قريبا سيرفع الله عز وجل جلاله جائحة "كورونا" عن العالم وعن المغرب، وستدب الحياة من جديد، ولكن هل الكل استفاد من درس كورونا؟ هذه الجائحة التي لم تستثن أحدا، بل ساوت بين الجميع.

الآن الكل قابع في بيته والكيّس من يراجع ذاته يوميا ويعالجها بالتخلي عن عاداته السيئة، فإن كان مدمنا على التدخين، أو شرب المحرمات، أو القمار، أو الملاهي وأماكن الفجور، وإن كان مدمنا على الغيبة والنميمة وتتبع عورات الناس ونقل الوشايات بينهم، فهو الآن في حجره الصحي لتطهير ذاته ونفسه من هذه السلوكيات المشينة؛ فهذه مناسبة ذهبية وفرصة ثمينة لمراجعة الذات والإقلاع عن الخبائث.

إننا اليوم أمام مرحلة جديدة، وولادة جديدة للذات، مرحلة ما بعد "كورونا"، مرحلة المصالحة مع الجانب الطيب فينا، مرحلة الوضوح مع محيطنا، مع زوجاتنا وأبنائنا، مع إخوتنا وأصدقائنا، مرحلة ظهر فيها من كان معدنه أصيل ولو بالبقاء في بيته وعدم نشر العدوى، وذلك أضعف الإيمان، ومن مازال يتردد في صقل معدنه وينظر إلى صدئه كأنه شيء منه.

ولكن الأخطر من "كورونا" هذا الذي يخال نفسه على حق وهو يركب صهوة الباطل، وهو يقبع في الحجر الصحي ويجيش الناس من خلال نشر الإشاعات والأكاذيب والأخبار الزائفة عبر هاتفه النقال، فينقل الباطل ويتهدد الناس في حياتهم وسكينتهم، بل لا يغمض له جفن حتى وهو في فراش النوم يحيك سيناريوهات للإطاحة بالناس في فخاخه الخبيثة. الأخطر من "كورونا" هو هذا الذي يقبع في البيت مكرها وقد اشتاق إلى الجلوس في الحانات وأكل لحم الناس..الأخطر من "كورونا" هو هذا الذي كلامه ليس إلا: التقيت بالوزير واتصل بي السفير وقطعت الاتصال عن البرلماني فلان وسأدخل علان للحبس وسأرفع دعوى ضد إدارتي.. الأخطر من "كورونا " هو هذا الذي يوزع الوعود الكاذبة على الناس ويتخذهم هزءا.. الأخطر من "كورونا" هو هذا الذي يحب الصيد في الماء العكر.. الأخطر من "كورونا "هو هذا الذي إن وضع خده على الوسادة لا ينام..الأخطر من "كورونا "هو هذا الذي منعته وقيدت حركته إجراءات الطوارئ لأنه كان يتعيَّــش من فتات رشاوى الإدارات والوساطة في الملفات والتشويش على عمل القضاة وهيئة المحامين وغيرهم.

الأخطر من كورونا هو هذا الذي "لا شيء" إن أبقيته في معزله.

إن كورونا كجرثومة ستزول، ولكن هل بزوالها تزول هذه "الكورونات" البشرية؟

عبد الرحمان شحشي