تقديم: في غمرة اليقظة الوطنية، في مواجهة "كوفيد19"، طلعت علينا أصوات نشاز - من تلك التي همها تكسير الحجر الصحي، والنيل المغرض من التفاف المواطنين حول قرارات الدولة المصيرية – تجاهر باعتبار الجائحة جندا من جنود الله، سلطها الله على العباد بعد استشراء المعاصي، ولا علاج لها أقوى من الدعاء والاستغفار، وانتظار الخلاص منه.

فاضت أحزاني قبل أشعاري، وأنا أستغرب أن يظل مثل هذا الكلام ملازما لتضاريسنا العقلية، نفسر به، عبر القرون، على غرار أسلافنا المعذورين، كل ما يصيبنا في هذا الكون الذي لا تُفسر حضاراتنا فيه – علما وإعمارا وتسخيرا - إلا بكونه لم يُخلق ليسالمنا ولم نُخلق لنستسلم لشدائده ومكارهه.

فراغاتُ العقل جَذبٌ لأهْواءٍ

كما رامَت خِربةٌ بوم ٌ وغربانٌ

ومِعمارٌ للجَهالاتِ إذْ تُعلِي

صُروحا في جوفِها منهَ شُطآنٌ

وكِبرٌ من نسلِ جهلٍ له رَكْزٌ

شِنانٌ إذ قَعْقَعتْ للنُّوقِ رُعْيانٌ

ورعْدٌ من أكذبِ الرعد والبَرقِ

فلا أرضٌ ترتوي وهْوَ ظمآنُ

لهُ نَكْسٌ إذ تنادتْ لآراءٍ

عقولٌ من سَمْتها بحثٌ وبُرهانٌ

له نكْصٌ إذْ تصَدّْتْ لأدْواءٍ

فطاحلُ ما لها هَزلٌ وخِذلانٌ

أخا نقْلٍ مِن مُتونٍ لأسْلافٍ

فما إرْثُك إذْ تُواريكَ أزْمانٌ؟

أخا شُربٍ من عُيونٍ لأغْيارٍ

متى تحْفِرْ بئرَ ماءٍ بها أشْطانٌ؟

متى تعْقِلْ غيرَ داعٍ ولا باغٍ؟

متى تَقرأ ما سَما به الفُرقانُ؟

وُلدنا أحرارَ عقلٍ وإيمانٍ

بلا قهرٍ هكذا قضَى الدَّيَّانُ

خُلقنا للزَّهرِ منْ كلِّ ألوانٍ

ترى شوكا؟ إنّهُ غِلٌّ وأضْغانٌ

ترى كهْفا لا سهولا بها زرعٌ

فذا من فِكرٍ بِلبٍّ جُلُّه وسْنانٌ

ترى جُندا في وباءٍ فلا نامَتْ

عيونٌ تُزري بِمن اسمُه المنَّان

ورحمانُ لاَ يُجافِي لهُ خَلقا

وإنْ من خَلقهِ ذِئابٌ وثُعبانٌ

القاموس:

الشِّنان: قِربة جافة يضرب عليها للإبل حتى تسرع

أشطان البئر: حِباله

 

رمضان مصباح الإدريسي