه وتجعله يعيش مع أخيه الإنسان في الجماعة، في مراحله الأولى،ثم في  المجتمع فيما بعد، في تعايش وتعاون انطلاقا من مبدأ ان  الحياة حق مشترك للجميع وان الاستفاذة من خيرات الطبيعة وخدمات الجماعة والمجتمع من حق الجميع وليس حكرا على هذا الفرد او ذاك،و على جماعة دون أخرى . ومع توالد الانسان وتكاثره وتطور فكره تمكن في البداية من صناعة الادوات ثم فيما بعد الآلات لاستعمالها في العمل لكسب وسائل ومصادر عيشه وتأمين حياته .وبالموزاة مع ذلك خلق قواعد وانتج قوانين لتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع بني جنسه ،ابدع فيها  الكتاب والمفكرين والفلاسفة مما خلق تراكما معرفيا نظريا شكل مكسبا حضاريا للإنسانية بالإضافة إلى الديانات السماوية ،اخرها ديننا الاسلامي السمح .كل هذه الشرائع المنزلة والانتاجات البشرية مجتمعة عملت على تربية وتنشئة الانسان من خلال مده بمجموعة من الأفكار والمبادى والمعايير حماية لحقوق وواحبات الجميع . ان  تحديد وفهم  طبيعة الإنسان كان منذ ان ظهر الفكر الانساني موضوع  بحث ودراسة من طرف الفلاسفة والمفكرين وعلماء الدين  وصولا إلى ظهور مختلف العلوم الإنسانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وتطورها الى يومنا هذا خاصة علم النفس بكل فروعه الذي  يبحث في السلوك الانساني وداوفعه  واثاره على الفرد ،وكذلك علم الاجتماع الذي يدرس مختلف الظواهر الاجتماعية  في علاقتها بالافراد .هذا التراكم الكمي الهائل من الابحاث والدراسات بقدر ما قدم ووفر معطيات معرفية وعلمية لدراسة السلوك الانساني، بقدرما ازدادت حيرة علماء النفس والاجتماع  في تحديد وفهم   سلوكات الأفراد وتصنيفها الى ما ينتمي الى الطبيعة الإنسانية العاقلة والواعية و الاجتماعية  وما ينتمي الى الطبيعة الحيوانية الغريزية بالمعنى العلمي للكلمة وليس بالمعنى القدحي المتداول .صحيح ان الانسان، كما عرفه المفكرون والفلاسفة قديما وعلماء النفس والاجتماع حديثا ،هو كائن عاقل وناطق واجتماعي مدني واخلاقي وعملي ولكن عرفوه ايضا بانه كائن غريزي شهواني عدواني يبحث عن البقاء على حساب الغير بحثا عن اللذة .فحينما يحضر العقل والوعي والاخلاق في الانسان وما ينتج عن ذلك من قيم التعايش والتعاون والتسامح والتضامن واحترام الحقوق والواجبات والامتثال للقانون ،حينما يحضر كل هذا فإننا امام السلوك الانساني المدني المتحضر الذي يعبر ويجسد  إنسانية الإنسان .اما حينما تحضر الغريزة  والاوعي والبحث عن اللذة. العاجلة وما يترتب عن ذلك من عدوان واعتداء على الحقوق واستغلال الغير ماديا وجسديا  وجنسياواغتصاب وعنف وسرقة وقتل فإننا امام سلوك انساني لامدني و غير متحضر  ،ينعت ايضا بالسلوك المتوحش والهمجي (لا اريد وصفه بالسلوك الحيواني لان هناك بعض التصرفات من بعض الحيوانات ارقى من سلوكات و. تصرفات بعض البشر)  .ان السلوك المدني حاضر وغائب في نفس الوقت  لدى الانسان⁦ .اما نسبة حضوره و غيابه  فان ذلك يختلف حسب طبيعة كل مجتمع ودرجة تقدمه الفكري وتمدنه ( ليس المقصود هنا انتشار المدن على حساب القرى والبوادي ،ففد نجد شخصا متمدنا في البادية و بالمقابل نجد شخصا متوحشا وهمجيا في المدينة)  .لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة عندما  نقرأ اونسمع  او نشاهد بعض الأفعال الصادمة والغريبة عن الطبيعة العاقلة والواعية والاخلاقية للانسان .لماذا  يظهر او يتحول الانسان من" ذلك الكائن الطيب السمح الى وحش مفترس؟ "؟ كما قال احد الحكماء .  لماذا يفقد الانسان رشده وصوابه ويتحول الى كائن غريب ؟ لماذا يختفي الدين والعقل والفكر والاخلاق  والقانون وتحل محلهم الغريزة والرغبة واللذة في لحظات من حياة الإنسان ؟  رغم كل هذه السنين من عمل البشرية واجتهادها  في  وضع أسس لمجتمع متمدن ومتحضر فان المعركة لازالت طويلة ضد لامدنية الانسان من اجل تربيته وتنشئته اجتماعيا، لان هذا هو  السبيل الوحيد من اجل مجتمع امن ومستقر يعيش فيه الجميع في تعايش وتعاون وتسامح وتضامن

 

 

محمد بنوي  : باحت في قضايا التربية والمجتمع