نزولا عند طلب بعض الغيورين المغاربة والنشطاء والحقوقيين وبعض الفعاليات الثقافية والسياسية , ارتأت الحكومة المغربية أن تقوم بجمع التبرعات من المحسنين والميسورين وأصحاب الخير , وهكذا سوف تنظم سهرة غنائية يوم السبت المقبل , يشارك فيها نخبة من الفنانين المغاربة المشهود لهم من طرف الجمهور بالالتزام والانضباط والمساهمة في الاعمال الخيرية , تنقل أطوارها كاملة على جميع القنوات المغربية مباشرة مع جمع التبرعات مع الاستعانة بالتطبيقات الرقمية , بدون رياء أي بدون ذكر الاسماء المساهمة ,وذالك قصد ترميم مستشفى بنصميم الواقع بين مدينة افران وأزرو لاحتواء المصابين بوباء كرونا في أسرع وقت ممكن.

الخبر ليس كذبة أبريل ولا أساس له من الصحة أصلا , لكنه يبقى مجرد اقتراح جميل من مواطن مغربي وهو كاتب هذه السطور لكافة القوى التي تسهر على النظام العام بما فيها أصحاب القرارات الصغيرة والكبيرة ,وبما فيها مهندسو الخطط و الاقتراحات والاحترازات والطرق الوقاءية لتجنب الخسائر جراء انتشار الوباء اللعين ,والذي يأتي على الاخضر واليابس ,والذي لا يرحم الفقير ولا يتسامح مع الغني .

في المغرب اليوم , نحن بأمس الحاجة الى جميع العقول وجميع المساهمات وجميع الاقتراحات في ظل الوباء اللعين الذي بدأ يستفحل رويدا رويدا , خاصة وأن البنيات التحتية الاستشفاءية ليست في مستوى الجائحة التي ألمت بالمغرب الحبيب.

اٍنه مجرد اقتراح , خاصة أن هناك عريضة رقمية لجمع الامضاءات حول المطالبة بترميم مستشفى بنصميم والذي هو جاهز فوق الارض لا ينقصه الا ترميمات انطلاقا من البناء الاصلي , مع العلم أن الارقام مرشحة أن ترتفع في غضون الايام المقبلة .

أرجو وأتمنى وأطلب أن تصل الفكرة الى الجهات المسؤولة ,وأن تكون هناك استجابة سريعة تواكب سرعة انتشار الوباء بين المواطنين المغاربة .

حصيلة هذا العمل ينتمي الى ما يسمى بالديموقراطية التشاركية ,وهو آخر - صيحة – من العمل التشاركي والذي يجمع المواطنين بالدولة .

هناك نقط صغيرة في بعض الاحيان تبدو بسيطة ولا يعيرها الانسان أي قيمة , لكن الحياة علمتنا أن الامور البسيطة قد تكون في الغالب هي سبب النجاح والتفوق .

لتوضيح الفكرة , سوف أبين لكم ذالك من خلال أمثلة من الواقع المعاش من بلدان مختلفة , كل على شاكلته .

في الصين مثلا , هناك مؤسسات تجمع الصور التي يلتقطها المواطنون الصينيون أينما أخذت هذه الصور سواء من داخل الصين أو من خارجه , وهي صور تهم الاحذية مثلا ,والسيارات والدراجات وأي شيء يخطر على البال .

هل تعرفون ما ذا تفعل هذه المؤسسات بهذه الصور ؟

اٍنهم يعالجونها ويبحثون في طريقة صناعة هذه الاشياء بوساءلهم الخاصة , وبعد دراسة مستفيضة يقومون بصناعة مثيلها ,وبالتالي يطرحونها في الاسواق . وقد كانت لهذه السياسة دور كبير في تطوير الصناعة الصينية والتي بدأت تكتسح العالم .

اٍذن الخطة كانت هي الانطلاقة من طرح مقترحات على شكل صور لاشياء مادية , وبعدها يتم تطوير الفكرة وبلورتها وبالتالي صناعتها .

بالنسبة لمشروع ترميم مستشفى بنصميم , الصور متوفرة لدينا ,وهي تترجم بناية فوق أرض الواقع كانت مستشفى كبير الى عهد قريب ,وهو ما يعني أن الحل بسيط جدا ,ولا يحتاج الا الى جمع بعض المال والشروع في العمل , وهي فرصة لتخفيف العبئ على المستشفيات الاخرى .

المثال الثاني نسوقه لكم من دولة ايطاليا ,وهو درس كبير في العمل الجمعوي ومدخل الى ما يسمى بالديموقراطية التشاركية , وهو ضرب من ضروب التماسك الاجتماعي والاعمال الخيرية والتطوعية والتي قوامها جيش من المواطنين يفوق 6 ملايين منخرط في جمعيات مختلفة ومؤسسات كلها مستقلة تجمعها بالدولة المركزية ضوابط قانونية تتلخص في تقديم خدمات للمواطنين الايطاليين وغير الايطاليين حسب تخصصاتهم ,وتقوم الدولة بالتمويل المالي حسب ما تستحقه كل جمعية ومركز ومؤسسة من خلال حسابات سنوية مدققة , هذه المستحقات تعتبر ميزانية مالية وليست مساعدة أو منحة .

تقوم هذه المؤسسات التطوعية بالتداريب حسب التخصصات , نذكر منها الرعاية الطبية , التدخل السريع في حالة الكوارث الطبيعية كالفياضانات والزلازل والحوادث , ومجالات عديدة أخرى .

اٍن المنخرطين في هذه الجمعيات والمؤسسات والمراكز منهم من يعمل نهاية الاسبوع في المستشفيات كمتطوع على مدار السنة , ومنهم من يساعد مرة في الاسبوع في دور المعوقين والمسنين ,وهناك من لا يتم النداء عليهم الا عند حدوث الكوارث الكبرى, وهم بمثابة جيش احتياطي من المواطنين مدربين أحسن تدريب لمساعدة المتضررين ولتخيف العبئ على الممرضين ورجال الامن ورجال المطافء و....والادهى من ذالك , منهم من لهم تخصصات في تشييد الطرقات وبناء القناطر وتهيء المخيمات وحماية الحيوانات واللاءحة طويلة .

يبقى الهدف الاسمى من هذا العمل التطوعي هو تعزيز الديمقراطية التشاركية قصد تعزيز المواطنة وتزكية وازع التضامن والتعاون ونشر الوعي وتحريك الشعور بالانتماء الى الوطن ,وتقوية التنمية البشرية في شقها الانساني .

موقع الجمعيات العربية من هذا العمل التطوعي .

الجمعيات في المجتمعات العربية ,والعمل الجمعوي بصفة عامة يعرف انحرافا كبيرا , وذالك من خلال تسييس العمل الجمعوي من خلال انشاء جمعيات – حزبية - على شكل خلايا في أوساط المجتمع لاسمتالة المواطنين قصد الانخراط في الاحزاب السياسية التي تمول وتخلق هذه الجمعيات وما أكثرها في المجتمعات العربية .

العطب الثاني , يبقى العمل الجمعوي والعمل التطوعي محصورا في تنظيم الانشطة التربوية كالاناشيد والالعاب الرياضية , وشيئ من هذا القبيل .

والأمرُ أن هذه الانشطة تمارس بهدف ملئ الفارغ , وجلب الشباب من الشارع , وهو ما يترجم أن الاهداف تبقى عمودية في العالم العربي عوض الشكل الافقي المتعارف عليه دوليا , أو بلغة بسيطة يبقى عملها احتوائي لظواهر اجتماعية وليس شمولي لحماية المواطن والدفاع عنه ومؤازرته.

ويظل الفارق كبير من ناحية المسؤولية المدنية حيث تنصب الجمعيات الاروبية مثلا نفسها كمطالب بالحق المدني في مناحي عدة , يصعب على المواطن العادي الوصول اليها , كجرائم الحرب , وجرائم الابادة ,وجرائم الاضطهاد والاقصاء والتهميش والفوراق الاجتماعية ,و التلوث البيئي, والعنصرية ,وحقوق الانسان و....

بينما يبقى دور الجمعيات في المجتمعات العربية كأداة نقابية لا قل ولا أكثر .

ظهور وباء كرونا , ربما جاء ليعطينا دروسا كثيرة من جملتها اٍعادة النظر في منظومة الجمعيات وقوانينها وأهدافها ودورها في المجتمعات , خاصة التي تعمل في المجالات الاجتماعية والتي لازالت تحتاج الى رعاية كبيرة , لمواكبة الخصاصات التي تشغل بال المواطنين ,مع التذكير أن هذه الامور مجتمعة تعتبر مدخلا لما يسمى بالديمواقراطية التشاركية .



محمد بونوار