في ثنايا ما أعربت عنه المستشارة الألمانية ميركل وهي بصدد مواجهة هذه الجائحة، أشياء ربما تهمنا هنا في المغرب والتي قد تفيد نسبيا في تعديل النظر إلى الغرب، لقد قالت ضمن ما قالته في اللقاء الذي نظمته منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة 24 أبريل 2020، والذي جمع قادة دول العالم بهدف إطلاق مبادرة للتعاون العالمي من أجل إيجاد الأدوية واللقاحات المضادة لفيروس كورونا، (قالت) "إنه بمجرد تطوير لقاح فإنه سيتاح للجميع"، كما اعتبرت بأن "إنقاذ ملايين الأرواح في هذا العالم من أنبل المهام"، وتعهدت كذلك بأن "تزيد ألمانيا من حجم مساعداتها الإنسانية للدول الأخرى في ظل استمرار الجائحة التي أودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص في مختلف أنحاء العالم".

على الأقل ومن منظور صحي، يفهم من كلام السيدة ميركل بأن هناك نوعا "من حسن النية" واستعدادا من ألمانيا للتعاون ولتخفيف المعاناة مع نهجها لمقاربة منصفة للوصول إلى العلاجات والدواء حين التوفر عليه، وبهذا نكون أمام تصريحات لرئيسة دولة عظمى من الغرب تفكر أو على الأقل هكذا يبدو، "بمقاربة اجتماعية" تعلي فيها من شأن الإنسان "حيثما وجد" من دون منظور تصنيفي ضيق يتعامل مع المنتظم الدولي بعقلية "نحن والآخر". وهي بصدد إطلاقها لهذه التصريحات فربما تكون قد أحدثت نوعا من التعديل في أصوات البعض منا في الوطن العربي والتي ربما تكون تفكر بمنطق "قطعي بالمؤامرة" وتنظر إلى الغرب كما لو أنه كله شر.

من الميزات الهامة التي أضافتها العولمة مع التكنولوجيات الحديثة أنها وضعت الجميع في وضع شفاف يمكن للمنتظم الدولي عبره من رؤية بعضه البعض، من داخل غرفة البيت يمكن متابعة الأوضاع وخطاب السادة الرؤساء مباشرة ومن دون الحاجة إلى "متدخلين"، بعضا من هؤلاء ربما كانوا وإلى حدود الأمس القريب تجدهم يجتهدون لكي لا تصل المعلومة بالشكل التي هي عليه، غالبا ما كانت تتدخل الإيديولوجيات والمصالح لتغيير ملامح الخطابات والوقائع وإلباسها لبوسات تنسجم مع أهدافهما ومراميها، لحسن الحظ أنه مع العولمة الآن وبموجب قدرات التواصل العالية التي تتيحها فلم تعد الأمور تدار كالسابق وقد يكون لديها نصيب في تقريب وجهات النظر أو "على الأقل" رؤية الآخر كما هو وليس كما أريد له ان يكون. العولمة، "في الوجه الإيجابي منها" ربما قد تكون ساهمت أيضا في إتاحة الفرصة لإعمال المقارنات وإتاحة الإمكانية لنقل التجارب وأفضل الممارسات.

من جهة أخرى فقد لعبت كورونا دورا آخر في كشف وإماطة اللثام عن جانب من الخطابات المرتبكة والحربائية حول "صندق النقد الدولي"، هذا الصندوق الذي يكاد الجميع وخصوصا الأحزاب السياسية عندنا هنا في المغرب، حين تكون في المعارضة لا تفتأ في التنديد به، وتعتبره أداة الغرب وأكبر صندوق لمصادرة القرار الاقتصادي والمالي للدول، غير أنه ما إن تتولى السلطة حتى يصبح التبرير هو سيد الموقف مع محاولة الامتثال إلى توصياته وقراراته للاستفادة من الخدمات التي يتيحها، كما حصل حاليا مع العدالة والتنمية المغربي الذي كان يصور لأنصاره وقت كان في المعارضة، أن التعامل مع هذا الصندوق "خط أحمر" لكنه سرعان ما بدا "أكثر تفهما" وهو يقدم على تغيير الموقف وتغيير المرسوم الذي بموجبه ستتمكن الحكومة من الاقتراض، ومستعملة خط الائتمان الذي كانت حريصة على الانضباط لشروطه وتوصياته حتى تتمكن من استعماله في وقت الشدة. الإشكال هذه المرة أن حزب المصباح وهو يقدم على هكذا قرار كان يفعلها "بتحمار العينين" في مواجهة انتقادات أحد البرلمانيين ذي اللون اليساري الذي كان يود الحصول على تفسير من الحكومة حول الجدوى من اللجوء إلى هذا الاقتراض ويدافع إلى كون العملة الصعبة المودعة في بنك المغرب بحسبه كافية لكي تجيب عن الظرفية العصيبة التي يوجد فيها المغرب بحوالي 230 مليار درهم.

نقول هذا ونحن واعون بحجم الإكراه الذي توجد فيه الدولة، وواعون أيضا بحجم المجهودات التي بذلت من أجل مواجهة هذه الجائحة، إنه فعلا لأمر صعب وقاس حقيقة أن تباغت كورونا الحكومة وهي "في زمن حصيلتها" وبصدد تجميع مختلف قواها وإمكانياتها استعدادا منها للمراحل الأخيرة من عمرها، إلا أن "الأقدار" شاءت غير ذلك، حيث حول هذا الوباء اللئيم تفكير الحكومة من منطق ربح بعض النقاط الإضافية في سلم النمو وتخفيض عجز الميزانية والديون إلى محاولة فقط ربح رهان التخفيف من حدة "السيناريو الأسوأ" وهو ما بدأنا نلاحظه في الخرجات الأخيرة للسيد رئيس الحكومة حين بدأ يتحدث عن الإنجازية في ما يخص تجنيب البلاد كذا وكذا...

وعلى أهمية المجهودات كما قلنا، إلا أن الوباء قد أسهم حقيقة في تسليط الضوء على بعض المحاور من ذوي الحمولة الاجتماعية في "أداء الحكومة القبلي" بحيث لو كان أخذها بكثير من الجدية لكنا في وضعية متقدمة في سلم المواجهة للوباء، ولعل أبرز ملف يمكن التدليل عليه هو ملف الاستهداف، لو كان هذا الأخير قد أعد سلفا لكانت الإمكانية سهلة لإقرار الدعم من دون الحاجة إلى ما أسماها السيد رئيس الحكومة "بالمعجزة" في إشارة إلى الجري المتسارع في هذا الزمن من أجل إصدار القرار وكذا التعويض، نفس الأمر يمكن قوله عن الأوراش الهامة المرتبطة بقطاعي التعليم والصحة، بحيث لم نكن نلمس سابقا تلكم البصمة والنفس العالي في إعطائهما العناية اللازمة في التدبير على الرغم من مكانتهما في قاموس حزب المصباح في زمن المعارضة وقبل أخذ زمام التدبير الحكومي.

من جهة أخرى فقد أبانت كورونا عن معادلات من الصعب تجريبها بشكل جماعي، فصعوبة الانضباط والتأقلم مع وضعية "الحجر الصحي" في زمن الجائحة قد أبان عن القيمة التي تحتلها الحرية عند الإنسان، حتى أننا نلحظ بعض العياء الذي بدأ يعتري الأجساد البشرية أمام استدامة الوضع، وقد وصل الأمر في بعض الدول إلى الخروج في مظاهرات من أجل رفع هذا الحجر لفسح المجال أمام الحرية. ورغم أن الصحة، صحة الإنسان في المحصلة هي الموضوعة هذه المرة في المحك، إلا أن الأقدار شاءت أن تضع في معادلة صعبة واحدة بين أهمية المكون الصحي ومكون الحرية. للأسف والمواطن المغربي يجتهد ويطور جاهدا الميكانيزمات المناسبة لإيجاد صيغة توافقية ومخرج لما بين هذين المكونين للبقاء في البيت تطبيقا للحجر رغم صعوبة ذلك، اهتدت الحكومة في هذا التوقيت العصيب إلى إبداع إجراء جديد يتمثل في إعداد مشروع قانون يزيد من حدة المعاناة مع هذا الحجر عبر تشديد الرقابة على الإبحار وحرية التعبير في المجال الرقمي، على الرغم من أهمية هذا الأخير ودوره في التخفيف من وطأة هذه الجائحة في هذا التوقيت العصيب.

 

سعيد الزغوطي