لعل أكثر الكلمات شيوعا في كتابات وفي كلام الناس اليوم، كلمة "الوباء" والسبب هو ما تعيشه وتعاني منه هذه الأيام البشرية جمعاء في كل أقطار المعمور من فيروس كورونا كوفيد تسعة عشر المستجد. وأرجعتنا هذه الجائحة لنتحدث ولنقرأ كثيرا أو قليلا عن الأوبئة التي مضت في حياة الناس عامة وفي تاريخ المغاربة خاصة، فصرنا ننبش في الماضي وفي التاريخ فوجدنا أوبئة عديدة ابتلي بها الناس وعلى إثرها لقوا حتفهم. فما الوباء؟

إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية ستجيبنا قائلة: كل مرض شديد العدوى، سريع الانتشار من مكان إلى مكان، يصيب الإنسان والحيوان والنبات، وعادة ما يكون قاتلا.

وحين نزلت بنا هذه الجائحة طفت على السطح أوبئة أخرى معنوية، كانت نائمة فأيقظتها، خصوصا مع هذا الحجر الصحي المفروض على الناس رعاية لمصلحتهم، فكم من عورة فضحتها كورونا، عوراتنا مكشوفة، سوءاتنا بادية، عجزنا عن التواصل مع أولادنا، عجزنا عن تدبير خلافاتنا الزوجية اليومية المتفاقمة بفعل الاحتكاك المستمر، عجزنا عن تعليم وتربية فلذات أكبادنا ومواكبتهم ومصاحبتهم بسبب التعليم عن بعد، ونحن الذين كنا نعد مهنة التربية والتعليم من أسهل وأيسر المهن، ونلوم كثيرا هؤلاء الأساتيذ الذين لا يجيدون سوى بيداغوجيا "الفلقة"، عجزنا وعجزنا... فشكرا لرب كورونا الذي أراد أن يذكرنا بنعمه التي نحن منغمسون فيها دون أن نشكره.

إن من مميزات هذا الوباء كونه عالمي، وإلا فإن منطقتنا تعاني أصلا من أوبئة كثيرة منها وباء عربي اسمه محاربة الناجحين والقضاء على النابغين وتحطيم المتفوقين، فهل ننكر أن المسؤولين عندنا يمقتون النجاح ويكرهون النبوغ ويحطمون المتفوقين؟ وانظر حولك ستجد تجليات هذا الكلام في شتى الميادين، فإذا كانت الدنيا كلها عندما ينجح الإنسان ويتفوق تنهال عليه الورود والرياحين ويحاط بسياج من العناية والرعاية و يكافأ مكافآت مادية ومعنوية، فإننا نحن لا نكاد نسمع عن رجل نجح أو امرأة نجحت حتى ننهال عليهما بالطوب، ولا غرابة في ذلك فهذه طريقتنا في إطلاق المدافع لتحية الأبطال

ولتشجيع المتفوقين. لا أخالك لم تسمع عن أساتذة اختاروا عن قناعة متابعة دراستهم فاجتهدوا ونالوا شهادات عليا والتي من دون شك ستعود على مجال عملهم بالنفع، فبدل أن تكافئهم الوزارة الوصية وترقيهم إلى السلم المماثل لشهادتهم إسوة بإخوانهم السابقين، صدت في وجههم هذا الباب. ولا أظنك لم تسمع عن كفاءات افريقية وعربية ومغربية بات إعلامنا الرسمي يحاول أن يعرفنا بها هذه الأيام، فهذا إطار في فريق يضم نخبة من الباحثين يعمل ليل نهار لإيجاد لقاح لفيروس كورونا. وهذا إطار آخر تثق في خبرته و علمه أكثر الدول تقدما، وغني عن البيان أن أعدادا كبيرة من أطباء العرب تشتغل في أمريكا، ولك أن تتساءل لماذا وكيف تركوا بلدهم؟ وهل هو في غنى عنهم؟ بل الأدهى والأمر أن حصيلة ذكاء ومخترعي العرب في عالم الطب والدواء تذهب إلى شركات صهيونية متخصصة تضع عليها طابعها، وتربح الألوف المؤلفة من رائها.

آن الأوان لنعترف جميعا بأن منطقتنا تعاني أصلا من أوبئة عديدة أشد فتكا بالإنسان من وباء كورونا كوفيد تسعة عشر، والقيود التي ذكرت في تعريف الوباء تنطبق على ما ذكرناه آنفا. ولذلك فمناعتها ستكون أشد وأقوى، وهذا هو السر ربما في قلة عدد المصابين والمتوفين مقارنة مع الدول العظمى المتقدمة التي لم تعهد التعايش مع الأوبئة فكانت مناعتها ضعيفة ولم تقاوم بشراسة، وهذا هو سر تقدمنا وتخلفهم.



مولود بونعناع