سأحاول أن أطلعكم على نهج التحليل النفسي، وليس التحليل، لِما يحدث في عالم السياسيين مع ظاهرة "كورونا".

ذكّرتني الطريقة التي تمَّ بها هياج العالم السياسي بفظاظة مثل الرعد في سماء زرقاء أمام "كورونا" بما أراه عادة عند مرضى معينين في الأمراض النفسية، مثل أمراض العُصاب.

عادة عندما يعاني شخص مصاب بالعُصاب من صراعات نفسية داخلية تتفاقم أكثر فأكثر ويعجز تماماً على حلها، حينئذ يدخل جسده على الخط ليلعب دوره للتخفيف من العذاب الداخلي، حيث يُثير أزمة متشنجة وهستيرية أو ببساطة توعك مبهم مع الإغماء. وهكذا، يوقِف الجسد العذاب النفسي بغتة، ويسمح للشخص بالشعور بالراحة بعد الاستيقاظ!

الآن، وكما تعلمون، لأكثر من عقد من الزمان، تَعثَّر السياسيون في جميع أنحاء العالم في مواجهة الصراعات الوطنية والدولية دون معرفة كيفية تسوية جميع هذه القضايا التي لا تنتهي من التكاثر يوما بعد يوم؛ مثل البطالة والعبودية الحديثة والثراء الفاحش والفقر المدقع والهجرة والتلوث والسترات الصفراء والوِزْرات البيضاء والربيع العربي... والقائمة تطول.

كما نشاهد الحكومات تتغير الواحدة تلو الأخرى، على أمل أن تحقق إحداهن الرفاهية التي يتوق إليها المواطنون؛ ولكن للأسف بدلا من أن تتحسن القضايا، نراها تتفاقم أكثر.. وهكذا، فقد المواطن تدرجيا كل الثقة في كل الحكومات على الصعيد العالمي.

وأتساءل: ماذا يمكن أن تفعل كل هذه الحكومات والأحزاب السياسية الحاكمة؟ لا شيء؛ لأنها لا تملك الحلول، وليس لا تريد أن تجد الحلول! وهذا هو الواقع التجريبي الواضح للسياسة الممارسة في كل الدول، كانت متقدمة أم متخلفة!

لذا، بمجرد وصول "كورونا"، انكب عليها بهيجان جميع السياسيين والحكومات؛ وهو ما تسبب في الرعد العالمي الذي نشاهده في هذه الآونة وكأن "كورونا" جاءت لإنقاذهم وتمويه إفلاسهم.

فجأة، اندلعت إثارة عالمية للحكام في آن واحد وبشكل مضطرب ومتشنج بشعار: "نحن هنا سوف ننقذكم جميعًا من كورونا". وبأعجوبة، أصبحوا جميعًا "يسوع" على الفور، ليخلصوا البشرية من جحيم "كورونا"؛ ولكن قد فات الأوان، البشرية قد أصيبت منذ سنوات عديدة بمرض "كورونا" الظلم، و"كورونا" الثراء الفاحش والفقر المدقع، و"كورونا" خيانة السياسة الممارسة.

هذا التشنج المفاجئ وهياج السياسيين ضد "كورونا" سمح لهم بأن يضعوا وراء قناع "كورونا" كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والإفلاس السياسي. كما أن جميع القضايا الوطنية والدولية أصبحت، الآن، محصورة خلف كمامة "كورونا"!

وعلى غرار الانزعاج المبهم الذي يعانيه الشخص المصاب بالعُصاب، فإن "كورونا" ما هي إلا صفار طنجرة الضغط فوق النار، نار الثراء الفاحش والفقر المدقع ونار الظلم!

جواد مبروكي