العفو الملكي على بعض السجناء والمعتقلين بمناسبة وجود وباء كورونا يتطلب منا جميعا أن ندرسه، ونلتفت إليه بالعناية التي يستحقها، ونخصص له هذه المقالة الرابعة مما كتبناه بهذه المناسبة، ونبدأ كما يلي:

إن العفو الملكي هذه المرة صدر بمناسبة الوباء، وهي مناسبة نزول الشر الكبير بالشعب، بعد أن كان العفو يصدر بمناسبة الأعياد الدينية، والسياسية فقط، وهي أوقات الفرح، وهذه مناسبة الحزن الكبير، وهذه أول مرة في تاريخ البلد يصدر العفو من هذا النوع.

ومن الأدب وجميل الاعتراف أن نشكر جلالة الملك على هذا العفو، وكذلك كل الذين ساهموا في إعداد ملفات العفو من وزارة العدل ومندوبية السجون والنيابة العامة وغيرهم، ورغم أن لائحة المشمولين بالعفو لم تنشر حتى الآن، وكون طريقة تنفيذ العفو تدريجية، وتحوم حولها احتياطات نتمنى بعدها المزيد من الخير.

وقد كنّا في هذه المناسبة لاحظنا توجيه رئيس النيابة العامة بعدم اعتقال القاصرين حرصا على سلامة صحتهم، وتوجيه رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية لأجهزة السجون والاعتقالات بأن تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على صحة السجناء، وهم مشكورون على هذه التوجيهات.

وكان لا بد لي أن أذكر بعض الأمور هنا، تأثرت بها، منها وفاة بعض القضاة والقاضيات، ومرض البعض الآخر بهذا الداء، وكذلك بعض المحامين والمحاميات، وغير هؤلاء، ونوجد جميعا في لحظة حضور المرض والموت؛ لأن الوباء يحيط بِنا جميعا.. وعند قرب الموت، يطلب الناس من بعضهم "المسامحة"؛ وهي بالدارجة المغربية تعني العفو، قبل الموت، ولا ندري مع كورونا من السابق واللاحق؟ ولكن ما تبقى، ولو قصيرا من عمرنا، نريده أن نكون مع عدالة نرضى عنها... وحكاما ديمقراطيين نعترف لهم بالجميل بدون مقابل.

وفي سياق "المسامحة" لا ننسى أن نطلب من ضحايا من وقع عفو الملك عنهم أن يسامحوا من استفاد من العفو إن كان اعتدى عليهم، ونطلب كذلك ممن ظلم أحدا ووقع العفو عنه أن لا يرتكب ظلما آخر بعد العفو, لتكون المسامحة شاملة متبادلة...

كل ما قلناه هنا يهدف إلى قطع جذور الكراهية والحقد والانتقام وتخفيف الحزن من المجتمع، ونحن نرى عدد المرضى والموتى بهذا المرض يزداد يوميا، ولا ندري إلى متى سيتوقف هذا الازدياد؟ وعلينا أن نعتني بهؤلاء المرضى، ونقف مع أقربائهم، ولو معنويا، حتى لا تقوم الفتنة إلى جانب المرض والموت عندما تزداد الحالة سوءا، وعلينا أن نعتبر الموتى شهداء هذا الوباء، ونحتفظ بلوائحهم، لتكريمها، ونقلها إلى الأجيال القادمة، والسجناء معرضون للخطر أكثر، لأنهم خارج نطاق منازلهم وأقاربهم، وهم كثيرون في بلادنا، والأمور واضحة إذا أشرنا إلى سجناء حراك الريف ونزاع الصحراء وآخرين، ونلتمس أن تبقى لائحة العفو مفتوحة تدريجيا، وبدون الاقتصار على اللائحة المعلنة حاليا، كما نرجو من الشعب أن يعبر عن تشجيع العفو، بالتعبير عن الشكر لمن يستحقه، بوسائل الإعلام كتابة وشفويا...

الرباط في 6 أبريل 2020

 

أحمد الدغرني