تمكنت ميليشيات حكومة الوفاق، مدعومة بالمرتزقة السوريين والضباط الأتراك إضافة إلى السلاح التركي المتمثل في المدرعات والطائرات المسيرة، من استعادة 3 مدن غرب ليبيا هي صرمان وصبراتة والعجيلات وسط أنباء متضاربة عن السيطرة على مدينة العسة التي كان قد سيطر عليها الجيش حديثا.

ويعكس هذا التقدم حجم الدعم التركي الذي تلقته حكومة الوفاق، الواجهة المدنية لتيار الإسلام السياسي في ليبيا بمختلف تفرعاته، بمَن في ذلك أنصار الشريعة وجماعات مقربة من تنظيم القاعدة كـ”سرايا الدفاع عن بنغازي”، وهو فصيل مسلح مكون من قيادات متطرفة طردها الجيش من بنغازي، وتداول الإعلام المحلي الليبي، الاثنين، فيديوهات تُظهِر مشاركة عناصر منها في معركة السيطرة على صرمان.

وتأتي هذه التطورات العسكرية في إطار عملية “عاصفة السلام” التي أطلقتها حكومة الوفاق منذ نحو أسبوعين في خرق واضح للهدنة الدولية التي اقترحتها عدة دول لمواجهة فايروس كورونا منتصف مارس الماضي، والتي كانت هذه الحكومة أول من أعلن موافقته عليها. 

ودشنت تركيا حملتها العسكرية غرب ليبيا منذ يناير الماضي، بتثبيت أجهزة تشويش ونظام دفاع جوي بهدف شل حركة الطيران المسير التابع للجيش، مستفيدة من الهدنة التي فرضتها بالاتفاق مع روسيا في 11 يناير وحظيت بدعم المجتمع الدولي.

وظل الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر مسيطرا على  الأجواء الليبية منذ إطلاق العملية العسكرية للسيطرة على طرابلس، وكانت استراتيجيته قائمة على استهداف مخازن الأسلحة التركية بما في ذلك الطائرات المسيرة التي كانت تصل إلى الميليشيات حيث تم تدمير العديد من الشحنات فور وصولها إلى مطارات زوارة ومعيتيقة ومصراتة.

ومؤخرا فقد الجيش الليبي السيطرة على الأجواء، إذ بالإضافة إلى نظام التشويش الذي ركزته تركيا، تم استهداف قاعدة الوطية العسكرية مرارا خلال الأيام الماضية، وهو ما يبدو أنه حال دون أي تدخل جوي لإسناد قوات الجيش داخل صرمان وصبراتة والعجيلات.

واستفادت الميليشيات من تدريب عسكري تركي وتكتيكات مأخوذة من وضع تركيا كقوة أساسية في الناتو، وهو ما جعل من السهل على حكومة الوفاق السيطرة على المدينتين.

وكشف مصدر ليبي أن لواءً كاملا من ميليشيات مصراتة شارك في معركة اقتحام صرمان وصبراتة. واعترف المصدر في تصريح لـ”العرب” بسقوط عشرين مقاتلا من قوات الوفاق، دون أن يحدد ما إذا كانوا من ميليشيات مصراتة أم من طرابلس.

وعن وجود ضباط أتراك برتب كبيرة ساعدوا ميليشيات حكومة الوفاق على التخطيط لاقتحام صرمان وصبراتة، رفض المصدر أن يؤكد أو ينفي المعلومة، دون أن يستبعد الدعم التركي لقوات حكومة فايز السراج.

ويخفي صمت المجتمع الدولي على خرق حكومة الوفاق للهدنة الأخيرة بعملية عسكرية واسعة، وخاصة بعض السفارات التي كانت تضغط على الجيش للموافقة عليها، كالسفارة الأميركية، انحيازا إلى صالح تركيا ومن خلفها حكومة الوفاق.

ويؤكد هذا الصمت ما يذهب إليه بعض المحللين مِن أن تركيا تقاتل بالوكالة في ليبيا لصالح عدة دول من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وقطر.

وسبق لحكومة الوفاق أن وقعت اتفاقية تعاون أمني وعسكري مع تركيا نهاية نوفمبر الماضي، أعلن على إثرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البدء في إرسال عسكريين أتراك إلى ليبيا، كما لم يخف نيته الاستعانة بالمرتزقة السوريين الذين تتولى حكومة طرابلس دفع مرتباتهم في ظل أزمة اقتصادية تعانيها جراء إيقاف قبائل الشرق والجنوب لتصدير النفط احتجاجا على عدم حيادية المصرف المركزي الذي يستغل العائدات النفطية لدعم الحرب ضد الجيش.

وأرسلت تركيا، على مدى الأشهر الماضية، الآلاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا من بينهم عناصر متطرفة من جبهة النصرة وتنظيم داعش، لمعاضدة ميليشيات حكومة الوفاق وسط صمت دولي مريب.

ولم يدخر المجتمع الدولي منذ إطلاق الجيش لعملية السيطرة على طرابلس أي جهد لإصدار بيانات تحذر من قصف المدنيين، وهي البيانات التي اختفت منذ نحو أسبوعين رغم استهداف الطيران التركي المسيرِ مواقعَ مدنية.

وكانت تلك البيانات بمثابة رسائل تحذيرية للجيش يبدو أنها دفعته إلى التأني في استعمال القوة وتوجيه ضربات موجعة للميليشيات، في حين يطلق الصمت الدولي الحالي أيدي تركيا لاستخدام ما تراه مناسبا من قوة.

وفي هذا السياق تساءل المحلل الليبي محمد الجارح “هل يوجد مدنيون في المناطق التي تقوم قوات حكومة الوفاق بقصفها والهجوم عليها برا وجوا أم لا؟ وهل هم معرضون للخطر كما يتعرض أهل المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق عندما تقوم قوات القيادة العامة بالقصف والهجوم”.

ويرى مراقبون أن تركيا بحاجة إلى هذا النصر الميداني في وقت تواجه فيه وضعا صعبا على مختلف الجبهات، في سوريا وداخليا ومع أوروبا.

ويحذر هؤلاء من خطط تركيا في ليبيا على المدى المتوسط والبعيد. وقال الجارح إن “البعض يعتقد بأن التدخل التركي في ليبيا هو فقط من أجل الدفاع عن حكومة الوفاق وخلق نوع من التوازن في القوة على الأرض، هذا اعتقاد خاطئ، خطة تركيا في ليبيا ليست قصيرة الأمد كما يعتقد البعض، بل لها بعد استراتيجي ينتهي بتواجد عسكري طويل الأمد في شكل قواعد عسكرية في غرب البلاد”.