عاشت البشرية ؛ منذ استهلال السنة الميلادية 2020 وما زالت حتى الآن ؛ تحت رحمة عدو غادر ، لا هو بأسراب طائرات مقنبلة فوق رؤوسنا ، ولا هو بحمم بركانية ثائرة ، بل هو جائحة تسير بين الناس ؛ أيا وأينما كانوا ، يفاجئهم في الهواء كما يفاجئهم في المحيطات والمدن والأسواق والتجمعات ، ليست له ظلال ولا أذرع حتى يقطع الإنسان دابره .. بل هو عبارة عن فيروس خبيث بمخالب ورؤوس مدببة ، يتشكل في هيئة أجسام تبعا لكل بيئة حل بها ليغزوها ، ولا يُرى سوى تحت عدسات مجهرية إلكترونية عالية الدقة !

كانت لمفاجأته الإنسان تداعيات كارثية ، سواء في شل حركة الاقتصاد العالمي أو تعطيل حركية الإنسان عموما ، في البر كما في الجو والبحر .. لم يكن أمام الإنسان بد من أن يفر من أمام غزواته القاتلة ، ويلوذ بالحجر الصحي ، ويدع جانبا كل مصالحه وحساباته وارتباطاته بالآخرين .

مغادرة الحجر الصحي ولكن !

كانت منظمة الصحة العالمية WHO قد أوصت ؛ من ضمن جملة التدابير الاحترازية للوقاية من الفيروس ؛ بالالتزام بالحجر الصحي وملازمة الدور والمنازل والمخابئ إلى حين .. إلا أن هذا الحجر الصحي ؛ من جانبه الخفي المظلم ؛ ولّد بين الأسر والأقارب والجيران .. ضغوطات نفسية وكشف عن ظواهر سلوكية مرضية ، كما فجر داخل النفوس عدوانية مقيتة ، كثيرا ما تحولت إلى عنف صريح بشكليه المادي والمعنوي ، هذا عدا صور الانكشافات والافتضاحات الصادرة من الآباء والأمهات والأبناء . ولا غرو أن الحجر الصحي ؛ بهذه الخلفية ؛ لن يمر بسلام دون أن تعقبه مساءلات ومطارحات وحسابات وانتقامات .

أما بالنسبة للمرافق والمؤسسات العمومية فستعيد نظرها حتما في كل صلاتها بالمواطنين ، إما بإعادة جدولة الديون أو المطالبة بالتعويض عن الخسائر التي لحقتها جراء الجائحة الكورونية .

كما سيكون على أرباب المعامل إعادة بناء هيكلاتهم من جديد وتخلصهم من اليد العاملة والبحث عن سيولة مالية جديدة إلى حين استعادة عافيتهم .

أما قطاع التعليم فستظل استراتيجيته المعتمدة في " التعلم عن بعد " غير ذات جدوى ، إن لم تبادر الوزارة إلى تجديد أطرها وإخضاعها لتكوينات خاصة بالأوقات والظروف الطارئة ، كالمرض وتعذر وجود قاعات الدرس أو الأطر التربوية .

أوروبا وأمريكا وآسيا بعد زمن كورونا

حري بنا التوقف عند الأرقام المهولة التي حصدها العدو الكوروني الغاشم ؛ منذ أربعة أشهر بالتقريب وتبعا لآخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية ، والتي بلغت عدد حالات المصابين المؤكدة ما يناهز 2,500,000 المليونين ونصف المليون شخص ، أما الوفيات فقد قاربت رقم 150,000 شخص ، كما أن الوباء تركزت ضحاياه بصورة ملفتة في كل من أوروبا وأمريكا ، ربما لعاملين أساسين : التأخر في الحجر الصحي وعامل الشيخوخة . هذه الأرقام لا يمكن نسيانها فستظل صورها البعبع المخيف المهيمنة على العقل البشري في توقعاته ومخططاته المستقبلية ، كما سترفع من منسوب أداء مؤسسات وشركات التأمين الصحي .

وقد شرعت أمريكا بتوجيه أصابع الاتهام للمنظمة الصحية بالتقصير في القيام بمهامها ، محملة إياها مسؤولية هذه الإبادة البشرية المرعبة ، وكأنها جريمة في حق الإنسانية لا تغتفر . وكانت من أولى ردود فعلها تجاه أرقام الضحايا الأمريكيين سحب تمويلها المالي للمنظمة والذي يناهز 30% من ميزانيتها العامة .

كما أن الأمم المتحدة ؛ وعلى لسان أمينها العام ؛ بدأت تلوح بإجراء تحقيق عن مصدر الوباء وكيف تم تفشيه حتى عم كل بلدان العالم ، علما أن الصين ـ وحتى الآن ـ ما زال موقفها لم يبارح التشكيك في جهات ذات صلة بوكالة المخابرات المركزية CIA التي كانت وراء تركيب غاز السار Sarre في أحد المختبرات السرية تحت أرضية بأفغانستان .

لكن ؛ فيما يبدو وعلى ضوء سياسة العلاقات الدولية التي ينتهجها حاليا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلجوئه إلى سياسة الضغوطات وفرض العقوبات الاقتصادية ؛ ستكون دول الخليج العربي المنتجة للبترول هي الضحية الأولى والبقرة الحلوب لتدفع فواتير الخسارات الاقتصادية التي منيت بها أكبر الشركات ومؤسسات الطاقة والمال في العالم .



عبد اللطيف مجدوب